يسيل في كل من فلسطين والعراق شلالٌ من الدم، يجمع بين البلدين المنكوبين، رغم اختلاف الأوضاع والحالات. فالدم الفلسطيني تسفكه اسرائيل، من أجل استمرار الغزو والاحتلال، ومحاولة إنهاء القضية الفلسطينية بالقوة المتفوقة، وبدعم الولايات المتحدة في المجال العربي والآخر الدولي. أما الدم الآخر، الدم العراقي، فقد كان يُسفك في البداية في مواجهة الاحتلال الأميركي للبلاد، والإصرار على الخراب والتخريب لكل مقومات الدولة، بحجة انها من بقايا صدام حسين. أما في الشهور الأخيرة فقد كثُر الاعتداء على المدنيين العراقيين، كما كثر الخطف، وكثُرت التفجيرات التي لا تستهدف أميركيين بل مراكز للشرطة العراقية الجديدة ـ وهذا فضلاً عن الخطف والسحل وقطع الرؤوس وأخذ الرهائن وأخذ الفدى بحجة وبدون حجة. وقد دفع ذلك مراقبين كثيرين كانوا ينتظرون هذه الفرصة، للذهاب إلى أن "المقاومة" اسطورة، انما هم مجموعات من اللصوص، او من المتطرفين العدميين أمثال أبي مصعب الزرقاوي.
والواقع أن ما يصيب العراقيين اليوم، أصاب الفلسطينيين من قبل بححة القيام بعمليات انتحارية ضد المدنيين الاسرائيليين. ولذلك ـ في ما يقال ـ استطاع بوش ضمهم مع صديقه شارون إلى قائمة التنظيمات الارهابية التي يريد تصفيتها في حربه على الارهاب. لكن سواء اكان ذلك ذريعة أم لا، فإن توقف العمليات الفلسطينية ضد الاسرائيليين داخل الأراضي المحتلة قديماً، ما أدى إلى توقف العمليات الاسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين، حتى في غزة التي يزعمون انهم يريدون الانسحاب منها.
وخُلاصة الأمر انه بالنسبة للفلسطينيين؛ فإن المسألة ليست مسألة اخلاقية، ولا هي مسألة العين بالعين والسن بالسن. بل المسألة مسألة تقدير سياسي، لمدى الافادة والإضرار، وأنا اعتقد انها ليست مفيدة على أي حال.
ويختلف الأمر بالنسبة للعراق. اذ كل ضربة للمدنيين العراقيين تعني عجزاً عن مواجهة الاحتلال ، كما تعني عجزاً عن اعادة بناء المجتمع السياسي، واللحمة بين سائر فئات الناس. والأميركيون متميزون بالعراق بمراكزهم وبدورياتهم، ولا يمكن الزعم انه لا تمكن مهاجمتهم بدون الإضرار بالعراقيين. ولذلك فأنا مع القائلين إن هناك لصوصاً ومخربين وعدميين بين الذين يمارسون العنف بالعراق، ويتهددون انسانية الانسان، ووحدة المجتمع.
لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمعادلة التي بدأت ضد الأميركيين منذ يوم دخولهم إلى بغداد. صحيحٌ اننا لا نعرف التفاصيل؛ لكن الذي نعرفُه ان العراق محتلٌ، وأن من حق العراقيين أن يقاوموا الاحتلال، وأن يتجنبوا الأخطاء التي تتسبب في هلاك مدنيين.
ليس هناك دمٌ غالٍ وآخر رخيص. كلُّ دم غال، لكن طريقة اهراقه واهدافها هي التي تعطي الدم الأحمر القاني هذه الصفة أو تلك.