واشنطن من بيتر غريير: بعد مرور أكثر من عام على المساعي المبذولة في العراق يبدو أن الولايات المتحدة قررت إعادة تقييم الجوانب الأساسية في استراتيجيتها المتعلقة بإعادة بناء العراق بينما أصبحت تقديرات الاستخبارات الأميركية أكثر فأكثر تشاؤما حول مدى نجاح هذه المساعي.
وقد يكون تحويل مليارات الدولارات المخصصة للمساعدات الأميركية من حقل إعادة بناء البنى التحتية إلى مشاريع الأمن هو جزء من هذه القصة. فالمساعي الأميركية أصبحت وبشكل متزايد تركز على مشاريع الأمد القصير على حساب المشاريع طويلة الأمد حسبما قال بعض المحللين. والهدف من ذلك هو إجراء الانتخابات المخطط لها في يناير (كانون الثاني) المقبل ثم محاولة البدء بالبناء من تلك النقطة.
وتعليقا على ذلك قالت جوديث يافي الخبيرة في شؤون العراق من جامعة الدفاع القومي «ليس هناك حل سحري في العراق وليس هناك أي ضمان يؤكد أن دفع مبالغ أكبر على الأمن سيجعل العراق أكثر أمنا مما هو عليه الوضع الآن». والتحولات في الأسلوب الأميركي هي أكثر عمقا من كونها مجرد التخلي عن إعادة إعمار البنى التحتية التي تحتاج إلى ظروف سلمية لتنفيذها، حسب أنتوني كوردسمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. فمنذ أبريل (نيسان) الماضي لم تضع الولايات المتحدة الأموال فقط للأمن، بل هي غيرت رأيها بما يخص طبيعة القوة الأمنية العراقية التي تريد أن تكونها.
كان التركيز السابق عبارة عن مجهود محدود يصب باتجاه تكوين جسم كبير من مؤسسات الأمن مع تدريب وعدة محدودين. كان الهدف تقدما بطيئا في مجال الدفاع عن الحدود مع قوات نظامية رمزية لا تمتلك القوة الكافية التي تجعلها تهدد النظام الديمقراطي العراقي الناشئ.
وقال جنرال متقاعد من القوة البرية له أواصر قوية مع القادة العسكريين الحاليين «هذا هو مكان المعركة المقبلة ولعدة أشهر مقبلة».
واستنتج أنتوني كوردسمان المحلل العسكري الرفيع من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في تقرير صدر حول إعادة بناء العراق، إن «الأخبار الطيبة تكمن في التحول نحو البرغماتية. أما الأخبار السيئة فهو أنه قد يكون هذا التحول والتبدل في الاستراتيجية جاء في وقت جد متأخر وبطريقة لا يعرف أحد ما ستترتب عنه».
ويمكن تلمس البطء في إعادة إحياء العراق من خلال معرفة أن مليارا واحدا تم إنفاقه حتى الآن على هذه المساعي من الأموال التي خصصها الكونغرس لإعادة اعمار العراق والبالغة 18مليار دولار.
وكان مفترضا أن يكون الجزء الأكبر من هذه المبالغ مخصصا للمشاريع العامة طويلة الأمد مثل مشاريع الماء والطاقة الكهربائية، لكن هجمات المتمردين قد جعلت إمكانية تحقيق تقدم كبير في مجال أعمال من هذا النوع مستحيلا، لذلك طلبت إدارة بوش رسميا من الكونغرس يوم الأربعاء الماضي أن يحول مبلغ 3.46 مليار المخصصة لإعادة الإعمار لتوظيفها في مجال الأمن.
وبعد مصادقة الكونغرس على ذلك تم تحويل ما يقرب من ملياري دولار للمساعي الطارئة لتدريب وتسليح قوات الجيش والشرطة العراقية. وسيذهب ما يقرب من 450 مليون دولار، لتصليح وتمديد مرافق النفط العراقية والتي ظلت هدفا مفضلا للمتمردين. أما معظم ما يتبقى من مبلغ الملياري دولار فسيكرس للتخطيط للانتخابات وتدريب العاملين المشرفين عليها.
لكن منذ بدء المتمردين بتصعيد هجماتهم في أبريل الماضي أدركت القيادة العسكرية الأميركية أنها لا تستطيع أن تنتصر في هذه الحرب بدون وجود عدد كبير من الوحدات العراقية المؤهلة تأهيلا جيدا. ونتيجة لذلك قال كوردسمان في تقريره إن «إدارة بوش متعجلة في مساعيها الهادفة لتحويل هذه الأموال لجعل العمليات العسكرية في العراق شبيهة بتلك التي جرت في فيتنام بالاعتماد على الفيتناميين». ورفضت إدارة بوش النقد الموجه ضدها لغياب تحقق تقدم في العراق إذ أنها قالت إن تقدما قد تحقق في مجالات أخرى غير مجال صناعة النفط على الرغم من عدم الوصول إلى الأهداف المقررة مسبقا.
فالطاقة الكهربائية قد زادت بمعدل 10% منذ تسليم السلطة للعراقيين في يونيو والآن أصبحت وبشكل مستمر تزيد عن 110 آلاف ميغاواط يوميا، حسبما قال رون شليتشر مساعد وكيل وزارة الخارجية في مكتب شؤون الشرق الأدنى في شهادة قدمها أمام مجلس الشيوخ يوم الأربعاء الماضي. كذلك وصل إنتاج النفط إلى أعلى معدلاته منذ بدء الحرب، حيث أنه وصل إلى مليوني برميل يوميا يوم الجمعة ما قبل الماضية. لكن تحويل مبلغ 3 مليارات دولار إلى مجال الأمن لا يعني أن الولايات المتحدة ستنهي مساعيها في مجال إعادة البناء كما قال شليتشر أمام مجلس الشيوخ: «نحن نسعى للوصول إلى أسلوب متكامل على الرغم من أننا نعرف أن تحقيق أمن كاف هو شرط أساسي لتحقيق تقدم سريع في الجبهات الأخرى».
في الوقت نفسه قدمت وكالة الاستخبارات المركزية للرئيس بوش تقييما استخباريا قوميا قد يمكن وصفه بأنه متشائم قليلا. ووفق هذا التقرير قدمت «سي آي أيه» ثلاثة سيناريوهات لمستقبل العراق أسوأها هو قيام حرب أهلية فيه.
وضمن هذا السياق يلاحظ أن أكثر المحللين تفاؤلا بما يخص آفاق العراق المستقبلية يقولون إن الأشهر القليلة القادمة ستكون صعبة. فمع مساعي المتمردين في قطع الطريق أمام تشكيل قوات أمن عراقية حقيقية، فإنه قد تكون أهدافهم اللاحقة لا المتطوعين الجدد في سلك الشرطة بل عائلات أولئك الذين لهم أواصر بالنظام الجديد. وقال جنرال متقاعد لديه أواصر قوية مع القادة العسكريين الأميركيين الحاليين «هنا ستكون ساحة المعركة خلال الأشهر القليلة المقبلة».
- آخر تحديث :
التعليقات