بغداد - ماجد السامرائي: ظل الكتاب العربي, والأجنبي المستورد, وكذلك الكتاب المطبوع داخل العراق, خاضعة كلها للرقابة و"التعليمات الرقابية" وهي أصبحت, منذ عقود طويلة, حالة مرافقة لوصول الكتاب إلى قارئه, وكأن "دائرة رقابة المطبوعات" هي "بيت الطاعة" الذي إذا ما خرج الكتاب, أو المطبوع عليه, اعتبر الأمر "جريمة يحاسب عليها القانون".

واختارت دوائر الرقابة هذه خبراءها - ومعظمهم من الادباء والمثقفين - الذين تتم الاستعانة بهم لتطبيق نصوص تعليماتها على كل ما يرد إلى العراق من كتب ومطبوعات, أو يطبع في مطابعه منها.

ومشكلات الكتاب مع الرقابة معروفة, وكذلك هي مشكلات الناشرين الذين قد يمنع لهم كتاب ويحظّر تداوله بسبب "عبارة" وردت على صفحة منه, وأحياناً بسبب "موضوع" الكتاب, أو اسم مؤلفه, لتتضمن الاستمارة الرقابية مطالعة الرقيب التي تقول: "يتعارض مع تعليمات الرقابة", وهي عبارة تكفي لمنعه, ذلك أن "تعليمات الرقابة" تعليمات صارمة, وكذلك موقفها الذي لا جدال فيه وخصوصاً من قضايا الدين, السياسة, والجنس.

ولكن... فجأة وجد الكتاب الآتي إلى العراق, من أي منشأ كان, نفسه يدخل العراق بحرية, ويعرض في الاسواق بحرية, وكذلك هي عملية الطبع - على قلة ما يطبع الآن - من دون أن تكون هناك سلطة تذكر لرقيب يمارس دوره كالسابق. فهذا "الرقيب" تم تسريحه من العمل مع قرار حلّ وزارة الاعلام التي تتبعها دائرته, ليصبح بلا عمل, فضلاً عن كونه بلا سلطة! أما "سلطات الحدود" فتستثني من إجراءاتها (الجمركية طبعاً) المواد الغذائية المستوردة والكتب أيضاً.

هذه الحال من "الحرية المطلقة" شجّعت تجار الكتب من العراقيين على استيراد كل ما كان, من قبل, ممنوعاً أو محدود الاستيراد, بحيث فاض ما تم استيراده على حاجة القارئ وقد وجد الكتاب الذي كان يحلم بقراءته, أو اقتناء نسخة منه معروضاً أمامه بكميات... قد لا تستنفدها حاجة هذا القارئ بسرعة.

وفضلاً عن أن هذا القارئ اصبح يجد الكتاب متيسراً له من كل جنس ولون, فإن "انفتاح" السوق العراقية, على رغم الظروف الأمنية السيئة, شجع الكثير من ممتهنـي التـزويـر, ومسوّقـي الكتـب المزوّرة, على ممارسة مهنتهم بدرجات عالية, فالتزوير نفسه أصبح خاضعاً للمنافسة, كما هي الحال مع أسعار الكتب المزوّرة ... فأصبحت السوق العراقية للكتاب تضم, وربما للمرة الأولى, الكتب التي تنتمي إلى الفكر الاصولي بجميع فرقه وطوائفه, والأخرى التي تتحدث عن "عالم الغيب" و"عذاب القبر" و"تفسير الأحلام", إلى جانب كتب أخرى تهتم بالعقائد والمذاهب.

أما كتب الأدب الحديث, رواية وشعراً ونقداً وقضايا نظرية, فلا أحد, من تجار الكتب اليوم, يـتـورط باستـيـرادها, لأكثر من سبب, كما يقولون: فأولاً, إن الطلب عليها محدود قياساً الى الكتب الأخرى. وثانياً, ان الربـح منـها محـدود جداً. وثالثاً: إن قراءها - وهم من الادباء والمثقفين - لا يشترونها إلا بعد مساومات على السعر, على عكس قراء الكـتـب الأخرى.

ويبقى السؤال هو: أي قارئ سيتكون في العراق, اليوم ومستقبلاً, إذا استمر مثل هذا الطوفان؟

والسؤال الآخر هو: هل ستجد سوق الكتاب في العراق من يعمل على إعادة التوازن إليها بتوفير "الكتاب الآخر" الذي يهتم بقضايا الفكر والفلسفة, أو يمثل روح الابداع المعاصر؟