أيمن المهدي: في مصر الآن كارثة تعليمية بدأت تتوسع وتتوغل وتنتشر‏..‏ أزمة تهدد كيان نظام التعليم المصري وتهدر مبدأ تكافؤ الفرص‏,‏ وتجعل من يمتلك يحصل علي ما يريد‏!!‏في مصر الآن سماسرة يتاجرون في الشهادات الأجنبية المناظرة للثانوية العامة‏,‏ خاصة الدبلوما الأمريكية‏..‏ حددوا لها تسعيرة تتراوح ما بين سبعة آلاف وعشرين ألف جنيه حسب مستوي المدرسة للحصول علي الشهادة‏..‏

الغريب أن هذه الشهادة محترمة جدا في بلادها‏,‏ إلا أنها بلا قواعد في مصر‏..‏ والأخطر أنها تحولت الي باب خلفي للراسبين في شهادة الثانوية العامة المصرية للدخول الي عالم المجاميع المرتفعة والحصول علي شهادة أمريكاني‏,‏ تضمن مقعدا في أفضل وأحسن كلية مصرية يختارها الطالب أقصد ولي أمره‏!!‏

القصة أخطر مما نتصور لهذه الأسباب‏..‏
في النصف الأول من شهر أغسطس‏2004,‏ عقد أحد أصحاب المدارس الخاصة اجتماعا في أحد فنادق مدينة المنصورة عن التعليم الأمريكي‏,‏ وعرض افتتاح عدة فروع لتدريس الدبلوما الأمريكية في طنطا وكفر الشيخ والمنصورة‏,‏ وادعي أنه حصل علي ترخيص بذلك من وزارة التربية والتعليم‏..‏ وبالفعل اقتنع بعض الحضور بما عرضه وتحمس البعض الآخر لدفع عربون لإلحاق أبنائه بأحد هذه الفروع‏..‏

الغريب أن صاحب المدرسة الخاصة اعترف في أثناء هذا الاجتماع‏,‏ بأنه لا يملك أي مقر في المدن الثلاث‏.‏

والأغرب أنه زعم أن مدة الدراسة الاسبوعية يومان فقط‏,‏ أما بقية المنهج فعن طريق المراسلة‏(!!)‏

‏{‏ ملحوظة‏:‏ هذه المراسلة ستتم مع مركز المدرسة الرئيسي الكائن بالجيزة وليس خارج مصر؟‏!‏

والقضية ليست في مشروعية افتتاح فرع أو أكثر لمدرسة ما بأي مدينة أو محافظة‏,‏أو حتي في طريقة التدريس ومواعيدها‏,‏ لكن الكارثة أن صاحب هذه المدرسة يفعل كل ذلك دون سند من قانون‏,‏ واذا كانت مدرسته الرئيسية حاصلة علي ترخيص من وزارة التربية والتعليم بتدريس الشهادة الأمريكية‏,‏ فهل يحق له أن يمد هذا الترخيص لفروع وهمية بالاقاليم وطبقا لنظام دراسي اخترعه هو ليجذب أكبر عدد من الزبائن؟‏!‏

هناك جريمة أخري تنتشر بين مدارس الدبلوما الأمريكية‏,‏ وهي السماح لطلاب الصف الثاني الثانوي العام المصري بالالتحاق مباشرة بالسنة النهائية بالدبلوما الأمريكية للحصول علي الشهادة بالطبع‏,‏ هذا الإجراء إنما للتيسير علي الطالب المصري الذي حصل علي مجاميع منخفضة بالصف الثاني لتعويض ما فاته والحصول علي الشهادة الأمريكاني بالمجموع المطلوب‏..‏

‏{‏ ملحوظة‏:‏ الشهادة الأمريكية تتيح للطالب فرصا متعددة للامتحان‏,‏ مما يمكنه من تحسين نتيجته أكثر من ست مرات‏,‏ بالاضافة الي أن امتحاناتها غير معقدة‏.‏

ونحن لسنا ضد الشهادات الأجنبية ـ كما يقول المهندس محمد مجدي نجيب وكيل أول وزارة التربية والتعليم بالجيزة ـ ولكننا ضد الفوضي والتسيب‏.‏

وليس كل المدارس التي تدرس الشهادات الأجنبية والأمريكية سيئة‏,‏ بل هناك مدارس كثيرة محترمة جدا وملتزمة بالقواعد‏..‏

سألته‏:‏ ما هي هذه القواعد؟
‏**‏ قال‏:‏ أولا أن تخصص مدرسة لتدريس الشهادة الأمريكية وليس قسما داخل مدرسة لغات‏,‏ ويتم تقويم هذه المدرسة من جانب هيئة الاعتماد الأمريكية‏(‏ سيتا‏),‏ حيث ترسل وفدا لتقويم مباني المدرسة وكفاءة هيئات التدريس ومدي التزام الإدارة المدرسية بجميع الشروط المطبقة في المدارس الأمريكية‏.‏

