يوم الاثنين ما قبل الماضي، التقت وزيرة الخارجية الاميركية المعينة كوندوليسا رايس في واشنطن مجموعة من المنظمات اليهودية الاميركية في محاولة لاحياء عملية السلام الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وابلغت رايس زعماء الجاليات اليهودية الذين استقبلتهم في البيت الابيض بنوايا ادارة الرئيس جورج دبليو بوش تكثيف جهودها لدفع عملية السلام هذه الى الامام، مشيرة الى ضرورة ان ترتقي اسرائيل الى تحمل المسؤوليات التي التزمت بها.
وحسب مصدر مطلع، فقد هدفت رايس الى تهدئة مخاوف المنظمات اليهودية من احتمال ان تضغط اميركا بشكل عشوائي على حكومة اسرائيل، وابلغتهم بان الادارة لن تُقدم على شيء يمكن ان يهدد امن اسرائيل، بل انها تنوي التعاطي بشكل فعال لتحويل المجتمع الفلسطيني الى مجتمع ديمقراطي. ولتحقيق هذه الخطوة قالت رايس ان الادارة تتوقع من اسرائيل تحمل كافة مسؤولياتها. وادرك الذين لبوا دعوة رايس، من خلال التصميم المرافق للهجتها، بان واشنطن تتوقع من اسرائيل تجميد كافة الانشطة المتعلقة بالمستوطنات، توسيعا وبناء وانتشارا، وتفكيك كل المواقع التي انتشرت عنوة واستغلالا، واتخاذ كافة الاجراءات لتسهيل عملية الانتخابات في الاراضي الفلسطينية. ولاحظ المجتمعون انه، بالمقارنة، كان عرض رايس لدور اسرائيل في الاسراع نحو استئناف المفاوضات باتجاه السلام اخف من تأكيدها على ضرورة المساهمة بما يولد تغييرات في المجتمع الفلسطيني وتحويله من مجتمع حكم الفرد المطلق الى مجتمع ديمقراطي، بعد رحيل ياسر عرفات.
غير ان ابرز ما قالته رايس خلال ذلك الاجتماع هو ان ادارة الرئيس بوش لا ترى في خطة رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، بالانسحاب من قطاع غزة، بديلا عن مبادرة خريطة الطريق، بل وسيلة لتسريع تطبيق خطة السلام التي ترعاها الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة، والتي تنص على خطوات متبادلة، تحدث في وقت واحد من قبل الفلسطينيين واسرائيل وتؤدي الى مفاوضات سلام تسفر عن اقامة دولة مستقلة فلسطينية، ليس ابعد من عام 2005.
ولاحظ المجتمعون، ان تحديدات رايس تتناقض بشكل حاسم، مع النتائج التي توصل اليها واعلن عنها دوف ويسغلاس، مساعد شارون، الذي تابع ورافق وضع مبادرة خريطة الطريق. وكان ويسغلاس قال في حديث اجرته معه صحيفة «هآرتز» ان خطة الانفصال عن غزة تهدف، وببساطة، الى تجميد خريطة الطريق، «الى حين ان يصبح الفلسطينيون فنلنديين»!
شارك في لقاء رايس مع المنظمات اليهودية الاميركية، نائبها الحالي ستيفن هادلي الذي سيخلفها في منصب مستشار الامن القومي، واليوت ابرامز الذي يشرف على شؤون الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي. ورغم مشاركتهما، فان رايس وحدها التي كانت تتكلم.
بعد ذلك الاجتماع سافر ابرامز الى اسرائيل والاراضي الفلسطينية والتقى في الخامس من هذا الشهر صائب عريقات وزير شؤون المفاوضات، الذي طلب من الادارة الاميركية مساعدة الفلسطينيين في اجراء الانتخابات، حسب البنود والترتيبات نفسها المتفق عليها مع اسرائيل عام 1995، وهي تنص على حق كل الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، بمن فيهم ابناء القدس، المشاركة في الانتخابات، وعلى عودة الاوضاع على الارض الى ما كانت عليه قبل 28 ايلول (سبتمبر) عام 2000، ولوحظ ان ابرامز ركز على دعم ادارة بوش للانتخابات الفلسطينية والتزامها برؤية بوش للحل، المتعلق باقامة دولتين، داعيا، او بالاحرى مكررا، ما رددته رايس بضرورة ان يتحمل كل طرف منهما مسؤولياته المنصوص عليها في خريطة الطريق. ورغم رغبة مساعدي رايس بعدم نشر تفاصيل اجتماعها بزعماء المنظمات اليهودية، غير ان بعضهم سرب الكثير من ملاحظاتها، خصوصا قولها لهم: ان الرئيس بوش يدرك ان الشعب الاميركي اعاد انتخابه موفرا له تفويضا كاملا لتطبيق سياسته الخارجية، «وهو ينوي استعمال هذا التفويض»، وان من اهدافه الرئيسية: الانتصار في الحرب على الارهاب، والتقدم في عمليات السلام والديمقراطية في العالم كله. وحسبما اوضحت، فان الجهود الاميركية في مساعدة الفلسطينيين لبناء مجتمع ديمقراطي، ستساعد الرئيس بوش على تحقيق اهدافه في العالم.
