في مقابلته مع صحيفة الـ«نيويورك تايمز» اختار الرئيس الاميركي جورج بوش ان يجلس امام صندوق الاعتراف ليقر هو الآخر «انا أيضا اخطأت». وجاء اعترافه ليسوق كاقرار بخطأ تغيير نظام صدام حسين في حين ان الجدل كان حول دعوى امتلاك وتخزين سلاح الدمار الشامل الذي لم يعثر له على أثر، لكن تغيير النظام لم يكن محل اعتذار ويفترض الا يكون بعد مقابر مئات الالوف من الذين ذبحهم النظام السابق.
ولو اردنا مراجعة الاعترافات لاستوجب علينا ان نتذكر اعتذارا سبق به بوش الاب ابنه الرئيس الحالي. ففي اعقاب نهاية حرب تحرير الكويت اتضح للجميع ان نظام صدام لم يكف عن افتعال المشاكل الخارجية كما قام بعملية ذبح واسعة في الجنوب. وبعد خروجه من الرئاسة اعترف بوش انه ارتكب خطأ عندما لم يكمل الطريق الى بغداد. والحق انه لو فعل لربما وفر على العالم مآسي كثيرة، بينها حصار فاشل، وحرب جاءت متأخرة كثيرا. كانت القوات العراقية تتقهقر بعد اخراجها من الكويت، صاحبه إحباط حقيقي في الشارع العراقي ونقمة على النظام من جراء تلك الحرب الاضافية بعد ان ظن العراقيون ان حرب ايران كانت في حد ذاتها درسا قاسيا. بعد هزيمة قاسية في الكويت كانت الطريق الى بغداد شبه مفتوحة. لماذا لم يفعلها الاب؟ ربما لا يتذكر كثيرون ما قالته حكومته بعد اتفاق صفوان الذي اعلن نهاية الحرب، قالت انها لا تملك تفويضا من الامم المتحدة يجيز لها دخول العراق وان قرار مجلس الامن كان معنيا فقط بتحرير الكويت. حينها ضجت اصوات عديدة محتجة من ان الذهاب الى بغداد كان ضرورة اخفقت حكومة بوش الاب في تحقيقها.
فهل كان الاب على حق عندما اعترف بخطئه لانه رفض استكمال المعركة، ام ان الابن اصاب باعترافه بخطأ شن الحرب على نظام صدام وتغييره ؟ الاجابة تعتمد على من تسأل، فاكثرية العراقيين يشعرون بخطأ بوش الاب بعد ان اوحى اليهم بان نظام صدام كان الهدف ايضا، فتخلى عنهم لاكثر من عقد من الزمن وهم في خوف وجوع ويأس. اما اكثرية العرب فتعتقد ان بوش الابن اخطأ لان تغيير نظام صدام لم يكن ضرورة ولا الحرب كانت مبررة. وككل القضايا الاخرى فان هناك معسكرين دائما يتجادلان حول كل قضية، والعراق ليس استثناء.
تبدلت اشياء كثيرة بعد حرب العراق، اللغة والناس والاعذار. كان صدام في نظر الكثيرين من العرب حاكما شرعيا جيدا. بعد سقوط تماثيله والكشف عن اسوأ عمليات تعذيب في تاريخ الامة العربية صار الرجل سيئا والحرب سيئة. استمر الاعتراض لكن تبدلت الحجة، النقاش اليوم حول فقدان الدليل على وجود سلاح دمار شامل رغم كثرة المقابر.