كوليت مرشليان: في كل عام وقبيل شهر أيلول تنشر الصحف اليومية والمجلات الفرنسية أخبار إصدارات الخريف من كتب أدبية وتاريخية وسياسية وغيره، لكن أن يتصدر هذا الخبر الصفحات الأولى وتتسع له الأعمدة ليبدو في حدود تحقيق ضخم، فهذا أمر غير اعتيادي وسببه الأول أن ثمة ارتفاعاً كبيراً في عدد الإصدارات جعل الأرقام قياسية نسبة إلى الأعوام الماضية: ألف وثلاث مائة كتاب (1300) يصدر بين أيلول وتشرين الأول: الرقم خيالي، مدهش ومربك في آنٍ للقارئ، وأيضاً وتحديداً للقارئ العربي، إذ سرعان ما تعود إلى رأسنا الأرقام الضئيلة والنسب المتدنية لإصدار الكتاب في كل العالم العربي وليس فقط في لبنان. واي قارئ اوصحافي يترقب حركة إصدارات الكتاب في دور النشر العربية بشكل عام واللبنانية بشكل خاص، لا بد له أن يراجع هذه الحسابات في رأسه، هذا اذا استثنينا الحديث عن نوعية الكتاب وتوجهاته وأهميته والأثر الذي يتركه فور صدوره ونزوله في المكتبات حيث لا من يقرأ ولا من يسأل.
نعود إلى الرقم الخيالي: 1300 كتاب تصدر في خريف هذا العام في باريس. أي قارئ شغوف يهوى متابعة كل جديد أن يقرأ حوالي 661 رواية أدبية و672 وثيقة متنوعة ما بين الدراسة والفلسفة والسيرة والتاريخ...
وتعتبر حركة النشر في باريس صناعة ناشطة ورابحة وهي الصناعة الوحيدة التي يسمح أربابها لأنفسهم بتخطي حدود الممكن فيها بحجة ان كثرة النشر تؤدي دوماً إلى كثرة في المبيع. المشكلة ليست مطروحة في باريس في ناحية كساد الكتاب لأن القراء كثر وفي عدد متزايد لكن المشكلة المطروحة هي في كيفية "هضم" كل هذه الكتب دفعة واحدة.
ثم ومن ناحية ثانية، صناعة الكتاب تخضع إلى العرض وليس إلى الطلب مثل أي صناعة أخرى تلبي الطلبات المحددة. يبقى أن ثمة كتباً تعود إلى مشاهير في الأدب هي التي تغطي بأرباحها خسارات تنتج عن كتب المؤلفين الجدد أوالمتوسطين. في هذا الموسم تبلغ نسبة "الرواية الأولى" أي الكتاب الأول لمؤلف مغمور حوالي 121 كتاباً مقابل 80 في العام الماضي.
كل هذا إلى جانب واقع آخر وهو أن كل الكتب التي تألقت في الصيف لا زالت معروضة في الواجهات ويتوقع أن تستمر للموسم القادم.
ويعلق أولييه بيتورني وهو المدير العام في دار "فايار" الشهيرة بالقول:"انها حالة استثنائية لم تعشها باريس حتى اليوم بهذه الأرقام العالية. ولقد حاول الناشرون أن يقسموا الإصدارات فيكون هناك موسم ادبي آخر مع إصدارات من كانون الثاني إلى آذار، لكن الأمرلم ينجح، الجميع يرغب بموسم شهر أيلول، فهو أصبح تقليداً سنوياً لا رجوع عنه".
أما سيرج ايللوريس رئيس النقابة الوطنية للنشر في فرنسا، فقد أكد أن "كثرة العرض محرك للسوق وهذه إشارة إلى ديناميكية قوية".
