عبد المجيد حشادي: في الوقت الذي يستعد فيه بعض المتضررين من الحركة الانتقالية الخاصة بالجمارك، لتنظيم وقفات احتجاجية أمام كل من الوزارة الأولى ووزارة المالية والإدارة العامة للجمارك، احتجاجا على عودة »السعدية العلوي العبدلاوي«، التي كانت السبب الرئيسي في تنقيلهم، لاتزال تفاعلات عملية تهريب حاويات ممتلئة بأطنان من الأثواب الرفيعة من ميناء الدارالبيضاء تثير العديد من الألغاز. فقد أفادت مصادر مطلعة، أن العديد من العاملين بمديرية الجمارك بالدارالبيضاء، والمتضررين من الحركة الانتقالية التي كانت قد أقدمت عليها مديرة مديرية الموارد والبرمجة، والتي على أساسها، كانت إدارة الجمارك قد اتخذت قرارا بتغييرها »مؤقتا« من خلال »تعيين«المدير الجهوي للناظور، لحوالي شهر، كانت خلالها المسؤولة المذكورة في »عطلة إجبارية«، قبل أن تعود لقواعدها سالمة. وقبل أن يستفيق المتضررون من »العودة الميمونة« للمسؤولة، كانت فضيحة رجل الأعمال »شتريت«، وعملية تهريب حوالي ١٢ حاوية تضم أثوابا من النوع الرفيع، أخرجها بطريقة غير قانونية من ميناء الدارالبيضاء، وفي غياب التصاريح التي تتم عادة في مثل هذه الحالات، تثير واقعا داخل هذه المديرية، والذي وصفته مصادر جد مطلعة، بأنه »مافيا حقيقية تستنزف أموالا ضخمة وتضر باقتصاد البلاد«. فوفق ما كشفت عنه المصادر ذاتها، فإن عملية تهريب حوالي مائة طن من الأثواب الرفيعة، من ميناء الدارالبيضاء، والتي كان بطلها رجل الأعمال الشهير »شتريت«، تعد عنوانا بارزا لوضع، يقوم على »نهب المال العام«، من خلال مافيا متعددة الأوجه، تتحكم في عمل مديرية الجمارك بالبيضاء، وتستنزف أموالا ضخمة كان يجب أن تضخ في خزينة الدولة. وقدرت ذات المصادر أن عمليات التهريب والتحايل على القانون، والتي تتحكم فيها ثلاثة أطراف، مشكلة من بعض المعشرين وكذا بعض المستوردين، إلى جانب لوبي إداري بالمديرية الجهوية للجمارك بالبيضاء، تسببت في خسائر تبلغ ملايين الدراهم يوميا، تذهب بعيدا عن خزينة الدولة، وتضر باقتصاد البلاد، وببعض الأنشطة الاقتصادية المنافسة. واعتبرت جهات منتقدة من داخل الإدارة، الصمت الذي أعقب الكشف عن عملية التهريب المشار إليها، سواء على مستوى المديرية الجهوية، أو على مستوى الإدارة المركزية (وهي التي اعتادت أن لاتفوت إثارة أية قضية تهم الجمارك، لترسل بيان حقيقة في الموضوع)، إذ التزمت بخيار التكتم على الموضوع، وهو مافسر محاولة للتستر على العملية، بالرغم من قرار تجنيد عدد من أعوان الإدارة المكلفين بالحراسة بميناء الدارالبيضاء، والذين طوقوا عددا من المخازن المملوكة لرجل الأعمال »شتريت«، في انتظار الكشف عن خلفيات هذه الفضيحة. المصادر ذاتها، اعتبرت لجوء الإدارة لهذا السلوك مبرره محاولة »لذر الرماد في العيون«، باعتبار أن القضية ستنتهي لامحالة لنتيجة عدم العثور على الأثواب المهربة، وبالتالي عودة الحراس لعملهم، إعلانا عن عدم ضبط السلع المهربة، في انتظار تجدد عمليات أخرى. ما يحدث داخل مديرية الجمارك بالبيضاء، أصبح يطرح أكثر من سؤال من قبل العديد من الجمركيين النزهاء، الذين يشتكون من حقيقة الجهات النافذة والمتحكمة في الواقع في تدبير هذا