لا يوجد إحصاء دقيق للجرائم التي قامت بها الديموقراطية الصهيونية العنصرية ضد العرب في فلسطين المحتلة، منذ قيام دولة الكيان الإسرائيل؟!، ولا يظهر للعلن التمييز العنصري الفظيع الذي يجعل من عرب الـ 48 مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، يصنَّفون فئات وفق ما يخدم سياسة العدو ومصالحه ويحقق له ضعفهم وتمزقهم، وتلك الدولة التي درج بعض العرب المفرَّغين من محتواهم على تقديمها أنموذجاً سياسياً لما ينبغي أن يكون عليه نمط الحكم في بلدانهم، تقوم على التمييز العنصري حتى بين السفاراديم والأشكينازيم في البيت اليهودي ذاته، عدا عن التمييز القائم بين شرائح المستوردين إليها وفق بلدانهم وثقافاتهم والمجتمعات الأصلية التي ما زالوا جزءاً منها. وهي التي يقول عنها من يعرفونها من الداخل من المتعصبين لمشروعها: إنها السجن اليهودي، والـ (غيتو) الأوسع في تاريخ اليهود، وإنها كما يقول جان دانيال:
إسرائيل الآن تختنق تحت وطأة الفساد والطغيان والظلم. ولهذا فأنا أرى أننا نشهد نهاية للمشروع الصهيوني على الأبواب... وهناك إمكانية فعلية لأن يكون جيلنا هو الجيل الصهيوني الأخير. لقد تبين لي أن نضال الألفي عام من أجل الدولة، انتهى بأن تكون لنا دولة مستعمرات، تديرها عصابة من الفاسدين من صناع القانون ومخترقيه.
إن المثقفين والإعلاميين المقتنين ـ مصطلح لأحد الأسرى في سجون العدو ـ من أجهزة المخابرات الغربية والإسرائيلية يراد لهم أن يكرسوا في الأذهان، من خلال وسائل إعلام كثيرة ومؤثرة ناطقة بالعربية وموجهة إلى العرب ومتفق معها على البرامج والأدوار التي تقوم بها، دونية من نوع غريب، وترحماً على الاستعمار، ونبذاً لكل ما هو قومي ووطني وأخلاقي متعارف عليه، وتغيير المعايير والمفاهيم وسلم القيم الاجتماعية ليكون ما يقومون به من أفعال محكوم عليها بكل المعايير والقوانين السائدة والشرائع والتشريعات القائمة، أفعالاً مباحة بل مشروعة ومحمودة تدخل في حيز النضال المشروع وربما الجهاد؟! وليغيّروا بذلك المنطق قواعد المنطق والعمل والحكم والاحتكام، فيصبح قدومهم إلى أوطانهم على ظهور دبابات المحتل وبساط من دم مواطنيهم ودمار بلدهم وخسران أمتهم نوعاً من الفتح المبين والشجاعة النادرة؟!
وقد أشير إلى بعض تفاصيل السياسة الأميركية لاقتناء مثقفين وإعلاميين بَلْهَ السياسيين والطاقات الشابة والنساء ومَفْرَخَة المنظمات تحت مختلف التسميات، كما أشير إلى بعض تمويلها الذي بلغ أكثر من 40 مليون دولار أميركي عام 2004 وسيصبح أكثر من 65 مليون دولار عام 2005، عدا المؤسسات الإعلامية والثقافية والاجتماعية..إلخ التي تتمتع بموازنات خاصة وتستقطب عناصر على طريقتها، وأن كل هذا يذهب إلى العالم العربي والإسلامي، حسب تقرير باتريشيا هاريسون، مساعد وزير الخارجية للشؤون التعليمية والثقافية التي قالت أمام لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب الأميركي يوم 19 أغسطس 2004 بعد الحادي عشر من سبتمبر، أوجدنا مركز التواصل مع الوسائل الإعلامية (Media Outreach Center) في لندن، الذي يعمل بقوة للتواصل الواسع مع الوسائل الإعلامية العربية في لندن، التي تتمتع بتوزيع واسع في منطقة الشرق الأوسط. وأقمنا شراكات مع المؤسسات المحلية في الخارج، ومع وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية وغيرها.. و.. إننا نساعد الصحفيين العرب والمسلمين على إنتاج تقارير ومواضيع وثائقية موزونة حول مواضيع تتراوح بين السياسة والثقافة. ونواصل إنتاج قصص تحمل أخباراً سارة عن إعادة الإعمار في العراق وأفغانستان، أدخلها المحررون الصحفيون الأميركيون والأجانب في برامجهم...
