يرى الباحث محمود غزالي في كتابه الموسوم lt;lt;السوق العربية أولاgt;gt; أن المصاعب التي يواجهها العالم العربي هي تلك الناشئة عن اقتصاد النقل أو التقليد، أو الاستعارة، أو التشبيه. إذ يمكن للأنظمة السياسية أن تتشابه في أوروبا، مع تلك القائمة في أميركا إلا الاقتصاد فهو إضافة إلى حاجته الدائمة للتطور وفق معطيات المجتمع، إلا أن حاجات الأفراد قد تمسك بشروط التطوير الذي لا بد منه لتلبية متطلبات الجماعات والشعوب.
من هنا يمكن رؤية أن كل المذاهب الاقتصادية بنيت على قاعدة حاجة المتحدات، والشعوب في المواقع التي نشأت فيها تلك المذاهب، وما لم يكن قادراً منها على تلبية حاجة المتحد، والشعب، لم يستطيع أن يضمن ديمومته، وأحياناً مجرد ضمان مبرر وجوده.
ويعطي غزالي مثالاً على ذلك بالإشارة إلى النظريات الجاهزة للتصدير والتي أثبتت فشلها عند أول تجربة كالنظرية الماركسية التي نشأت في بروسيا على قاعدة انتصار طبقة العمال الصناعيين ضد أرباب العمل، وهي نظرية، اصطدمت أول الأمر بعامل التفوق العرقي للشعب الجرماني الذي تحدث عنه انغلز صديق ماركس، حيث أكد أن الماركسية سوف تنتصر في بروسيا تبعاً لتفوق العرق الجرماني على غيره من الأعراق الأوروبية، فكانت طلائع الانتصار الجرماني على الماركسية، في الخطوات العلمية التي لجأ إليها وزير المالية بسمارك، بإحداث نظام الضمان الاجتماعي الذي أسقط إلى حد بعيد الحجج الماركسية المستندة إلى الحاجات والشكوى.
وكانت التجربة الثانية التي سجلت فشل الماركسية، حين حاول لينين نقلها إلى روسيا. ففي حين كان ماركس يشدد على ثورة العمال الصناعيين في بروسيا (ألمانيا) ضد أصحاب العمل، لم يجد لينين في روسيا مصانع يمكن أن توفر أداة التحريض (أي العمال) ضد أصحاب الصناعات. وفيما لم يكن ماركس يجهد نفسه للافادة من الفلاحين في ألمانيا، وجد لينين أن الفلاحين هم أدوات الثورة الروسية فلجأ إليهم وإلى صغار البرجوازيين في المرحلة الانتقالية.
ولكن الباحث غزالي لا يتحدث عن فشل التجارب الماركسية بالمطلق، بل يعتبرها السبب في حمل وزير مالية بروسيا، على إحداث أول نظام للضمان الاجتماعي في ظل الثورة الصناعية، وبالتالي فإن ثورة لينين اعتمدت على منطق الأمر الواقع، فكانت التجربتان نتيجة حاجة قومية تختلف في بروسيا، عما هي في روسيا، باختلاف طبيعة حاجة الشعب في كل من البلدين.
وينطلق الباحث في معالجته لهذا البحث من رؤية قومية اجتماعية، معتبراً أن أنطون سعادة، كان الوحيد بين أصحاب المذاهب الفكرية الشاملة، الذي اكتفى بالإطار العام للمذهب الاقتصادي، مستشرفاً حاجة مجتمعه والمجتمعات العربية الأخرى إلى التطور السريع، بعد التحرر من نير الاستعمار العثماني والانتداب الأوروبي، لذلك كان تركيزه على القواعد الأساسية للاقتصاد القومي lt;lt;إلغاء الإقطاعgt;gt; وتنظيم الاقتصاد على أساس الانتاج، وlt;lt;صيانة مصلحة الأمة والدولةgt;gt;.
في ضوء ذلك، يرى الباحث إن النظريات الاقتصادية الجامدة، والأخرى المتحركة في العالم، لا يمكن لأي منها أن يشكل نظاماً يعتمد في بلادنا، لأن ما من نظام بين تلك النظريات نشأ وفق معطيات الإنتاج والخدمات في بلادنا، خصوصاً أن واقعنا السياسي والاقتصادي، لا يزال يعاني من حالات التجزئة الكيانية في المجتمع الواحد والكيدية في معظم الحالات بين أنظمة هذا المجتمع.
في ضوء ذلك شهدت سنوات الاستقلال (في سوريا الطبيعية)، زحمة من النظريات المتسارعة لتقرير أي نظام اقتصادي يصلح للبلاد، لكنها جميعاً طرحت هنا وهناك وهنالك تحت تأثير العزلة في كل كيان من غير أن يتوخى المفكرون عملياً تحقيق الترابط القومي المطلوب، والذي يوفر لهذه الكيانات مجتمعة ما يستحيل تحقيقه لكل كيان على حدة، أياً كانت براعة العاملين في تطويع الأنظمة.
كذلك شهد العالم العربي شرذمة في الأنظمة، أدت إلى شرذمة منهكة في الفكر الاقتصادي وفي التشريعات والقوانين، ثم في مراحل وضع هذه التشريعات والقوانين موضع التنفيذ.
وعلى رغم تراكم السنين التي شهدت سلسلة اجتماعات القمة، ومجالس الاقتصاد العربية، بقيت عقدة العلاقات الاقتصادية تعطل محاولات التنفيذ، في حين تسابقت الدول العربية منفردة لركوب قطار العولمة تلبية للإدارة الأميركية.
بهذه السرعة تجاوزت الدول العربية جميعاً مبادئ ميثاق العمل الاقتصادي القومي وخصوصاً المبدأ الثاني الذي نص على lt;lt;التزام الدول العربية بأولوية علاقاتها ومعاملاتها الاقتصادية بالنسبة لعلاقاتها مع العالم الخارجي وتتكفل بمبدأ التعامل التفضيلي الكامل للسلع والخدمات وعناصر الانتاج العربية ذات الهوية المؤكدة عربياً ملكية وإنتاجاً وإدارة وعملاً، وكذلك منح المعاملة التفضيلية التامة للمشروعات العربية المشتركة ذات الطبيعة الانتاجية والتكامليةgt;gt;.