هناك حديث عن الاصلاح في مصر, ولكن لا اصلاح, وسأحاول اليوم وغداً ان أتناول الموضوع كما يقرأ في الخارج, ثم في مصر.

ربما عدت بموضوع الاصلاح الى خطاب ألقاه الرئيس جورج بوش في المؤسسة الوطنية للديموقراطية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي, عندما قفز من الانهيار الأمني في العراق بعد الحرب التي لم تنته الى عرض خطة ديموقراطية للشرق الأوسط تبدأ من مصر.

قال الرئيس بوش انه كان في العالم ديموقراطية في السبعينات من القرن الماضي, فلم يحل عام الفين حتى كانت هناك 120 ديموقراطية, لا توجد واحدة منها في البلدان العربية, وهو سأل: "هل شعوب الشرق الأوسط خارج متناول الديموقراطية؟". ووعد بأن تعمل الولايات المتحدة بإصرار, أو مثابرة, وبطاقتها وبمثاليتها في تبني استراتيجية امامية, او تقدمية, للحرية في الشرق الأوسط. وفي حين طلب الرئيس ان تلعب الدول العربية دورها في المشروع الأميركي, فإنه صرح بأن البدء يجب أن يكون في مصر "الدولة الأكثر كثافة سكانية وقوة ونفوذاً" في المنطقة والتي "شقت الطريق نحو السلام".

المبادرة الأميركية انطلقت من صعوبات الاحتلال بعد سقوط نظام صدام حسين, وامتداح مصر لا يعني شيئاً, فهو في نهاية المطاف ضحك على العقول, أو استفراد لها, ومجلة "نيويوركر" قالت الشهر الماضي ان الرئيس بوش دعا في الواقع الى ثورة من فوق, تبدأ في مصر.

سواء بدأت الثورة من فوق او من تحت, فالمطلوب من حديث الاصلاح هو اعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على شكل الولايات المتحدة ومثالها في الديموقراطية. غير ان هذا لم يكن ما طلبت مصر بعد ارهاب 11/9/2001, فرئيس الوزراء في حينه عاطف عبيد ذكّر الأميركيين والبريطانيين بحديثهم عن "حقوق الانسان" للارهابيين, وقال انه ربما حان الوقت لتبدأ الدول الغربية اتباع مثل مصر في مكافحة الارهاب.

الولايات المتحدة اتبعت فعلاً المثل المصري في التعامل مع الذين تعتبرهم ارهابيين, من افغانستان الى العراق الى الولايات المتحدة نفسها, حتى ان المحكمة العليا الأميركية انتصرت للمتهمين. غير ان هذا حديث آخر, فهو لا يلغي ان الادارة الأميركية لا تزال تسعى الى ديموقراطية في الشرق الأوسط, اتخذت اجراءات تنتقص منها أميركياً.

مجلة "نيويوركر" راقية متزنة, ولا يمكن اعتبار كلامها حملة من اسرائيل وأنصارها على مصر, ومقالها الذي كتبه ديفيد ريمنيك يعكس جهداً فائقاً في سبر أغوار الموضوع, فهو تحدث مع مسؤولين, ومع مفكرين ومعارضين, وبعضهم من ألمع أبناء مصر, مثل بطرس بطرس غالي وعبدالمنعم سعيد وصنع الله ابراهيم وجمال الغيطاني وفهمي هويدي وجمال قاسم ومنتصر الزيات وسعد الدين ابراهيم.

كان رأي المحامي الزيات انه في حال اجراء اصلاحات وانتخابات حرة, فإن الاخوان المسلمين يستطيعون الفوز والوصول الى الحكم وادارته. الا ان سعد الدين ابراهيم قال ان الرئيس مبارك يستعمل الاخوان المسلمين لتخويف الغرب, ويقاوم الضغط عليه لبناء مجتمع مفتوح بالاشارة الى وجودهم, فهو يستعملهم كرادع, ويقول هل تريدون افغانستان أو ايران أو جزائر أخرى؟

أختلف مع هذا الرأي, فالأخوان المسلمون قادرون على ان يفوزوا في انتخابات حرة, وجميع المنظمات الارهابية التي برزت في مصر وغيرها خرجت من تحت عباءة الاخوان المسلمين, لذلك فخطر الارهاب قائم على رغم ادراكي ان القيادة الحالية للاخوان المسلمين بعيدة تماماً عن الفكر الارهابي.

