أسوة بالبلدان التي تقوم أنظمتها على المؤسسات سمى الاتحاد الأوروبي منذ الآن أعضاء مفوضيته الجديدة التي يرأسها البرتغالي خوسيه مانويل باروزو والتي ستطلب الثقة من البرلمان الأوروبي أواخر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. جديد «اللجنة الأوروبية» المقبلة كونها أول حكومة لأوروبا في حجمها الكبير، فهي مؤلفة من خمسة وعشرين مفوضاً أي بواقع ممثل واحد عن كل بلد عضو في الاتحاد، ما كرس استكمال ادماج الأعضاء الجدد في المؤسسات الأوروبية. لكنه أنهى أيضاً الامتيازالذي كان ممنوحاً للبلدان الأربعة الكبيرة باعطائها مقعدين بالنظر الى وزنها السكاني والاقتصادي ودورها التاريخي في تأسيس الاتحاد.
الأهم من ذلك أن اللجنة لا تضم خبراء من التكنوقراط وانما تألفت من شخصيات سياسية من الصف الأول أمثال بيتر ماندلسون الساعد الأيمن لتوني بلير والذي سيقود مفاوضات «جولة الدوحة» مع منظمة التجارة العالمية باسم الاتحاد، ووزيرة خارجية النمسا السابقة بنيتا فالدنير التي ستتسلم ملف العلاقات الخارجية و«سياسة الجوار» أي الحوار مع البلدان المتوسطية، ووزير الخارجية البلجيكي السابق لوي ميشال الذي عهد له ملف التنمية والمساعدات الانسانية ووزير الشؤون الأوروبية الايطالي روكو بوتيليوني الذي تولى حقيبة العدل والأمن ما يعني أنه سيكون وزير داخلية الاتحاد ويدير ملفين مترابطين: مكافحة الارهاب والتصدي للهجرة غير المشروعة، ورئيس الوزراء التشيكي السابق فلاديمير سبيدلا الذي أسند له ملف العمل والشؤون الاجتماعية. حتى الأعضاء الآتون من بلدان صغيرة نلحظ أن وراءهم نجاحات لافتة أمثال الايرلندي شارلي ماكريفي الذي حقق قفزة لاقتصاد بلده خلال الأعوام السبعة التي أمضاها على رأس وزارة المال، أو الألماني غونتر فارهوغن الدي قاد عملية ادماج الأعضاء العشرة الجدد في الاتحاد. هكذا بدت اللجنة في مثابة حكومة أوروبية متجانسة وكاملة الصلاحيات.
والثابت أنه ليست لرئيسها باروزو قامة الفرنسي جاك ديلور ولا اللوكسبورغي جاك سانتير أو الايطالي رومانو برودي، لكن صعوده كرس ثأر أوروبا الجديدة من القديمة طبقاً للصورة الشهيرة التي أطلقها رامسفيلد، فهو أطلسي متطرف وليبرالي متعصب في آن معاً. ودافع باروزو عن امكان الجمع بين الأطلسية بمعنى التحالف مع أميركا والعمل من أجل الاندماج الأوروبي في الوقت نفسه. أما ليبراليته فليست بقعة ملونة في ثوب أوروبي موحد، وانما العكس هو الصحيح اذ أنها امتداد للألوان المسيطرة في البرلمان الأوروبي وصورة من غالبية الحكومات الحالية في البلدان الأعضاء. لكن لنقل ان هذا شأن أوروبي داخلي. ما يهمنا بالمقابل هو كيف ستتعاطى اللجنة الجديدة مع الملفات التي تخص العرب؟ وما مدى قدرة «أصدقائهم» الذين احتلوا مقاعد في اللجنة على الدفع باتجاه مواقف متوازنة في الهيئات التي تصنع القرار الأوروبي؟
عموماً تراجع نفود البلدين الكبيرين المعارضين للسياسة الأميركية فرنسا وألمانيا، فهما لم تحصلا على الحقائب التي سعتا لها حتى أن مراقبين علقوا بأن ليتوانا التي حازت على حقيبة الموازنة بات موقعها أهم منهما في اللجنة. كما أن شيراك أخفق بتسمية رئيس الوزراء البلجيكي غي فرهوفشتات رئيساً للجنة بسبب الفيتو الدي وضعه عليه بلير. إلا أن بعض المحللين أكد أنهما حافظتا على كلمتهما من خلال المجلس الوزاري الأوروبي الدي يمكن أن يلتف على قرارات اللجنة أو في الأقل يعدلها. مع دلك يبقى في اللجنة أصدقاء للعرب وإن كانوا غير كثر في مقدمهم البلجيكي لوي ميشال والاسباني خافيير سولانا الدي سيتسلم ملف العلاقات الخارجية مجددا بعد التصديق على الدستور الأوروبي وسيأخد مقعد مواطنه جواكيم ألموني عضو اللجنة الحالي لكن برتبة نائب رئيس اللجنة الأوروبية. وربما سيكون لهؤلاء دور في تليين الاندفاع المتوقع من الغلاة الدين يعملون على تحويل أوروبا الى قلعة منيعة.
والأرجح أن الاحتكاكات بين العرب واللجنة الأوروبية الجديدة ستدور حول ثلاثة ملفات رئيسية هي الحرب على الارهاب بما يترتب عليها من ضغوط سياسية وثقافية على البلدان العربية والاسلامية، ومسار توسعة الاتحاد الدي سيصطدم مجدداً بمصالح البلدان العربية الموقعة على اتفاقات شراكة مع الاتحاد ويضع المبادىء المدونة في اعلان برشلونة على المحك، والهجرة غير المشروعة التي يحمل في شأنها المفوض الايطالي بوتيليوني خطة جاهزة في حقيبته تخص اقامة معسكرات في شمال أفريقيا لتجميع المهاجرين السريين.
طبعاً سيتعاطى العرب مع هده الحكومة الأوروبية الأولى عبر القنوات الثنائية كالعادة فليس لديهم اطار لحوار جماعي ولا رؤية مشتركة للتعاطي مع الاتحاد بقامته الجديدة، ما سيؤدي للاستفراد بهم واحداً بعد الآخر على غرار مفاوضات الشراكة التي اتسمت باختلال كبير أتاح فرض تنازلات جوهرية عليهم لا يزالون يسددون كلفتها السياسية والاقتصادية الى اليوم.
التعليقات