بعد سنوات من تضميد الجراح والتطبيب الدؤوب رحل المسعفون وكل بقية فريق منظمة اطباء بلا حدود من افغانستان بعد ان فقدوا خمسة من رفاقهم ذبحهم مقاتلون افغان بلا رحمة. والسؤال ليس كيف يغادر هذا الفريق الرائع من المتطوعين بل كيف تحمل كل هذه السنوات من الحياة القاسية في بلد خراب حتى وصل الى مرحلة لم تعد آمنة على أحد من قطاع الطرق والمعارضة المسلحة التي تبحث عن صيد سهل مهما كان عمله وحاجة الناس العاديين اليه.
واطباء بلا حدود ولدت كمنظمة انسانية بعيدة عن التنازع السياسي وكانت قد ومضت فكرتها في ذهن طبيب الباطنية الفرنسي في منطقة بيافرا الفقيرة المنكوبة بالحرب الأهلية في أواخر الستينات. رأى انه يمكن للاطباء ان يعملوا بعيدا عن السياسيين والعسكر ونشط في تسجيل قوائم باطباء على استعداد للسفر لتقديم المساعدة في أي مكان منكوب. سابقوا الامم المتحدة الى كل مأساة، من حرب نيجيريا الاهلية الى فيتنام المحروقة وبنغلاديش الغرقة تحت الفياضانات وكانوا اساسيين في علاج ما خلفته عمليات الابادة الضخمة في كمبوديا، وبالطبع مروا على نزاعات منطقتنا وانتهوا في افغانستان والعراق ليدفعوا ثمنا باهظا من حياتهم.
وخروجهم من افغانستان نتيجة طبيعية للهمجية التي تصبغ النزاع المستمر هناك الذي لا يفرق بين طبيب يقدم العلاج للجميع، بمن فيهم مقاتلوه، وكل أجنبي آخر موجود في الساحة. هذه الهمجية التي فتكت بالمدنيين والعزل واللاجئين تدفع للتساؤل لماذا عجزت الامم المتحدة عن خياطة النسيج الافغاني رغم انها المسؤولة الأولى هناك ولها اشراف مباشر على القوات المتعددة الجنسيات المرتبطة بمجلس الأمن؟
ها هي نتائج الفوضى المستديمة اوكار للتنظيمات المتطرفة وعمليات قتل على الهوية وبلد عاجز عن الخروج من أزمة عمرها 14 عاما. وما خروج منظمة عنيدة الرأس ليس من عادتها الانسحاب بسهولة الا انذار بان افغانستان تنتقل من حال سيئ الى ما هو اسوأ، وهنا تأتي مسؤولية المجتمع الدولي الذي يتضرر باجمعه من كل بلد ينهار نظامه السياسي او تعمه الفوضى. وبسبب عدم التزام الدول الكبرى بوعودها لدعم افغانستان وتمكين سلطته من بناء دولة ذات اجهزة مدنية حديثة سيستمر دملا في خاصرة العالم، وبالتالي فما يسرف العالم في الانفاق من قبيل التحصن من هجمات الارهاب اعظم بمرات مما تتطلبه حاجات الاصلاح والتطوير في البلدان المنكوبة كافغانستان والصومال والعراق. ما صرفته الولايات المتحدة على امنها تسعمائة مليار دولار خلال السنوات القليلة الماضية، ومعظمه من اجل مواجهات الارهاب كان يمكن ان ينفق عشره فقط لتمكين وتقوية مؤسسات من ادارة هذه البلدان الثلاثة ومن ثم يصبح سهلا محاصرة الارهاب في اوكاره.