المرفق، من خلال الإشارة إلى أن من يدير المديرية ويتحكم في زمامها، هو لوبي، قوي ونافذ، تتعدى سلطته سلطات المسؤولين بها. فبعد فضيحة التنقيلات التي أقدمت عليها مديرة مديرية الموارد والبرمجة، والتي كان من نتائجها طعن المتضررين في هذه القرارات أمام المحكمة الإدارية، قبل أن تقرر الإدارة المركزية الالتفاف على هذا الإجراء غير القانوني، ودفع المتضررين للتنازل عن دعاويهم، مقابل تنقيل المسؤولة، وهو التنقيل الذي تبين أنه كان صوريا، بعد عودتها لمنصبها، فقط بعد شهر واحد من »العطلة الإجبارية« التي منحت لها. ولعل ما يدعم الاتهامات الموجهة للجهات النافذة داخل إدارة الجمارك، والتي هي أشبه بناد للمصالح، هو قدرة أفراد هذا النادي، على الإبقاء على الجهات الإدارية التي تدور في فلكها، ومعارضة كل محاولات المس بمصالحها، بل والوقوف ضد كل القوانين التي قد تضر بالامتيازات المخولة إليها، ودفاعها المستميت على الإبقاء على نظام »الاستيراد المؤقت«، وكذا التدابير الجديدة الخاصة للتصريح بالسلع، التي أجمع العديد من الجمركيين بخصوصها أنها تحمل » أكثر من هفوة وسوء تقدير كما أنها تشكل خطورة على اقتصاد البلاد«. وفي هذا الشأن أوضح العديد من الجمركيين أن عملية معاينة السلع كانت تتم بنسبة ١٠٪ فقط، إذ أن المستورد كان يتوفر على نسبة ٩٠٪ كي يتم قبول تصريحه بالسلع عند الإستيراد دون المعاينة ، وذلك في إطار تبسيط المساطر والرفع من وتيرة الإنجاز، حيث كانت المصالح الجمركية تحتفظ بالحق في "إعادة الإنتقاء" بالنسبة للتصاريح المشكوك في أمرها حتى وإن تم قبولها من طرف منظومة »sadoc« في إطار "حزام السلامة". كشف نفس الجمركيين أن النسبة المصرح بها مرشحة للإرتفاع بشكل صاروخي في حالة غياب الرادع إذ تبقى العلاقة بين المهرب "المحتمل" ومنظومة »sadoc« كلعبة "قمار"، توفرللمهربين نسبة ٩٠٪ لتمرير السلع، علما أنه حتى في حالة وقوعه في الشباك يستطيع أن يلجأ إلى ما يسمى بـ "redepot" التي توفر له إمكانية الإفلات مرة ثانية بنسبة ٩٠٪ ، علما أن هناك إمكانيات عديدة لهذه العملية، مبرزين في الوقت نفسه أن منظومة الحاسوب sadoc"" تجاوزت العشرين سنة زيادة على أن هذه المنظومة تخضع لبرمجة مسبقة وفق معطيات ويستطيع المتعاملون إذا اهتدوا لمعطى واحد منها أن يفكوا رمز سلسلة بأكملها كما وقع بميناء الدارالبيضاء قبل أكثر من سنتين. وفي انتظار أن توضح الإدارة العامة موقفها من هذا الموضوع، تطرح المصادر ذاتها إشكالية أخرى مرتبطة بهيكلة إدارة الجمارك ذاتها، والتي توجد وفقهم »خارج القانون«، باعتبار أن القانون المؤسس لها يحددها في كل من المديرية التقنية ومديرية المنازعات والشؤون الإدارية، إلا أن ما يحدث الآن، هو أنها أصبحت تعمل وفق مشروع قانون لم يعرض على البرلمان بعد، كما لم تتم المصادقة عليه، وهو الذي يحدد مديرياتها في أربع. وبناء على هذا الخرق القانوني، تطرح مشروعية التوقيعات التي تتم على أساس ذلك، باعتبار أنها بدون سند قانوني، وبالتالي تعد قرارات معدومة، وهي وضعية تفتح الباب نحو التلاعبات والاختلاسات التي تتعرض لها أموال الدولة من قبل »نادي المســـــتفيدين« المحمي.
- آخر تحديث :
التعليقات