سيمضي وقت طويل قبل ان تنتهي الهزات الارتدادية لزلزال تعديل الدستور والتمديد الذي صدّع اشياء وثوابت كثيرة في لبنان وعلى مستوى العلاقات اللبنانية - السورية. بعد عشرة ايام على تطويل ولاية الرئيس اميل لحود لمدة ثلاث سنوات، لا يغالي المرء الحريص على الاوضاع اللبنانية وعلى علاقات لبنانية سورية راسخة على اسس من التلازم والثقة المتبادلة، اذا قال اننا نواجه الآن مأزقين معقدين، ليس من الواضح كيف يمكن الخروج منهما.
اولا: المأزق الداخلي الذي يتمثل في الترتيبات والمساعي لاعادة لملمة الاوضاع اللبنانية، سواء في اطار السلطة الممددة وتحديدا في الموضوع الحكومي، او في اطار العلاقة المأزومة بين العهد وقوى اساسية لها وزنها وتأثيرها الحاسمان في البلاد. ولا يمكن الحديث عن اي تقدم داخلي وسط هذا الجو الانقسامي الذي خلفته عملية تعديل الدستور.
ثانيا: المأزق الخارجي الذي يتمثل في القرار 1559، حيث تصطدم المساعي السورية واللبنانية لمواجهة مفاعيله والسعي الى تطويق ذيوله واحتمالاته، باعلانات مفاجئة لا بل صاعقة، لا تتوقف مثلا عند حدود اعراب الاردن عن تأييده لهذا القرار واقتراب مصر من هذا الموقف فحسب، بل تصل الى مستوى دعوة مجلس التعاون الخليجي سوريا الى احترام القرار المذكور!
واذا كان الموقفان السوري واللبناني الرسميان يواجهان مثل هذا الانفكاك العربي، على خلفية القول انه لا يجوز ان نطالب دائما باحترام قرارات مجلس الامن ثم نرفضها فجأة، فأي تضامن او تفهّم يمكن ان يأملا في الحصول عليه من الدول الاوروبية وتحديدا من فرنسا؟ واي تساهل يمكن ان يأتي من اميركا؟ وكيف لنا بتوقع بيان متساهل من كوفي عنان في الثالث من الشهر المقبل، اذا كان بيان وليم بيرنز في خلال زيارته الى دمشق أثار كل هذا الغبار؟
وفي الواقع، بمقدار ما يعاد ترتيب الساحة السياسية الداخلية على قواعد تعكس الحد الادنى من التفاهم والوحدة الوطنية (اذا كان هذا ممكنا بعد زلزال التمديد)، بمقدار ما يمكن تذخير الحجج والمطالعات اللبنانية السورية في مواجهة مفاعيل القرار 1559.
ولكن كل الوقائع تشير الى ان من الصعب جدا ترتيب الاوضاع الداخلية بعدما وصل الانقسام الى مستويات جذرية. فليس من الواضح مثلا كيف يمكن الذين وجدوا في التمديد خطأ تاريخياً يجب العودة عنه، ان يتراجعوا عن هذا الموقف، وخصوصا بعدما اقترن الحديث عن يد العهد الممدودة للتعاون بتسريبات تحدثت عن حكومة الخط الواحد واللون والرأي الواحد، حيث بدا الأمر بمثابة دعوة الى تقبيل هذه اليد الممدودة.
وليس من المستغرب في ظل هذه الاجواء، اذا رد وليد جنبلاط بسرعة، مثلا على تسريب كلام عن حكومة الاقطاب المقترحة، بالقول انها قشرة موز ، والمقصود انها قشرة موز صومالي تستهدف تزحيط البعض عن مواقفهم المبدئية، التي تلاقي تصفيقا شعبيا عارما، وبقطع النظر عن اننا ذاهبون الى انتخابات نيابية بعد ثمانية اشهر.
ثم اذا كان يتردد ان رفيق الحريري الذي اعلن من برشلونة ان حكومته ستستقيل بعد 20 ايلول الجاري، سيعود الى تشكيل الحكومة الجديدة، فهل يمكن ان نتصور انه يقبل ويعترف بحكومة اقطاب لا تضم وليد جنبلاط؟
وكيف للحريري، وقد ابتلع مرارة التمديد الذي يتبين يوما بعد يوم انه كان خطأ استراتيجيا ، إكراماً لـ الخط الاستراتيجي ، الا يتوق في اعماق اعماقه للذهاب الى ممارسة نعمة المعارضة، اذا كانت مؤشرات العهد الممدد لا توحي اي تغيير او تبديل او قبول بالتفاهم، اذا صح ما قيل عن ان ملفات خلافية قديمة ادرجت على جدول اعمال مجلس الوزراء المقبل فرفضتها دوائر قصر بعبدا.
وكيف له ألا يتحسس المزيد من الخناجر بين كتفيه، وقد أوحي لبعض وسائل الاعلام ان تشن عليه حملة اتهامات وتقبيح ليل اول من امس، عندما كان يقف في برشلونة ليتسلم ارفع جائزة تمنحها الامم المتحدة، وهذا امر غير مسبوق في الدول والاوطان التي تعتبر تكريم المسؤولين فيها تكريما لها، وحيث لم نشهد من قبل بعض الدولة او المعدودين عليها يقفون لمهاجمة رئيس حكومتهم في لحظة تكريمه من المنظمة الدولية، الا اذا كانت زواريب السياسة الصغيرة، تتصور ان شتم الحريري المكرّم من الامم المتحدة، وقد اصدر مجلس امنها القرار 1559، يشكل مأثرة قد ترضي دمشق وهذا غير صحيح اطلاقا.
وفي عودة الى موضوع الحكومة المقبلة، وهو الاهم طبعا، هل يمكن ان نتصور قيام حكومة تستطيع ان تشكل قاعدة سياسية قادرة على تجسير الضفة اللبنانية من الموقف المشترك مع سوريا، لمواجهة المأزق الخارجي الذي يتمثل في اننا دخلنا بعيون مفتوحة الى التدويل الذي اعاد طرح الامور ويعيد طرحها الان تحت شعارات: القضية اللبنانية ، بعدما جاء حين من الدهر لم يعد هناك من يتحدث عن قضية لبنانية ، وكذلك بعدما خيضت معارك قوية شارك فيها المرحوم كمال جنبلاط ونجله وليد من بعده، لمنع التدويل وحتى التعريب ؟!
اليوم يعود الكاردينال صفير من الديمان الى بكركي. ان كلامه المنشور في النهار امس هو كلام بطاركة. فعندما يتعمد ان يرد على ما نشر عن زيارة مرتقبة للرئيس لحود الى بكركي بالقول: اللياقات شيء والمبادىء شيء آخر، وكنت ولا ازال ضد تعديل الدستور . فان هذا يعني ان ابواب بكركي مشرّعة للرئيس، واننا سنراوح طويلا امام المأزق الداخلي.
ولكن لماذا كل هذا؟
التعليقات