لن تهدأ العاصفة التي صنعها اختطاف الصحافيين الفرنسيين في العراق إلا إذا أطلق الخاطفون سراحهما، واعتذروا لفرنسا الدولة الأوروبية الصديقة عن هذا العمل الجنوني العابث الذي لن يخفف من محنة العراق والأمة، ولن يخدم أية قضية من قضايا العرب، التي كانت فرنسا ولاتزال من أشد أنصارها، في وقت عز فيه النصير، وتكاثر فيه الأعداء، ووجد العرب أنفسهم - في المجالس الدولية - كالأيتام في مأدبة اللئام.

وينتابني شك لا أستطيع اخفاءه عن جنسية الخاطفين، وأنهم لا عراقيون ولا اسلاميون، فما الذي فعلته فرنسا مع العراق والعراقيين تستحق عليه هذا الموقف، وقد كانت في طليعة الدول القليلة التي عارضت الحرب علناً وبصوت صارخ، وكانت ولاتزال ترى ان ما حدث في العراق اختراق للشرعية الدولية، وذهاب الى حرب بقصد الاطماع واحتلال مواقع نفوذ جديدة، ولا علاقة لها - أي الحرب - بما قيل من ان العراق يخفي اسلحة دمار شامل. ولاتزال فرنسا ترى ان استمرار الاحتلال سيخلق للعراق وللعراقيين ظروفاً هي الأسوأ ليس في تاريخ هذا البلد وحسب، وإنما في تاريخ العالم.

يقول العارفون بأوضاع العراق، بعد الغزو الأنجلو - أمريكي، إن عشرات العصابات الصهيونية تجول وتصول في “عراق الحرية الأمريكية”، وإنها تعمل كل ما من شأنه إفساد حياة العراقيين لعشرات السنين، وإفساد العلاقة بينهم وبين أشقائهم واصدقائهم، ومن هنا لا يستبعد هؤلاء العارفون بالأوضاع العراقية الجديدة ان يكون خاطفو الصحافيين الفرنسيين من بين هذه العصابات، ولا يستبعدون كذلك ان يشاهدوهما على شاشة احدى الفضائيات مذبوحين لتهييج الرأي العام الفرنسي اولاً، والأوروبي ثانياً على المقاومة العراقية، وعلى كل ما هو عربي وإسلامي.

إن العراق بلد محتل ومهان، ومن حق أبنائه ان يفعلوا كل شيء في سبيل تحريره من الغزاة المحتلين، ولكن في الحدود التي لا تجعل أي فعل من أفعال المقاومة يخلق ردود افعال عكسية لا تخدم العراق ولا المقاومة، ولا تكون موضع استهجان وتحقير من الداخل والخارج. وما أظن إلا أن المقاومة العراقية تعرف ذلك جيداً، وترفض أن يكون ثمن تضحياتها الجسام الاستهجان والاستنكار من عقلاء العالم وشرفائه.