إن المثقفين والإعلاميين العرب المنخرطين في هذه الخطة يكرسون الأكاذيب الكبرى التي تتحدث عن القيم والحقوق والحريات ويساعدون على إخفاء سموم المشروع الإمبريالي الإسرائيلي الكبير الموجه ضد الأمتين العربية والإسلامية، وضد المنطقة وشعوبها وثرواتها ومقومات حضارتها ووجودها.. ذلك المشروع الذي يفيض حقداً عنصرياً على العروبة والإسلام، ويريد أن يمزق النسيج الاجتماعي والقومي المتداخل عضوياً لأبناء العالم الوطن العربي والعالم الإسلامي والأقوام التي تعيش فيهما متآخية، حيث يخرب ذلك النسيج تخريباً ويوظف شظاياه ونتوءاته الناشزة في خدمته بعد تشويش الأفكار وتشتيت الرؤى وتشويه الصور وبعثرة التوجهات. وهو يحاول أن يقدم العروبة حاكمة متحكمة في حين أنها تعاني من أشكال الاضطهاد التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي والاستعمار الغربي والمرتبطون بهما والموالون لهما منذ قرون من الزمن، كما يقدمها هوية مسمومة عنصرية متخلفة محكوم عليها وينبغي نبذها والتخلص منها، ويقدم الإسلام إرهاباً يقترن بقاؤه وتكريسه بتعليم القرآن الكريم واللغة العربية والأخذ بالأصول الفقهية وإتِّباع المذاهب الشرعية؟! إنها الحملة العنصرية الكبرى على عالمنا وهويتنا وديننا ومصالحنا وأوطاننا.
لقد رددت د. كونداليزا رايس مستشار الأمن القومي، في 23 أغسطس، 2004 في المعهد الأميركي للسلام قول الرئيس بوش: ..سوف تحارب أميركا وسوف تكسب حرب الأفكار. وفي حرب الأفكار تلك يبقى الحليف العضوي الأول للولايات المتحدة الأميركية والشريك الاستراتيجي المتماهي معها في الحملة العقائدية الاستعمارية الإمبريالية، والقوة التي يُعتمد عليها بالدرجة الأولى هو الكيان الإسرائيلي. يقول زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأسبق: إن إسرائيل هي المرشح الوحيد لأن تشغل مركز حليف أميركا.. إنها الحليف الإقليمي البارز أو المفضل عن سواه في منطقة الشرق الأوسط... إنها القوة العسكرية المهيمنة في الشرق الأوسط بعد أن أصبحت تمتلك الإمكانيات والقدرات التي لا ترشحها فقط كي تكون قاعدة عسكرية أو منطلقا للولايات المتحدة الأميركية عند نشوب أية أزمة إقليمية كبري في المنطقة, وإنما كي تقدم إسهامات ملموسة واسعة لخدمة أية عمليات عسكرية تكون أميركا طرفا فيها، فهي قادرة ومؤهلة. (المقتطفات من كتاب بريجنسكي الأخير ساقها مرسي عطا الله في الأهرام.).
في السجون الإسرائيلية اليوم ما يزيد على 7400 أسير ومعتقل وسجين، فلسطيني وعربي، تتراوح مدة أسرهم واعتقالهم بين سنة وست وعشرين سنة، وهم يعانون الأمرَّيْن من أنواع التعذيب والإذلال والحرمان من أبسط حقوقهم الإنسانية، ومن أبسط ما توفره الاتفاقياتُ الدولية لمن هم في مثل أوضاعهم.. وهؤلاء لا يلتفت إلى آلامهم أو آلام أسرهم أحد، وينساهم العرب والمسلمون وما يُسمى المجتمع الدولي الذي يدافع عن الحرية وحقوق الإنسان والديموقراطية ويصبح من أصحاب الحضور والسطوة حين يخرج من قبعة الحاوي عندما يخدم مصالح من يخرجونه؟! إنه الفزاعة والشمّاعة في آن معاً، تقوده الدولة العظمى وتحركه، وتبعثه وتميته، وتضعه في التداول وتسحبه من الأسواق، وتحتكره في الأوضاع والأوقات كلها؟!
