حاورها سلطان القحطاني من الرياض: زينب حفني... كاتبة وقاصة وروائية سعودية من مواليد مدينة جدة، تخرجت من كلية الآداب جامعة الملك عبد العزيز بجدة قسم دراسات إسلامية. بدأت العمل في الصحافة عام 1407هـ. تنقلت في عدد من الصحف المحلية. كتبت في عدة مجلات عربية من ضمنها مجلة "صباح الخير"، مجلة " الرجل". كتبت مقالا أسبوعيا بصفحة الرأي بصحيفة الشرق الأوسط الدولية على مدى خمس سنوات. صدر لها :" رسالة إلى رجل". وجدانيات. " امرأة خارج الزمن" نثـر شـعري. ثلاثة مجموعات قصصية: "قيدك أم حريتي". "نساء عند خط الاستواء". "هناك أشياء تغيب". رواية " الرقص على الدفوف". كتاب "مرايا الشرق الأوسط" يضم قسم كبير من مقالاتها التي نشرت في صحيفة الشرق الأوسط. صدر لها مؤخرا رواية " لم أعد أبكي". هنا الجزء الأول من حوارنا معها:
* من خلال مرصدك الفكري هل تعتقدين أن المرأة السعودية مقبلة على مرحلة مهمة من كفاحها للحصول على حقوقٍ مشروعة في مجتمعٍ ذكوري؟
- المرأة السعودية وفي ظل المتغيرات السريعة الحاصلة في العالم أجمع يتوجب عليها استغلال الفرص المتاحة لها اليوم للمطالبة بحقوقها التي جُـمّدت باسم التقاليد والأعراف المسيطر عليها مجتمع ذكوري خالص. لكن هذا لا ينفي وجود فئة من الطبقة المثقفة على اختلاف توجهاتها تنادي بفسح المجال أمام لمرأة لممارسة أدوار فعّالة داخل مجتمعها، وإن كانت ضئيلة مقارنة بالأغلبية التي تتشبث بشراسة بمعتقدات وآراء خاطئة حول المرأة من منطلق أن فتح الدروب أمامها سيؤدي إلى انفلات المعايير الأخلاقية داخل المجتمع السعودي.
* عندما كتبتي روايتك " لم أعد أبكي " انتزعتي الكثير من الإعجاب والبعض من الغضب أيضاً... كيف يمكن لكاتبة سعودية أنثى أن تتحدث عن عوالم مسكوت عنها في المشهد الاجتماعي السعودي؟ هل أنت سعيدة أم العكس..؟ وكيف تتعاملين مع هذه المسألة؟
- أنا سعيدة لأن روايتي "لم أعد أبكي" من الكتب الأكثر مبيعا كما نُـشر مؤخرا في العديد من الصحف العربية. لقد أخذت مني هذه الرواية عامين وراجعتها أكثر من خمسة عشر مرة وفي كل مرة أتردد في تقديمها لدار النشر حتّـى أصبحت راضية عنها. لقد علّق أحد الأدباء العرب على روايتي قائلا بأنه عندما قرأها أعتقد بان أحداثها تدور في السويد أو النرويج، متابعا هجومه بأنه لم يقرأ لكاتب سعودي مثل هذا الطرح فكيف بكاتبة أنثى من السعودية!! وعلى الرغم من قسوة كلامه إلا أنني وجدت فيه مديحا مبطنا من وجهة نظري، فاختراق عوالم مسكوت عنها في المشهد الاجتماعي السعودي والتحدّث بجرأة عنها هو في حد ذاته شهادة لي، فليس كل كاتب يملك القدرة على تقديم مثل هذا الطرح الجريء!!
* هل تعتقدين أنك في روايتك قمتي بتحليل الإنفصامية المبطنة والتناقضات الخفية في المجتمع السعودي المحافظ؟
- أريد أن أؤكد أولا أنني كاتبة غيورة على مجتمعي وأتطلع دوما لأن يكون أفضل المجتمعات، ومن منطلق حبي لهذا الوطن تعمّدت قشع الضباب عن الكثير من التناقضات التي يعيش فيها مجتمعنا السعودي، لكن لا يعني هذا بأن روايتي عبارة عن بحث اجتماعي تقريري كما يتهمني البعض كون هذا المجال له أصحابه المتخصصون، ولم أقم بتحليل الإنفصامية المبطنة بالأسلوب الذي يتبعه الطبيب أو الأخصائي النفسي، أنا أديبة وقد استخدمت أدواتي الكتابية من خلال أبطال الرواية من غادة إلى نشوى إلى طلال السعدي في إرسال إشارات واضحة لإظهار السلبيات وإبراز المتناقضات، وأعتقد أنني نجحت في هذا المنحى بجعل القارئ يتعايش مع الأحداث التي مروا بها أبطال روايتي.