مع أن مؤلف أي كتاب لا يستفيد بشكل اضافي، فهو سوف يتبع المعادلة عينها،: عدد الكتب لا يتخطى حداً معيناً: ولكن في حال نجاح كتاب متوقع أو غير متوقع، يصار إلى إعادة طبعه مرة جديدة، وثمة دراسة أكدت ان أكثر من عشرين كتاباً مبيعاً في كل عام تشكل مجتمعة ما يقارب 5 % من الأرباح العامة". وثمة إيجابية في الموضوع وهو انه سيكون هناك من الكتب ما يرضي جميع الأذواق: الكتب الرصينة والخفيفة، المؤلفون الجدد والمخضرمون، في الكتاب الأول يعلق أوليفييه بيتورين: هناك رواية أولى لفايزة غيني، 18 عاماَ، التي تحكي قصة عائلتها القاطنة في ضاحية باريسية، عن دار "هاشيت" الى موريس اودبير، وهو يبلغ 81 عاماَ ويكتب أيضاً "روايته الأولى"، سعيد الذي مثل أوليس "لدى دار "بوشيه شاستيل..." ولكن يضيف بيتورين:"الرواية الأولى هي دائماً خسارة مؤمنة".
الدور والنسب
أما بالنسبة إلى الناشرين، فالدار الأولى من حيث عدد الكتب المنشورة هي "دار فايار" (23 كتاباً)، وفي المرتبة الثانية "لوسوي" (18 كتاباً) وفي المرتبة الثالثة :"غاليمار" (14 كتاباً) وتواجه المكتبات العامة والكبرى مشكلة العرض هذا العام وثمة مكتبات بدأت بتوسيع امكنتها للعرض خاصة انها لا يمكن أن توقف عرض الكتب التي شهدت رواجاً كبيراً في الصيف وكان أبرزها: "سوياً، هذا كل شيء" لآنا غافالو، و"شيفرة دافنتشي" لدان براون (حوالي 380 ألف كتاب مبيع) و"في المرة المقبلة" للمؤلف مارك ليي، و"الخط الأسود" لجان كريستوف غرانجيه...
وهناك مشكلة ايضاَ في هذا العام في إطار الجوائز الأدبية حيث على كل لجنة تحكيم في كل جائزة قراءة مئات الكتب في خلال شهرين لإصدار النتائج.
وبالطبع سوف يكون هناك كتب مهمة تتصدر الصحافة ووسائل الاعلام وسوف يكون هناك أيضاً مفاجآت وجوائز غير متوقعة. وكل موسم ثقافي يحمل مفاجآته الجميلة ويصدر موضوعاته والتزاماته ومحاور نقاش مختلفة. بعض النقاد توقعوا نجاحات معينة أبرزها: رواية يان مويكس الجديدة "بارتوز" وفيها الكثير من اللعب على الكلام وهي تتناول شخصية محمد عطا المتهم في تفجيرات 11 أيلول في نيويورك.
ومن المتوقع أن يثير جدلاً قوياً حول تصريح أخير له يشتم فيه ميشال هوللوبيك الذي صدر له في العام الماضي رواية "بلاتفورم" وتناول فيها ايضاً هذا الحدث: "هوللوبيك كاتب سخيف وحقير!". هل ستصل هذه الشتائم إلى المحاكم، من المتوقع أن تصل القضية إلى هذا الحد حسب تصريحات هوللوبيك الأخيرة.
وفي الكتب الجميلة والمنتظرة ايضاً لهذا العام: "ملكة الصمت" لماري نيميه (عن دار غاليمار) و"الأيام الهشة" عن"دارجويار" لفيليب بيسون، ويحكي فيها اويتخيل المذكرات التي كان يمكن أن تكتبها شقيقة الشاعر آرثور رامبو في الفترة التي كان يعاني منها هذا الأخير المرض حتى لحظة وفاته.
مذكرات رجل ميت
وهناك مذكرات غريبة أيضاً يصدرها جان دوتور عن "دار بلون" وغرابتها في انها "مذكرات رجل ميت". هذا البطل ويدعى أوييه يحكي كل ما فعله منذ لحظة دفنه.
ومن الكتب المميزة ايضاَ لهذا الموسم: "حياة فرنسية" لجان بول دوبوا عن "منشورات دولولييه" ، ويحكي في الرواية قصة حياة ولد كب ر في ظل الجمهورية الخامسة. كذلك كتاب دانيال روندو "في سير الزمن" وكتاب "الكذابون" لمارك لامبرون سوف يتميزان وهما عن دار "غراسيه".