ويضفي الكيان الإسرائيلي، صفة الإرهابيين على أولئك المقاتلين الحقيقيين من أجل الحرية والاستقلال وحقوق شعبهم والمدافعين بشجاعة وشرف عن أنفسهم وأوطانهم وأسرهم وممتلكاتهم ومقدساتهم، رغم حصارهم وحرمانهم من كل شيء.
لا يرتفع صوت من أجل أولئك منذ سنوات وسنوات.. لا في وطن العرب والمسلمين ولا في المجتمع الدولي ذي المهابة والصلابة الذي عجز عن تمكين لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس الأمن الدولي من الدخول إلى مخيم جنين إثر المذبحة الصهيونية البشعة فيها؟! وهاهم الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون يرفعون الصوت اليوم ويحركون الشارع الفلسطيني وبعض الجيوب في الشارع العربي بجوعهم وألمهم وعذابهم، ليقولوا للعالم هناك بشر يعانون ويضطهدون ويُحرَمون من أبسط الحقوق في ظل تواطؤ وسكوت لا يمكن تسويغهما؟ فهل يجرؤ المثقفون والإعلاميون المقتَنون والمتاجرون بالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان من الأميركيين والغربيين أن يوجهوا كلمة ويقوموا بفعل حقيقي ضد إسرائيل الموضوع فوق القانون وفوق المساءلة بالقوة المستبدة؟!
إن مأساة هؤلاء ضاغطة على كل ذي ضمير وكل من يرى الأمور من منظار إنساني سوي ومنطق موضوعي مقبول، أما الذين تقتنيهم أجهزة استخبارات ودول استعمارية ومؤسسات تعمل في فلكها من مثقفين وسياسيين وإعلاميين ليقوموا بتزييف حقائق وترويج أكاذيب الهدف منها تلويث المفاهيم وإرباك العقل والفهم ومن ثم تعطيل الإرادات والقوى والقوانين ومحاصرة التحركات المؤدية إلى إحقاق الحق ووضع النقاط على الحروف، فأولئك عار البشرية من أي جنسية كانوا، والعرب منهم يخوضون فوق ذلك الذي يرتكبونه من خطايا وآثام وجرائم بحقهم وحق أمتهم والإنسانية فإنهم بفعلهم ذاك، يخوضون في دماء إخوتهم وأبنائهم وذويهم وفي بحر من دموع أطفال ونساء مشردين يتكوَّم بعضهم فوق ركام البيوت المدمرة وخرائب البساتين والمزارع التي تقتلع باقتلاعها كل مقومات عيش الإنسان الفلسطيني وأمنه.. إن أولئك والذين يحركونهم لا يأبهون بالقيم الأخلاقية والإنسانية ولا بحقائق الانتماء ولا بما يصيب شعبهم وبلدانهم من دمار في ظل موجات العدوان والاحتلال والكراهية المتتالية.. إنهم منبتَّون يوالون بلداناً ويقدمون خدمات لبلدان وسياسات معادية كلياً لأوطانهم وثقافتهم ومصالحهم وعقائدهم وللقيم التي يتشدقون بها ويعملون تحت لافتاتها.
إنه لممّا يؤسَف له أن تنتشر في وطننا نماذج من البؤس المطلق الشامل تجرجر جثثها ومنطقها فوق جراح أمتنا، وتدلق علينا منطقاً يسوغ العمالة والخيانة والولاء للعدو بذريعة التحرير والديموقراطية، وتهاجم الأمة بأعز ما تملك، وتروِّج من الأكاذيب والأقوال والأفعال ما ينم عن جهل مطلق وعداء وكراهية لا حدود لهما لكل ما هو عربي شريف وإسلامي نظيف تحت لا فتات شتى؟! إنها لا تكتفي بالاعتزاز بقطريتها الضيقة وإنما تعمل مع الأعداء على عزل الشعب والوطن عن مداهما الجغرافي والتاريخي، وتلهج بما يريده الإسرائيليون والاستعماريون من أقوال وأفكار وأهداف وغايات بالكلمات والصفات والمواصفات ذاتها.. ومعظم أولئك ممن كانوا أبناء لهذا الوطن في هذا القطر أو ذاك، وأصبحوا من أشد حملة السكاكين على الوطن وأقطاره وعلى أبنائه ومقومات الحياة والهوية والحضارة فيه.. إنهم يأكلون بأثدائهم ولا يخجلون من ذلك ولا من أن يكونوا عملاء للمحتل والغازي والعدو؟!.