‏**‏ ولكن معظم مدارس اللغات تحصل حاليا علي تراخيص بافتتاح أقسام للدبلوما الأمريكية‏..‏ هكذا سألته؟
‏**‏ قال‏:‏ اذا حدث ذلك فإنه يعد مخالفة لشروط بناء المدرسة أصلا‏,‏ لان مدرسة اللغات تكون خاضعة لشروط كثافات معينة واذا ما تم اقتطاع جزء من المدرسة الأساسي لتدريس الدبلوما‏,‏ فهو تحايل ويحول المدرسة الي مخالفة شروط منح الترخيص‏!‏

‏**‏ ولكن أين دوركم كمسئولين؟
‏**‏في حالة أي شكوي بوجود مخالفة‏,‏ يتم احالتها للتحقيق‏,‏ وفي حالة ثبوت صحتها يتم التعامل معها بحسم وبما يكفل تطبيق القانون ولوائحه‏.‏

الوزير يرد‏!‏
الدكتور أحمد جمال الدين وزير التربية والتعليم يؤكد أن الشهادات الأجنبية وخاصة الدبلوما الأمريكية‏,‏ في حاجة الي وضع معايير وشروط تحكم عملها‏,‏ ويقول إنه احالها الي لجنة متخصصة للدراسة وكتابة تقرير شامل عن حالتها الآن‏.‏

‏**‏ وأسأله‏:‏ لكن ألا تري أنها بوضعها الحالي وحتي تصدر قرارات اللجنة تهدد نظام التعليم المصري وخاصة نظام الثانوية العامة وتفتح بابا للفساد؟
‏**‏ قال‏:‏ لقد طلبت تقريرا عاجلا وأمينا وعندما ينتهي سنتخذ القرار الملائم‏,‏ الذي يحمي الصالح العام‏.‏

السيد محمد الكرارتي وكيل وزارة التربية والتعليم ورئيس لجنة بحث وضع الشهادات الأجنبية‏..‏

قال‏:‏ إن شهادة الدبلوما الأمريكية بالذات تحتاج الي اعادة نظر‏,‏ ووضع شروط وقواعد سواء للالتحاق بها أو الحصول علي شهادتها‏.‏

‏**‏ وأسأله‏:‏ ولكن يقال إن اللجنة تدرس وتبحث فرض رسوم علي هذه الشهادة‏,‏ بينما القضية الأساسية هي تفشي منح الشهادة لكل من يدفع أكثر مع توالد أفكار شيطانية يوميا لاستغلال حاجة المواطن المصري الراغب في تعليم أبنائه وإلحاقهم بأحسن الكليات؟
‏**‏ قال‏:‏ نحن ندرس جميع عيوب هذه الشهادة‏,‏ وسنقدم تقريرا للوزير لاتخاذ ما يراه مناسبا‏.‏

القضية ليست في تفشي الفساد في شهادة الدبلوما الأمريكية ـ والكلام للسيد عبدالفتاح عبدالسلام وكيل أول وزارة التربية والتعليم بالقاهرة ـ ولكن الأزمة الحقيقية هي في ضعف نظام الثانوية العامة المصرية‏,‏ وعندما ينصلح هذا النظام فلن تجد مثل هذه الأشكال من الفساد التعليمي‏.‏

ويضيف‏:‏ هل تعلم أنه منذ إلغاء التحسين والأزمة تتفاقم‏,‏ ويتساءل‏:‏ لماذا يحرم الأبناء من تحسين مجموعهم أو دخول الامتحان مرة ومرات‏,‏ أليس شهادة الدبلوما الأمريكية تتميز بذلك وهذا هو أهم أسباب التهافت علي الالتحاق بها‏.‏

‏{‏ ملحوظة‏:‏ أحد أولياء الأمور أكد أن إلحاق ابنته بالسنة النهائية للشهادة الأمريكية يتكلف ما كان يدفعه مقابل الدروس الخصوصية في الصف الثاني الثانوي العام المصري‏!‏

‏{‏ ملحوظة أخطر‏:‏ بدأت عدة مدارس تدرس الدبلوما الأمريكية في تقديم تسهيلات للطلاب الذين يدرسون عندها بأن تعرض عليهم القفز سنة مقابل مبلغ من المال‏,‏ فبدلا من أن يكون الطالب في الصف الأول بالدبلوما‏,‏ فإنه يمكن أن ينتقل مباشرة الي السنة النهائية مقابل هذا المبلغ‏..‏

لابد من تدخل المجلس الأعلي للجامعات ووضع شروط للاعتراف بالدبلوما الأمريكية المطبقة في مصر‏,‏ وأهم هذه الشروط ألا يقل عدد سنوات الدراسة في هذه الدبلوما عن عامين‏,‏وهو ما يغلق الباب أمام السماسرة والمفسدين والذين يبيعون الشهادات بغرض التفوق الوهمي‏,‏ ويحول العملية التعليمية الي فخاخ للنصب باسم التعليم‏.‏