ماذا لو اكتشفنا أن جنكيز خان بارع في الكتابة، تماماً كما كان بارعاً في سفك الدماء. هذا الكلام قد يكون مفيداً أمام المشهد الدموي اليومي، والأخبار من حولنا تضج بالعنف، فالسيف والقلم لا يفترقان في وقائع هذا العالم من حولنا، إلى درجة لا يفاجئنا فيها خبر براعة قلم السفاح المغولي الذي غزا جيشه بلادنا ودمر بغداد ذات يوم من العام 1258.
يقول الخبر إن مؤرخاً صينياً اكتشف أدلة تشير إلى lt;lt;أن المحارب المغولي الشرس جنكيز خان كان بارعا في استخدام القلم براعته نفسها في استخدام السيفgt;gt;، في حين كان المؤرخون السابقون يفترضون أن هذا الحاكم، الذي وحد القبائل المنغولية وأنشأ قوة عسكرية استطاعت أن تبني امبراطورية وصلت الشرق بالغرب، كان أمياً ولم يكن لديه وقت للتعلم.
ويقول المؤرخ الصيني تنجوس باياريان إنه اكتشف مرسوماً مكتوباً بخط اليد، سطره جنكيز خان العام 1219 إلى كاهن صيني، وهو مكتوب بالمنغولية lt;lt;باسلوب وطابع فريدين ولا يمكن ان يكون صاغها أحد غير الحاكم العظيم نفسهgt;gt;.
ما يفيدنا به هذا الخبر أن القتل والهمجية وسفك الدماء لا تساوي الجهل والأمية، كما أن الثقافة لا تعني الحرية والديموقراطية بل ربما تكون رديفة للديكتاتورية حسب ما تنبئنا سيَر كبار الطغاة. فهتلر النازي كان رساماً وله من اللوحات ما يقارب الألف وخمسمئة لوحة، وهو لذلك ربما أباح سرقة اللوحات المهمة من المتاحف الفرنسية. ونيرون الذي أحرق روما بقسوه، وقف أمام المشهد يعزف بقيثارته ألحان قلب حنون. وستالين الذي نكّل ونفى المبدعين الذين خالفوا أوامره كان مبدعاً وأديباً وباحثاً في حساسية اللغة وسحرها. قد تكون هذه الأمثلة هي التي حدت بصدام حسين، ذات يوم من حكمه، لإصدار أوامره بكتابة روايتين تحمل اسمه، وإن بخفر.
ويعبّر هتلر عن أهمية الإبداع بالقول: lt;lt;إن القوة التي حركت كتل الثلج في الميدان السياسي والديني كانت دائماً منذ أقدم العصور قوة الكلام السحريةgt;gt;.
وإذا كان أحفاد جنكيز خان الحقيقيون اليوم يبلغون قرابة سبعة عشر مليون نسمة، فإن بين هؤلاء العديد من المثقفين، فالله lt;lt;يُخرج الخبيث من الطيب والطيب من الخبيثgt;gt;.
السؤال الذي يتبادر للذهن، بعد كشف المؤرخ الصيني للجانب المبدع في شخصية جنكيز خان وما يتندر به فقهاء سيَر عظماء العالم عن إبداعاتهم، هو: ماذا يفعل الذين يطلقون دائماً شتيمة lt;lt;أحفاد جنكيز خانgt;gt;، مثلاً، حيال الوجه الآخر من عملة القائد المنغولي. الطريف في الأمر أننا قرأنا، منذ فترة، خبراً أن مطعمين منغوليين في لندن يقدمان وجبة مجانية لكل من يثبت أنه حفيد جنكيز خان، المعروف عنه زواجه ب400 امرأة من أجمل نساء العالم.
مقولات كثيرة تسقط في هذا التاريخ المليء بالمفاجآت، ووقائع كثيرة تثبت أن الثقافة ليست بمنأى عن الديكتاتورية، بل إن الديكتاتورية ثقافة، وحتى هي إبداع من نوع آخر، لكنه إبداع كريه... وهل من يشك في أن الشيطان مبدع!