ثمانون شهيداً فلسطينياً خلال ستة أيام؛ ولن تتوقف هذه الحرب عند اليوم السابع، لأنها بدأت عملياً قبل أكثر من قرن، وما من حاسوب دقيق وعادل للدم يقدم لنا عدد من قتلتهم الصهيونية وشردتهم خلال تلك العقود، لأن حاصل الجمع ممنوع، ونلاحظ في أيامنا هذه أن الأنباء المتعلقة بما يجري في فلسطين، تنتظر بفارغ الصبر تجاوز الساعة الثانية عشرة ليلاً، كي ينقطع دم اليوم عن دم البارحة، وكي يقال إن عدد الشهداء الفلسطينيين هذا النهار خمسة أو عشرة وليس آلافاً. فالمطلوب هدوء إعلامي وتأقلم شعبي مع هذه الإبادة التي بدأت بالتقسيط وقد تنتهي بالجملة!


واضح أن شارون قد اتخذ قراره، ووضع في جيبه ضمانات وحقوق نقض لقرارات مجلس الأمن، عندما تتعلق هذه القرارات بالعدوان السافر والمستمر على الأبرياء في فلسطين!
ولمرَّتين على الأقل خلال شهور فقط، أضافت واشنطن نفسها وكامل حمولتها الى الدولة العبرية، عندما شهرت الفيتو ضد قرارات تحاول إنصاف الفلسطينيين.

حدث هذا علناً وبلا أية مواربة في انفراد أمريكا بموقف مضاد لقضاة العالم، عندما رأت في الجدار العنصري ضرورة أمنية، وأمراً منطقياً ومقبولاً.

ومن يزوّدون تل أبيب بخمسة آلاف قنبلة من النوع الذي يوصف بالذكي، قد لا يتنبهون الى غباء قراراتهم، والحماقات السياسية التي يتورطون بها، والتي لن يتجلى مردودها السلبي في المدى المنظور، لأن المعتدى عليهم ليسوا قطعاناً ضالة وبرية في شعاب هذا الكوكب، إنهم بشر يبتكرون من العدم دفاعاتهم، كي يذودوا عن أطفالهم، وهويتهم التي يتم قضمها كما حدث لأرضهم ومائهم وسمائهم!

وأول ما يستوقف المراقب خلال هذا الأسبوع الدامي، هو انحسار ردود الفعل الإعلامية، والصمت الذي ساد في ليل صاخب، وكأن هناك ما يشبه التواطؤ، أو الاستقالة من أدوار ومواقف.

وللمرة الألف، نتساءل، كم هو نصاب الدم المتفق عليه والذي بإمكانه أن يلقي قطرة دم وليس شعرة في حساء هذا الصمت البارد؟

وكم هو عدد الشهداء المطلوب، كي يتسلم العرب الرسالة، ويدركوا أن ما يحدث هو إبادة منظمة وليس مجرد اعتداء موضعي، أو موسمي؟!

واضح أيضاً، أن القتلة باتوا على علم تام بما انتهى إليه المشهد القومي، من لامبالاة وانصراف الى الجهة الأخرى المضادة للمشهد الساطع، ليس فقط لأن العيون كليلة ولا تقوى على التحديق الى هذا الدم المشتعل، بل لأن متوالية الإحباط السياسي أدت مفعولها، حيث أصبح الكلام مجرد هباء، وأعلن الطلاق البائن بين ما يقال وما يمارس. وهنا نتذكر على نحو يتزاوج فيه المضحك والمبكي حكاية الراعي والذئب، رغم أن الراعي في فلسطين لم يكذب عندما اشتكى من الذئب، ثم قرر مجابهته، لكن من كذبوا هم محترفو استثمار الدم، لكن بعد أن يبرد ويجف. ولا ندري كيف ضبط الإعلام العربي خطواته على إيقاع تلك الموسيقا البعيدة التي يعزفها جنرال على قبر جماعي، وإن كان أحياناً يفرغ عظام الموتى من النخاع ويحوّلها الى نايات يصفّر فيها!

إن دولة تدرج أسماء مائة من الناشطين السياسيين على قائمة الاغتيال لهي عصابة لا أكثر ولا أقل، وهي إذ تشكو من الإرهاب تنتج كميات وفيرة منه، وبدرجة أعلى. فهل سيضع الفلسطينيون أيديهم على خدودهم، ويتفرغون لإحصاء قتلاهم ودفنهم، ثم نفض الغبار، وكفاهم الله شر الدفن، أم أنهم سيجابهون قرار إبادتهم بما استطاعوا، رغم ندرة الخيل التي يملكون؟!

إن قتل ألف فلسطيني في يوم واحد، لا يختلف عن قتل هذا العدد خلال ستة أشهر إلا بالنسبة لمن يخافون من ردود الفعل الشعبية، لهذا حلَّ التقسيط مؤقتاً مكان القتل الجماعي والاغتيال بالجملة. وسيبدو الأمر مقززاً، ومثيراً للغثيان إذا أعدنا أسباب هذا الصمت المريب الى ما يبث من سموم إعلانية لا إعلامية حول الإرهاب، فهذه الكلمة تحولت الى (رُهاب) بالمعنى الذي يحدده علماء النفس، ولها من المطاطية والمرونة بحيث تشمل طفلاً يضع يده على رأسه بشكل عفوي ليحميه عبثاً من صاروخ تطلقه الأباتشي!

واليد الصهيونية التي استطالت مراراً لتصطاد فلسطينيين وعرباً خارج فلسطين، قد تواصل هذه الاستراتيجية، لكن بشكل متقطع أيضاً، وذلك لأنها تراهن على ذاكرة العرب الرملية والملأى بالثقوب، فالمرء منهم لا يذكر متى قتل الأعداء أباه أو أخاه، خصوصاً إذا كان مسكوناً بالهلع على نفسه، ويحلم بالنجاة كحيوان هارب من قطيع!

الدولة العبرية، تقتل الفلسطينيين بسلاح أمريكي، وتستمد الشرعية الملفقة والزائفة من الفيتو الأمريكي الذي تحوَّل الى درع صهيونية في كل الحروب، لهذا فالقول إن الولايات المتحدة تضيف حمولتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية الى تل أبيب ليس مجازاً على الإطلاق؛ فماذا يفعل عرب خلفهم روم، وخلف الروم روم أيضاً، وعلى أي جوانبهم يميلون؟!