كان التاريخ ولا يزال مصدر الإلهام الأول لحركة شعوب الأرض وتطلعاتها لبناء اوطانها وتنمية ثقافاتها وبلورة هويتها القومية وخطابها الإنساني، وفي حين سرى يهود السبي البابلي مبكرين لكتابة تاريخهم المزيف عبر التوراة التي وضعوا اسفارها المحرفة في بابل بعد ثمانمائة عام من التوراة الاصلية التي نزلت على سيدنا موسى في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ليثبتوا حقهم المزعوم في فلسطين، وليسوقوا أنفسهم أمام العالم على أنهم نوّارة الخلق ونواة التوحيد وشعب الله المختار، وليكون تاريخهم هذا الأساس الذي ينطلق منه المؤرخون، تركنا نحن معظم تاريخنا للمستعمرين يتصرفون به كما يحلو لهم، وان كانت هنالك بعض الكتابات التاريخية العربية فقد ركزت على رصد أخبار القادة وفتوحاتهم وتركت تاريخ الشعب العربي بين أيدي المؤرخين الأجانب لينزعوا منه كل ما يُشكل عقبة في طريق الأطماع الصهيونية والاستعمارية في أرض العرب.
وحين نتكلم عن التنمية المستدامة لحفظ حق الأجيال القادمة في الماء والهواء والغذاء ومصادر الطاقة والقيم التي سنورثها لهم في مجال الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لكننا في نفس الوقت لا نولي كتاب التاريخ العربي الذي سنضعه بين أيديهم أي اهتمام، ليس فقط من أجل ان يتفقهوا فيه وفي حقوقهم القومية ومنجزات أهلهم الحضارية، بل وليوصلوا هذا كله الى شعوب العالم التي باتت مغسولة الدماغ والضمير.
وبالرغم من موروثنا من التراث الحضاري، الا اننا قصرّنا بكتابة تاريخنا على الوجه السليم، وبسبب هذا التقصير ظلت امتنا مهددة بوجودها لولا ان العلي القدير أنزل كتابه الكريم وتعهد بحفظه فكان السياج المنيع الذي حمانا من رياح الدبور التي ظلت تهب علينا من ابواب ونوافذ الذين يطبخون لنا السُمَّ الزعاف في الليل والنهار.
والسؤال المطروح عن هذه المرحلة الساخنة التي نعيشها اليوم والتي تطحن برحاها عظام هذه الامة في بوابتيها: الشرقية والغربية، من سيكتب لنا تاريخها الذي سنسلمه لأبنائنا، فاذا كانت الحقائق فيها تزيف مع كل نشرة اخبار تبثها الماكنة الإعلامية الصهيونية، فماذا سيكتبون غداً عن بساطير الإحتلال التي تدوس رؤوسنا في العراق وفلسطين؟!، لا شك أن التاريخ المنحاز الذي سيكتبه غيرنا سيقول: أ ن الشعب العربي الهمجي كان على وشك ان يغزو اميركا على ظهور النوق العصافير من «بعارين» النعمان بن المنذر، وان اسلحة الدمار الشامل التي اودعها النعمان في مخازن هانىء بن مسعود الشيباني هددت الولايات المتحدة وكادت تفتك بها لولا ان بادر بطل الأبطال وارسل مغاويره لنزع هذه الاسلحة وبقر بطون البعارين وقطع رؤوس الرعاة الارهابيين الذين اعتلوا سنامها العالي. أما عن فلسطين فان الأمر محسوم تماماً، فاليهود المساكين والذين وصلوا الى فلسطين بقيادة موسى فارين بأرواحهم من جبروت فرعون، يريد الفلسطينيون «الدخلاء» على هذه الأرض حتى ولو كانوا يقطنونها قبل ألفي عام من مجيء موسى وقومه، يريدون ان ينزعوا هذه الارض من أهلها اليهود الأحق بها، حتى لو كان هؤلاء الاهل من شراذم الشعوب التي ما عرفت فلسطين يوما ولا سكنت فيها، فهذا لا يهم لأننا لو رجعنا الى دائرة الطابو التي يحتفظ بسجلاتها إله اليهود القبلي «يهوه» لوجدنا ان يهوه هذا قد سجل اراضي فلسطين كلها باسم شعبه اليهودي قبل قيام الخليقة، فاذا كان الامر كذلك فأي تاريخ هذا الذي يقول ان الفلسطينيين احق بالأرض من قوم معهم «قوشانهم» حتى لو كان هذا القوشان مزيفاً. هكذا سينطق التاريخ الذي لا نكتبه بأيدينا، فلماذا لا نبادر لكتابته بالحبر العربي الاصلي لنقول بصريح العبارة ان المحتلين ما قادهم الى العراق غير رائحة النفط، وان حكاية الحرية والديمقراطية ما عادت تنطلي على أحد وأن التاريخ الناطق بحق اليهود في فلسطين تاريخ مزيف حتى لو نطقت به توراة بابل؟! وان ندعم ذلك بالحجة والبرهان القاطع.