لم تكن رايس تحتاج الى شرح المزيد او ذكر تفاصيل اكثر، ليدرك المجتمعون أن ادارة الرئيس بوش الثانية، لن تعطي أي طرف «كارت» ابيض ليتصرف كما يحلو له، ورغم انها شددت على ضرورة ان ينهي الفلسطينيون ممارسة العنف والبدء في اصلاحات سياسية، الا انها كانت حاسمة ومختلفة عن طرح بوش، عندما وضعت عملية السلام الفلسطيني ـ الاسرائيلي في المفهوم العالمي لما ترغب الادارة في تحقيقه، فهي ربطت خلال شرحها، وان كان بشكل واه، ما بين تشابه الوضع على الساحة الفلسطينية وفي العراق، وقالت خلال اللقاء المغلق، ان المحاولات الجادة لتطبيق الديمقراطية امور الزامية ومستعجلة، لان الديمقراطية توفر استقرارا طويل الأمد، وبالتالي فان كل محاولة على المدى القصير لتوفير الديمقراطية، وبغض النظر عن الفوضى التي ترافقها احيانا على الارض، جديرة بالمتابعة، «على المدى الطويل، فان ديمقراطية غير مثالية، افضل من كل البدائل»، وكأنها بذلك تعود الى ما قاله ونستون تشرشل سابقا، بان الديمقراطية قد تكون سيئة، لكنها افضل البدائل.
وعندما سئلت رايس، خلال ذلك الاجتماع، عما اذا كان الرئيس يتوقع من اسرائيل ان تدفع ثمنا مقابل مشاركة اوروبا ومصر في تحقيق الاصلاحات الفلسطينية، أجابت: «من المفروض ان يكون الجميع صار بحكم المدرك، انه لا يمكن ان تبتز ثمنا من هذا الرئيس».
بعد هذا اللقاء، حصل الكثير من التطورات في المنطقة التي تصب في مصلحة «جديته»، كما يقول لي محدثي الاميركي، فقد توجهت اثره، الوزيرة الاسرائيلية تذيبي ليفني (ستصبح وزيرة العدل في حكومة الائتلاف المتوقعة) الى واشنطن والتقت رايس لتعود قائلة ان اسرائيل والولايات المتحدة متفقتان على ضرورة تحقيق هدفين بشكل متوازن: تطبيق خطة الفصل وتقوية السلطة الفلسطينية بعد الانتخابات، ورفضت الاشارة الى ما اذا كانت ناقشت مع رايس ملاحظات اسرائيل الـ14 التي ارفقتها بخريطة الطريق (...) «لم نبحث في ما تحمله خريطة الطريق من ابعاد».
لقد ولّد هذا التحرك الاميركي اللافت على المسار الفلسطيني، الكثير من التطورات ولوحظ ابرزها في مصر ودمشق، والاكثر دلالة كان وصف الرئيس المصري حسني مبارك لرئيس الوزراء الاسرائيلي، «بأنه آخر امل للفلسطينيين»، وحسب محدثي الاميركي، فان مصر تنوي لعب دور ايجابي و«اهم ما يجب ملاحقته ما سيحدث على الحدود بين غزة ـ ورفح على الجهة المصرية، وعما اذا كانت مصر ستحسن عدد القوات برفعه الى 750 من حرس الحدود، فهذا ما ستراقبه واشنطن، اضافة الى خطوات يُنتظر من مصر الاقدام عليها كاغلاق انفاق تهريب السلاح»، ويضيف محدثي، ان مصر قلقة من احتمال تحرك الكونغرس في الصيف المقبل لتقليص المساعدات العسكرية لها، «كما ان مصر، بعد فوز بوش، تتخوف من ان يشدد على الديمقراطية في الدول العربية، وهي تشعر انها اذا اعتمدت تحركا ايجابيا في غزة فقد تخف الضغوط عليها باتجاه الديمقراطية».
اما في ما يخص سوريا، فحسب مصدر مقرب من البنتاغون، فان دمشق لم تقم بالمطلوب منها، ومع الاعتراف بانها اتخذت اجراءات لمراقبة حدودها مع العراق، «الا انها ما زالت ترعى بعثيي صدام حسين وتدعمهم في عملياتهم قتل اميركيين في العراق»، واسأله عن صحة قيام قطر بوساطة ما بين دمشق من جهة وواشنطن وتل ابيب من جهة اخرى فيجيب: «ان الادارة غاضبة من قطر وهي تضعها على لائحة الدول التي تحرض على قتل الاميركيين، عبر قناة الجزيرة، على الرغم من كل الاتصالات التي نجريها معها، ولا نعتقد بان تل ابيب متلهفة لتقبل الانفتاح السوري ـ تحت الضغوط ـ عليها».
- آخر تحديث :
التعليقات