إننا في وقت الاستهداف الأشد، ومن فلسطين على العراق على السودان..إلخ تنوشنا جوارح الأمم ويفتك بنا المحتل ويوظف بعضنا ضد بعض ليقتلنا بأيدي بعضنا بعضاً يوقف في الخلف يتاجر بالجميع ويصفي حساباته مع الجميع، إن هو استطاع، وينصر مشروعه وعقيدته ويحقق أهدافه ومصالحه البعيدة والقريبة، ولا خير ولا أمل ولا جدوى من أن نتوجه بنداء على من يناصرون العدو على أمتهم ويفتحون له مغاليق أبوابها.. إن المطلوب فعل يقظ مسؤول يغير الواقع ويفتح آفاق الأمل ويعيد ترتيب البيت العربي والإسلامي بما يجعل هذه الأمة قادرة في الحدود الدنيا على الدفاع عن نفسها وعقيدتها عندما تكون سكين الجزار فوق رقبتها. وفي موقف يحرك شارعنا اليوم من داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية يقفه الأسرى والمعتقلون هناك لا بد من موقف عربي قوي ومشرف فعال.. من عمل يحرر الأسرى، فالكلام الذي نغدقه عليهم ويفيض بالإشادة ببطولتهم لن يطلق سراحهم، والأمم المتحدة ومجلس الأمن وكل المؤسسات ذات الصبغة الدولية والإنسانية معطلة الفاعلية تجاه إسرائيل، مثل لجنة مخيم جنين وقرار محكمة العدل الدولية، لأن إسرائيل فوق القانون وفوق المساءلة .. ومن ثم فإن وضع حد لمعاناة أبنائنا في السجون الإسرائيلية لن تكون إلا مسؤوليتنا نحن بالدرجة الأولى، ويترتب علينا أن نستشعر مأساتهم في كل دقيقة لأنهم لا يعانون في مناسبات كي نتذكرهم في مناسبات وإنما يعيشون لحظات ليلهم ونهارهم معاناة قاسية من عنصرية صهيونية لا تعرف الرحمة والقانون والقيم الإنسانية، وتعاني من تورم فظيع وتعال مقيت ومن ادعاءات فارغة على رأسها: الشعب المختار؟!
إن الأسرى والمعتقلين ضحوا من أجلنا، وتحملوا هم وأسرهم الكثير في سبيلنا، ليست القضية التي ناضلوا وأسروا على طريقها هي قضيتهم وحدهم، إنما هي قضية الأمة، ومن يتاجر بآلامهم أو يتفرج على معاناتهم أو يتعاطف معهم في المناسبات والمواسم لا يشعر بشعورهم بالمستوى المطلوب، ولا يمت لنضالهم وبطولاتهم وقضاياهم العادلة بصلة كافية تفرضها المسؤولية ويقتضيها الانتماء.
لسنا حيالهم من المحايدين، نحن أصحاب اللحم والدم والوشائج الكبيرة.. ولسنا حيالهم مجرد متفرجين على مشهد في التلفاز أو السينما، ولسنا من طينة أخرى نرى إلى معاناتهم من قارة أخرى أو من كوكب آخر.. نحن وأولئك لحم ودم وقضية ومصير .. فكيف نتركهم للمعاناة كل هذه السنين ولا نعمل على حماية أسرهم وإطلاق سراحهم وقد عملوا من أجل حمايتنا ومن أجل أسرنا؟؟ كل ما يحقق تحريرهم مطلوب، وتجربة حزب الله كانت ناجحة ومفيدة في هذا المجال.. فهل يفعل العرب فعلاً ناجزاً، أو يمكِّنون الفلسطينيين من القيام بفعل ناجز في هذا المجال، لأن الأسرى والمعتقلين هم جرح الأمة ومسؤوليتها؟ أم إن هذا السؤال سيضاف إلى أسئلة كثيرة وكبيرة تبقى أشواكها مثل أكواز الصبار في الحناجر؟! أياً كان الأمر فسيبقى الأمل وسيبقى النضال وسيبقى الشرفاء وشرف الانتماء لأمة قدمت الكثير للحضارة والتاريخ ولن تزول أبداً من تاريخ الحضارة وصفحات التاريخ.. فلا يأس من الأمة، ولا يأس مع الحياة.
- آخر تحديث :
التعليقات