كذلك سوف يسمح الجميع باسم المؤلف الشاب غاسبار كوينغ، 22 عاماً، الذي يحكي قصة حياة متخيلة لبطله أوكتاف وهو شخصية ثانوية في رواية "البحث عن الزمن الضائع" الشهيرة لمارسيل بروست. كذلك، من الكتب المتوقع لها النجاح "سيرة الجوع" للروائية ميلي نوتومب عن "دار البان ميشال" حيث تسرد قصة حياتها في العشرين سنة الأولى من عمرها ومعاناتها مع مرض "فقدان الشهية".
ولجمهور فتي، تطل كلوي دولوم برواية مشوقة بعد نيلها "جائزة ديسمبر" عام 2001 عن رواية"صرخة ابن الرمل" ولهذا العام ومع "بالتأكيد لا" سوف تحصد نجاحاً أكبر في قصة ثلاثة رجال وثلاث نساء يلعبون لعبة خطرة بادارة الدكتور لونوار في مبنى مستشفى "السانت ـ آن" للأمراض العقلية والرواية بعنوان "كلويدو" وتصدر عن "دار يرتيغال".
بوش وكيري
من ناحية ثانية، يبدو أن جورج بوش وجون كيري اوحيا بروايات وقصص عديدة لمؤلفين هم مع أو ضد مواقفهما السياسية: أكثر من ثلاثين كتاباً حول هاتين الشخصيتين ابرزها: "الآلة بوش" لفيليب بوليه جيركور عن "دار غراسيه" ، "شرف اميركا الضائع" لغريدون كارتر عن "دار غراسيه".
أما بيار الكسندر، فهو يصدر مجموعة مقابلات أجراها مع جون كيري، المرشح الرئاسي الديموقراطي وعنوان الكتاب "الرجل الذي يريد أن يوقف بوش" ويصدر الكتاب عن "دار آن كاريير"، اما الكتاب المكسيكي كارلوس فوانتس فهو لا يخفي آراءه ومشاعر حيال بوش في كتاب "ضد بوش" الذي يصدر في تشرين الأول عن "دار غاليمار". كذلك هناك كتاب وقعه المرشح الديموقراطي كيري بنفسه وهو بعنوان "أميركا خاصتي"، يصدر عن "دار فايار".
ويصدر في فرنسا ايضاً لدومينيك دو يللوبين وزيرة الداخلية كتاب بعنوان "القرش والنورس" عن "البان ميشال وبلون"، كذلك من الكتب المنتظرة في هذا الاطار، مؤلفات هيري غايمار، وجان بيار شوانومان، وبرتران دولانوي ورولان ابيوس وجوزي بوين.
جوائز
أما من ناحية الجوائز الادبية المرتقبة وابرزها "غونكور" و"فيمينا" و"رونودو" وغيرها، فبدأت بعض الروائح تفوح وتحمل أخباراً او شائعات عن احتمال نيل المؤلف فلان أو المؤلفة فلانة جائزة معينة، لكن الأصداء إيجابية في مطلق الأحوال إذ وحسب ما صرّح البعض من المسؤولين في لجان الجوائز ـ فإن الموسم يحمل اسماء كبيرة كذلك أعمالاً مميزة، لكن لا مانع من دخول اسماء جديدة الى اللائحة المتوقعة وتحمل حتى الآن: مارك لامبرون، ميشال كريبو، جان بول دوبوا، ايريك فوتورينو، هوغو مارسان، باتريك بوار دراور، ماري نيميه، نويل شاتوليه، وايضاَ فرنسوا وايرغانز الذي يصدر له "ثلاثة أيام عند امي"، وجيم هاريسون الذي يصدر له "من ماركيت الى يراكروز" عن دار "كريستيان بورجوا".
ومن المؤلفين المتوقع لهم حصة في الجوائز الأدبية ايضاً الكاتب ايريك فوتورينو في رواية"كوساكوف" عن دار "غاليمار" ولوران غوديه في رواية "شمس سكورتا" وكلير كاستيون في "يكلمونك عنها"، عن "دار فايار"، كذلك ستحمل رواية "حياة فرنسية" لجان بول دوبوا اصداء إيجابية حسب توقعات النقاد، وايضاً المؤلفين فيرجين ديبانت في "باي باي بلونوي" وكريستين أنجوفي "فاقدو التوازن".
التعليقات