الواقع ان كاتب المقال استغرب بعد ان تحدث الى زعيم الاخوان محمد مهدي عاكف وغيره في قيادتهم. فقد وجد امامه رجالاً في السبعينات والثمانينات, وكأنهم قطعة من التراث, ولم يفهم سر تخوف النظام منهم.

الكاتب رأى ان "مصر مبارك نظام من صمامات الأمان وسيطرة اوتوقراطية تشجع احياناً المجتمع المدني. وفي حين لا يستطيع الخصوم السياسيون مهاجمة الرئيس هجوماً مباشراً في الصحافة, فهم يستطيعون الحديث في الشقق والمقاهي, والتنافس على مقاعد في البرلمان والانضمام الى النقابات وغيرها".

ما كان لافتاً في التحقيق هو ان الاجماع المصري الوحيد الذي وجده الكاتب كان على انتقاد السياسة الأميركية. وجمال الغيطاني قال ان اكثر ما يخيفه في العالم هو الولايات المتحدة. اما فهمي هويدي فقال ان مطالبة الولايات المتحدة بالاصلاح تعطي مفعولاً عكسياً.

وربما زدت ملاحظة من عندي هي ان الحدة في الحديث عن غياب ديموقراطية حقيقية في مصر تؤكد وجود قسط معقول من الديموقراطية, فقد كان من الواضح انتفاء الخوف عند المفكرين المصريين والشباب الذين حاورهم الكاتب.

مع ذلك, ترى "نيويورك تايمز" ان كل القرارات المهمة تبقى في يدي الرئيس, وان الدستور يعطيه صلاحيات كاسحة, وتزيد قوانين الطوارئ من سلطته. لذلك فهي قالت في تحقيق الاسبوع الماضي ان الاصلاح يجب ان يشمل تعديل الدستور ورفع حالة الطوارئ.

"نيويورك تايمز" أهم جريدة في الولايات المتحدة والعالم, وكلامها يجب ان يدرس بجدية وإيجابية, لأنها بعيدة عن جو الادارة الاميركية ومخططاتها للمنطقة, وإنما تعكس رأياً ليبرالياً مستقلاً. وهي اعترضت على ان تكون الموافقة على تشكيل احزاب جديدة في يد لجنة السياسات في الحزب الحاكم, فقد رأت ان ذلك يعني ان الحكومة تختار من يعارضها, ولا أعرف مدى صحة المعلومات المنشورة, الا انني افترض صحتها, فهي قالت انها وافقت على طلب واحد للترخيص لحزب جديد, في حين حصل 16 حزباً آخر على الموافقة عبر المحاكم والاستئناف.

لجنة السياسات يترأسها جمال مبارك, والأمل معقود عليه في الاصلاح, خصوصاً الاصلاح الاقتصادي, الا انني سأعود اليه غداً. أما اليوم فأقول ان الحاجة الى الاصلاح قائمة لا يلغي منها ان تطالب الولايات المتحدة بالاصلاح لأهدافها, وفي حين لا سبب عندي للشك في نيات جريدة أميركية رصينة ومجلة مثلها, فإن عندي اسباباً للتفكير في حملة اسرائيلية مبطنة على مصر, لو قام في مصر اصلاح حقيقي لكان رداً كافياً عليها.

هل نعتبر الحكومة المصرية الجديدة بداية الاصلاح؟ ارجو ذلك, وقد لاحظت ان الوزراء المحسوبين على السيد جمال مبارك تسلموا حقائب اقتصادية, ورأيي من رأي الأخ جمال, فالاصلاح الاقتصادي يسهل كل اصلاح آخر.