سناء بخيت تقيم في دير البلح مع عائلتها المتحدرة أصلا من السودان

في بيت متهالك في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تعيش عائلة سناء بخيت، وهي عداءة لمسافة 800 متر وتمثل فلسطين في دورة الألعاب الأولمبية التي تبدأ احتفالاتها اليوم باليونان. وتحلم سناء بالعودة من اليونان وفي عنقها ميدالية ذهبية أو فضية أو حتى برونزية، يمكن ان تغير احوالها فتخرجها من حياة بائسة لا تعرف سواها منذ أبصرت النور قبل 17 سنة في بيت يجاور مستوطنة كفار داروم القريبة.

عائلة سناء بخيت التي تعيش فقرا مدقعا، مؤلفة من أم و6 إخوة، جميعهم في المدارس الحكومية وليس بينهم من يعمل ويساعد. أما الأب فكان شرطيا بغزة قبل أن تفاجئه قبل 3 سنوات جلطة في الدماغ أصبح معها مشلولا ومقعدا في البيت يستهلك علاجه أكثر من ثلثي راتبه التقاعدي البالغ ألف شيقل إسرائيلي، أي بالكاد 200 دولار.

وأغرب ما في عائلة العداءة التي حصلت هذا العام على شهادة الثانوية العامة من مدرسة «سكينة بنت الحسين» وتتهيأ لدراسة علوم الرياضة في جامعة غزة، أو عبر منحة في الخارج، هو كثرة التناقض مع واقع الحال. فسناء تحاول الفوز برياضة العدو في الأولمبياد، بينما والدها لا يقوى على المشي في البيت إلا إذا جر قدميه جرا بمساعدة يديه، في حين أن اسم العائلة مثلا هو تصغير لكلمة معناها الحظ، والأب اسمه عبد الرزاق، والأم اسمها آمنة منصور المرجان. لكن آل بخيت لا يعرفون من البخت سوى اسمه، فهو لم يطرق بابهم بالمرة حتى الآن، في ما يأتي الرزق على قدر الحال للأب عبد الرزاق، أو الرجل المشلول والمعيل لعائلة فقدت أصغر أبنائها من علة في القلب، وهو طفل كان اسمه محمود منذ 15 سنة. أما المرجان، وهو اسم عائلة الأم، فهو ليس لآل بخيت سوى كغيره في أي كنز ثمين، أو كحلم من الأحلام وسط كوابيس اليقظة في قطاع غزة.

هذا وغيره الكثير روته أم محمد، والدة العداءة سناء، عبر الهاتف من دير البلح مع «الشرق الأوسط» التي اتصلت بها أمس وبابنتها في أثينا، وزادت عليه وقالت إن قلة من الناس تعرف بأنها، كزوجها عبد الرزاق بخيت، من عائلتين سودانيتين أصلا «لكن أجدادي، الذين جاؤوا إلى فلسطين منذ زمن بعيد، عاشوا في قرية القبية قرب يافا. أما أجداد زوجي فجاؤوا من السودان رأسا إلى دير البلح. لا أعرف من أي منطقة نحن أصلا في السودان. لكن جميعنا، أنا وزوجي وأبنائي، سمر الوجوه كمعظم أهل السودان تماما» على حد تعبيرها.

ورغبت أم محمد، التي تصغر زوجها البالغ من العمر 57 سنة بثلاثة أعوام، أن تكون في منتهى الصراحة مع «الشرق الأوسط» حين سألتها عن الوضع المادي للعائلة التي لا يعرف أفرادها شيئا عن جهاز اسمه كومبيوتر مثلا، لذلك قالت: «كومبيوتر؟ أي كومبيوتر؟ نحن يا ابني عائلة مفلسة، بالكاد نحصل على لقمة العيش الكريم، والراتب يأتينا ولا ينام عندنا منه ولو فلس واحد».

