سقط رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون في امتحانين للثقة داخل حزبه...الأول لنيل الموافقة على خطته للانفصال من جانب واحد عن قطاع غزة، والثاني للحصول على موافقة الليكود على انضمام حزب العمل للائتلاف الحكومي، مما أضعف مكانة الرجل ، وألقى بظلالة كثيفة من الشك على مستقبل مشاريعه السياسية، وتحديدا مشروع »غزة أولا« الذي تحول إلى محور للحركة السياسية الإقليمية والدولية خلال عام كامل.
لكن فشل شارون، يعتبر بكل المقاييس نجاحا لإسرائيل التوسعية والعدوانية، فالرجل سبق له أن قبض مقدما ثمن بضاعة عجز عن توفيرها، فهو حصل على كتاب الضمانات الأمريكية بخصوص الحدود واللاجئين في ( 12 / نيسان ) والذي أصبح قانونا أمريكيا، وهو حصل على ضوء أخضر أمريكي للتوسع العامودي في البناء الاستيطاني كما كشفت عن ذلك مصادر صحفية أمريكية وإسرائيلية.
والأهم من هذا وذاك، أنه كسب فسحة من الوقت امتدت لأكثر من عام عاث خلالها قتلا وتدميرا واجتياحا في الضفة وغزة والقدس ، ونجح خلالها في تصفية مئات المناضلين والقادة الفلسطينيين وأزهق أرواح مئات المواطنين الأبرياء وزرع الأرض الفلسطينية بالموت والخراب والمستوطنات.
وسيظل الحال على حاله ، عام آخر على أقل تقدير ... فالكنيست سيعود من إجازته في أواسط أكتوبر القادم، ليدخل في بحث حول الميزانية مقرر له أن ينتهي في موعد أقصاه نهاية العام الحالي، ثم بعد ذلك ستدخل الأطراف في مشاورات حول موعد الانتخابات المبكرة ، والمرجح أن تتم - في حال حصولها - في المنقلب الثاني من العام المقبل.
على أن القوى الرئيسية في إسرائيل ليست متحمسة أبدا للانتخابات المبكرة ... فشارون يخشاها خشيته على زعامته لليكود حيث يتربص به خصومه وفي مقدمتهم نتنياهو ... وشمعون بيريز الذي يستعجل الانتخابات علنا، يدرك في سره أن حظوظه للفوز بزعامة حزبه قبل الانتخابات تبدو متواضعة للغاية ... أما شينوي فإن أقصى ما تحلم به هو احتفاظها بموقع الحزب الثالث في الكنيست وهو أمر متعذر، أو على الأقل غير مضمون في الانتخابات المقبلة.
وفي ضوء هذه المعطيات جميعها، فإن الجمود يبدو قدر المنطقة المحتوم حتى الربيع القادم على أقل تقدير، وهو جمود لن يمنع إسرائيل من مواصلة سياسة قضم الأراضي والحقوق، وقد لا يمنع الفلسطينيين من الاستمرار في »جدلهم« البيزنطي حول الإصلاح وضبط الفلتان والحوار الوطني إلى غير ذلك من عناوين استهلكت لفرط تكرارها من دون جدوى.
وهو جمود لا يبشر بالضرورة بمرحلة لاحقة من الحركة والحراك، إذ ليس في الأفق ما يدفع على الاعتقاد بأن جون كيري أفضل من جورج بوش، أو أن بديل شارون أقل سوءا منه.
هي إذن أوقات صعبة تنتظر الفلسطينيين، شأنها في ذلك شأن أوقاتهم طوال السنوات الأربع الفائتة، إلا أنهم وحدهم قادرون على جعلها أسهل، إن هم التفتوا إلى ما ينفع الناس، ولفظوا الزبد العائم على سطح المشهد الفلسطيني الراهن.