*أثرتي في روايتك العديد من الأشياء التي تكاد تكون من المسكوت عنه كالجنس والسياسة... هل أنت راضية عنها في سياق بنية النص.. أم أنك – كما يقول بعض منافحيك- تريدين إثارة الأصوات من حولك؟
- هناك ثالوث محرّم من الصعب على الكاتب العربي اختراق دائرته، واعني به الجنس والدين والسياسة. لكن إذا كانت المجتمعات في كل الدنيا تقوم على هذا الهرم الثلاثي كيف يمكن للكاتب تجاهلها؟! كيف يستطيع إزاحة النقاب عن سلبيات مجتمعه إذا غضَّ النظر عن واقع مجتمعه الذي ينتمي إليه؟! الأديب مثل المؤرخ كلاهما يُـسجّل التغيرات الحاصلة في مجتمعه، لكن الفرق بينهما أن المؤرخ يكتب بقلم بارد لا حس فيه، أما الأديب فهو يكتب ما يجري بنبض مشاعره ويدمجها بخياله المحلّق. لا أعرف لماذا يتهم الأديب بهذا الاتهام كلما سلط الضوء على واقع مجتمعه!! هل كل الأدباء الذين غاصوا بأقلامهم في أعماق مجتمعاتهم كانوا يهدفون إلى إثارة الأصوات من حولهم!! هذه عبارة منمقة يُراد بها باطل. سأعطيك أمثلة حية.. إذا أردت أن تقرأ عن الوضع الاجتماعي السائد في روسيا قبل وبعد الثورة البلشفية أقرأ "تشيكوف" و "دوستويوفسكي". إذا أردت أن تقرأ عن الحرب الأهلية التي جرت بين ولايات الشمال والجنوب داخل أمريكا أقرأ رواية "ذهب مع الريح" لمارغريت ميتشل التي صورت بمهارة التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية الحاصلة في تلك الفترة وتفوقت على الكثير من المؤرخين المتخصصين. في عالمنا العربي نجح كذلك الأديب نجيب محفوظ في تصوير فترة الاستعمار الإنجليزي على مصر والتغيرات الحاصلة بعد قيام الثورة. هل هذا يعني بأنهم لم يحبوا مجتمعاتهم أو أنهم تعمدوا تشويهها!! هذا افتراء. كما أنني أريد أن أؤكد على حقيقة هامة.. أنا لست بحاجة لإثارة اللغط من حولي، لقد حققت نجاحات ولله الحمد سواء في مجال كتابة المقال الصحافي من خلال ما كنتُ أطرحه من قضايا على مدى خمس سنوات في صحيفة الشرق الأوسط الدولية، ومن قبلها بعامودي الشهري في مجلة "الرجل" التي كنتُ أكتب فيها نثر شعري، بجانب قصصي القصيرة التي أثارت الكثير من اللغط عند نشرها، وأتذكّـر أن أحد الأدباء قال لي أيامها " لقد حركت بقصصك ساحة الأدب السعودي الذي ظل راكدا لأكثر من عقدين". لذا أنا فرحة لأني نجحت في وضع بصمة خاصة بي في تاريخ الأدب النسائي السعودي.
* ماهو نصيب المرأة السعودية من عملية الإصلاح والتحديث التي تحدث الآن في السعودية؟
- للأسف عملية الإصلاح والتحديث تمشي ببطء شديد، وما زال أمامنا الكثير من العوائق لكي نتحدث عن مجتمع مدني حقيقي. لكنني أيضا من المؤمنات بأن المجتمع المدني يجب أن يأخذ تطوره الطبيعي لكي ينضج على نار هادئة فلا يمكن أن نقفز قفزا متجاوزين المراحل المطلوبة. يجب أن نغرس ماهية الديمقراطية في عقول النشء الجديد من خلال المؤسسات التربوية والتعليمية بالإضافة إلى وجوب مساهمة إعلامنا على اختلاف قنواته في هذه الحملة من خلال احترام الحريات وفتح أبواب النقاش أمام الجميع ليعبروا عن وجهات نظرهم فيما يخص قضايا مجتمعهم، والإسراع في تشكيل المجالس البلدية والنقابات والهيئات التي تعتبر النواة الأصلية للمجتمع المدني الحديث. لكن أود أن أؤكد على حقيقة هامة وهي أن كل هذا لن يكون له مردود اجتماعي فعّـال لو ظلّت المرأة قابعة في الظل مشلولة الحركة. إن اهتمام ولي العهد السعودي بأهمية دور المرأة في المجتمع في رأيي يُشكّل أهم المحاور في عملية الإصلاح، لكن للأسف على الجانب الآخر ما زال هناك خوف وتربّص وتردد من قبل الكثيرين حول منح المرأة الفرصة لكي تثبت جدارتها، لذا يجب أن يزال هذا الخوف ويتم التعامل مع المرأة كمخلوق كامل الأهلية، قادر المحافظة على نفسه دون فرض وصاية جبرية عليه من أحد.
* هل يخالجك الألم عندما تنظرين لحال المرأة في المجتمعات الشرقية؟
- المرأة الشرقية اليوم تحاول تقليد المرأة الغربية في كل شيء دون النظر لاختلاف المجتمعات بموروثاته الدينية والفكرية والثقافية. أتمنى أن تنظر المرأة الشرقية للإنجازات التي حققتها المرأة الغربية على الصعيد السياسي والفكري والثقافي كما قلدتها في أحدث خطوط الموضة، وأن تدرس خطواتها وتراقب إنجازاتها بوعي وتتطلع إلى اقتحام المجالات التي برعت فيها لكي تتألق هي الأخرى وتثبت ذاتها.. نعم..أنا حزينة على الحال التي وصلت إليه حال المرأة الشرقية، لقد أصبحت تستغل من قبل الأعلام بقنواته المختلفة بجعلها واجهة تجارية لضمان الربح المادي السريع، حتّى صار هناك سوق نخاسة جديد ولكن بأسلوب عصري والمرأة سعيدة بهذا الحضور الهش الذي يحط من كرامتها كأن التقدّم والمدنية ينحصران فقط في هذا الإطار الضيق الرؤيا.
يتبع
التعليقات