* بيتكم من كم غرفة يا أم محمد؟
ـ من 3 غرف نوم وصالون.. البيت كبير لكنه يكاد يسقط علينا وأثاثه عتيق.
* ملككم، أم تدفعون إيجاره؟
ـ ملكنا.. ملك عائلة زوجي.
* يعني، جاءكم كورثة؟
ـ صحيح، لأن أحد أجداد أبو محمد عمل مزارعاً منذ زمن بعيد عند دار أبو سليم.. عند يحيى أبو سليم، وعندما انتهت مدة عمله لم يسدد له الأجر بالمال، بل أعطاهم 250 مترا من الأرض، لأنها كانت رخيصة، ثم بنوا البيت قبل حرب 67 على الأرض فيها.
* كيف حاله الآن؟
ـ بالشتا غريق وبالصيف حريق.. السقف متشقق، وأحيانا تسقط حجارة صغيرة منه، ودائما يتساقط منه غبار. أما في فصل الشتاء فالأمور أصعب، لأن الماء يتسرب من السقف فنضطر للانزواء في غرفة واحدة لننام فيها. الزجاج الذي تراه في الصورة مع ابنتي هو غير ما تراه الآن، فبعضه محطم، والله يساعد.
* عليكم ديون لأحد؟
ـ علينا فواتير كهرباء وماء للدولة متراكمة منذ 3 سنوات، وعلينا للبقال واللحام وصاحب محل الفراخ و..
* يعني كم تقريبا؟
ـ علينا للدولة أكثر من ألف دولار فواتير ماء وكهرباء تجمعت وليس معنا لندفع.
* ألا يقطعونها عندما تتأخرون؟
ـ يأتون لقطع الماء أو الكهرباء أحيانا، فندفع 8 أو 10 دولارات ليسكتوا عنا.
* وبقية الديون؟
ـ الدين الأكبر لمحل السمانة، فعلينا له أكثر من ألف دولار تجمعت أيضا ولا نسدد منها إلا القليل. أما اللحام ونسدد له جزءا من الدين كلما تيسر الحال. وكذلك لصاحب دكان الفراخ.
* يعني تعيشون بكم يوميا؟
ـ تقريبا أقل من 15 شيقلا.
* يعني 4 دولارات يا أم محمد؟
ـ وأحيانا بأقل. نحن عائلة مستورة وعلى قد الحال.
* لم تنهمر عليكم الهدايا لأن ابنتكم تمثل فلسطين في الألعاب الأولمبية؟
ـ هناك وكالة أنباء ألمانية أهدت لسناء الحذاء الذي ستركض به في الدورة. وجاءتها بذلة رياضية من محطة تلفزيون هولندية. هذا كل ما جاءنا.
* سناء فقط هي الرياضية في العائلة أم عندك غيرها؟
ـ عندي ابنتي وسام تركض أيضا ولكن لمسافة 1500متر، لكنهم لم يصنفوها للأولمبياد. وعندي أحمد ومحمد، الأول يلعب كرة السلة والثاني كرة القدم.
* من أين هذا الميل للرياضة؟
ـ مني ومن أبو محمد. أنا كنت أركض وألعب كرة السلة بالمدرسة. وأبو محمد كان ملاكما بطل قطاع غزة في الملاكمة قبل 40 سنة، والآن هو مقعد يجر قدميه جرا بمساعدة يديه ليزحف على الأرض.
ومن العاصمة اليونانية تحدثت العداءة سناء بخيت عبر الهاتف أيضا مع «الشرق الأوسط» وذكرت أن اللجنة الأولمبية الفلسطينية لم تكن الممول لرحلة البعثة إلى اليونان «بل قام بذلك رجل اعمال فلسطيني مقيم في الكويت، قدم لنا تذاكر السفر وبعض المصاريف النثرية» كما قالت. وذكرت بخيت أن كل ما بحوزتها 300 دولار فقط وهي مصاريفها طوال شهر تقريبا في الدورة «لكن الأسعار مرتفعة في اليونان ولا أدري ما إذا كان هذا المبلغ سيكفيني». وشرحت بخيت، التي غادرت معسكرا تدربت فيه بجزيرة كوست في اليونان ووصلت قبل يومين إلى أثينا، أنها تمثل فلسطين ضمن بعثة من 3 مدربين برئاسة الفلسطيني المقبل من لبنان، أكرم ضاهر، بالإضافة إلى 3 رياضيين: السباح رعد عويصات، وبطل العدو لمسافة 800 متر عبد السلام الدبكي. ثم سناء بخيت، المراهقة التي وصف اليونانيون بلادها قديما بأرض اللبن والعسل.