بالإمكان الإختلاف مع الدكتور حسن الترابي ونهجه وطريقته في العمل السياسي منذ أن أصدر أمراً بسجن نفسه من قبيل المناورة خدمة لـ «ثورة الإنقاذ»، عندما كانت هذه الثورة لاتزال قيد التنفيذ، لكن ان نُصدِّقْ ان زعيم حزب المؤتمر الشعبي السوداني المعارض ينفذ مخططات إسرائيلية في دارفور فهذا لا يمـكن تصديقه على الإطلاق.
لا أشدُّ فضاضة من ظلم ذوي القربى فالذي أطلق هذه الإتهامات الخطيرة هو علي عثمان محمد طه النائب الأول للرئيس السوداني، الذي كان ذات يوم قريب، يعتبر الدكتور الترابي أميراً للمؤمنين وكان لا يقبل من أي كان، حتى من رجل الدولة العملاق الصادق المهدي، ان يقول لمنظر «ثورة الإنقاذ» وفيلسوفها : «ما أحلى الكحل في عينيك».
لو ان هذا الكلام القاسي، الذي قاله علي عثمان محمد طه بحق الدكتور الترابي، قاله قبل خمسة أعوام الصادق المهدي، وهو لا يمكن ان يقوله، لقامت الدنيا ضده ولم تقعد ولتم إعتقاله هو وإبنه عبدالرحمن وعمه أحـــمد وكل رموز العائلة المهدية وزعماء «الأنصار» بتهمة القدح والذم والطعن بوطنية رجل لا يمكن ان يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من بين يديه.
سبحان الله.. إن هذه عادة لا تخص السودان وحده فعندما إنقلب «الشباطيون» على قيادة حزب البعث القومية في سوريا لم يكتفوا بإتهام هذه القيادة ورموزها باليمين والرجعية والتَّشوُّه والعفونة بل ولم يتوان الإنقلاب، الذي إنقلب عليهم ووضعهم في السجون بدوره، الى الحكم على ميشيل عفلق، الذي أسس هذا الـحزب وإجترح شعاره : «امة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة» بالإعدام بعد ان لفظته أول عاصمة بعثية.
هناك مثل شاع منذ عصور غابرة بعيدة يقـول : «إن الثورة كالقطة تأكل أبناءها» وحقيقة ان كل الثورات أكلت أبناءها فالثورة الفرنسية بكل قيمها العظيمة لم تتردد في أكل قادتها وأبنائها وجوزيف ستالين الذي كان عنوان الثورة البلشفية ورمزها لم يُبقِ واحداً مـن رفاقه إلا وأكله وهذا ما جرى مــع رفاق البعث في العراق وما فعله قادة «العشائر الماركسية» في عدن وما قام به آيات الله الذين قادوا ثورة الخميني الإسلامية الى النصر.
لم ينفِ الدكتور حسن الترابي تدخل حزبه، حزب المؤتمر الشعبي، في هذه المنطقة ولقد قال بعظمة لسانه قبال أيام ان بعض قادة هذا الحزب قد إلتحقوا بأهلهم في دارفور للدفاع عن ذويهم وأقاربهم ولمواجهة حرب الإبادة والبطش التي يواجهها هذا الإقليم الذي جميع مواطنيه من المسلمين والذي أعطى للجيش السوداني خيرة ضباطه وأشجع جنوده.
لا يمكن إنـكار ان الدكتور حسن الترابي، الذي يصفه البعض بإنه ثعلب السودان، قد إغتنم الفرصة وسعى لمواجهة السلطة، التي كان احد رموزها ومنظّرها الاول قبل خمسة أعوام، فوق منصة دارفور الملتهبة.. أما أنه ينفذ مخططات إسرائيلية في هذا الإقليم المنكوب فهذا لا يمكن تصديقه بأي شكل من الأشكال.
- آخر تحديث :
التعليقات