حققت الولايات المتحدة نجاحاً يسجل لها. استمالت مجلس الأمن إلى جانبها وجذبت أبرز دول الاتحاد الأوروبي إلى موقفها الراديكالي ضد سوريا ولبنان وضد نهج البلدين في النزاعات الإقليمية.
يستطيع جورج بوش (وأرييل شارون) أن يحتفل وهو يتلقى ترشيح حزبه له للرئاسة. فلا صحة لمزاعم خصومه عن أنه ضرب التحالف الغربي وأضر بسمعة الولايات المتحدة في العالم واستهان بمجلس الأمن بشكل لا علاج له. لا بل يستطيع الزعم أن جاك شيراك وغيرهارد شرودر وفلاديمير بوتين اتبعوا خطى معمر القذافي في lt;lt;الاستسلام الاستباقيgt;gt; وأن lt;lt;حرب العراقgt;gt; تؤتي ثمارها. هذا بالنسبة إليه. أما بالنسبة إلى المحور الذي عارضه فإن الموقف الجديد محطة في سياق تحولات بطيئة. لقد انتقل هذا المحور من رفض الحرب إلى الخوف من الفشل الأميركي في العراق. وبات أكثر ميلاً إلى تطويع سوريا (تعليق lt;lt;اتفاق الشراكةgt;gt;). وتمّ القبول بتجميد الرباعية وتحميل الفلسطينيين مسؤولية أكبر من شارون في تعثر التسوية وذلك في سياق lt;lt;شراءgt;gt; خطة lt;lt;غزة أولاًgt;gt;. وجرى تثبيت الموقف من أن lt;lt;حزب اللهgt;gt; لم يعد يملك حقاً في حمل السلاح في لبنان وأنه لا يجوز له دعم الفلسطينيين على طريقته... ومن معالم التقارب التوصل إلى صياغة مشتركة، ولو متواضعة، لlt;lt;إصلاح الشرق الأوسط الكبيرgt;gt;، وكذلك التسوية الخاصة بالدور المحدود لحلف شمال الأطلسي في العراق...
حصلت هذه التحولات لبنة لبنة (وهي لم تنهِ التمايزات طبعاً) ليفاجأ لبنان وسوريا بأنهما لا يملكان حليفاً دولياً وازناً (هل يملكان حليفاً عربياً وازناً؟). عندما وضع البلدان في الميزان رجحت لدى الكثيرين كفة المصالح مع الولايات المتحدة، خاصة بعد أن تشكل الثنائي الأميركي الفرنسي. ولعل من اللافت، مثلاً، أن إسبانيا المتغيّرة والمنسحبة من العراق، وهي رئيسة الدورة الحالية لمجلس الأمن، تنضم اليوم إلى واشنطن لتبارك لها واحدة من نتائج lt;lt;الحرب المرفوضةgt;gt;.
لا يقاس مدى النجاح السياسي الأميركي إلا بلامعقولية المطالب المرفوعة في وجه سوريا ولبنان. لو افترضنا توفر النية في بيروت، ولو افترضنا أن مجلس النواب انتخب اليوم أقرب ماروني إلى الولايات المتحدة، ولو افترضنا أن حكومة أميركية الهوى تشكلت، يبقى المشروع مستحيلاً. إن بنود الخطة الأميركية الدولية معدومة القوى الجدية محلياً إلى حد يمكن القول معه إن أقصى ما تطمح إليه هو الفوضى. فضلاً عن أن الاصطفاف الحاصل سيؤدي إلى تعميق الانطباع بوجود مشكلة بين lt;lt;الغربgt;gt; المستعيد وحدته وبين مسلمين وعرب. لقد حاذرت فرنسا في السابق المشاركة في توليد هذا الانطباع. واكتشفت رصيداً لها في حجم التعاطف مع الزميلين المخطوفين في العراق. ولكنها الآن تتصرف وكأن تطويع سوريا ولبنان هو تطويع لبلدين معزولين شعبياً لن يستثير أي رد فعل.
ثمة سوء تقدير في هذا المجال. لكنه سوء تقدير للوضع اللبناني أولاً. إن الخلط واضح بين جبهة واسعة ضد التعديل والتمديد، وبين جبهة أضيق ضد الشكل الراهن من العلاقات اللبنانية السورية، وبين جبهة أضيق بكثير تؤيّد ما يطالب به الأميركيون. ويقود سوء التقدير إلى قراءة سطحية لموازين القوى، وإلى انبهار مبالغ فيه بلحظة مرّ بها لبنان بدا فيها توفر نصاب سياسي في وجه إميل لحود. إن هذا lt;lt;النصابgt;gt; غير قابل للصرف دعماً لسياسات الولايات المتحدة. ولقد كان يفترض بهذه الأخيرة أن تستخلص هذه الحقيقة
من تجربتها العراقية حيث ثبت أن التوافق ضد صدام لا يعني توافقاً موازياً مؤيداً للاحتلال. قد لا يستقبل اللبنانيون التمديد للحود بالأرز والورود، ولكنهم سلبيون حيال السياسة الأميركية أكثر بكثير.
لا مفر من القول إن تقاطعاً موجوداً بين ما تريده واشنطن وما تطالب به قوى لبنانية. غير أنه تقاطع لا يتبنى الجذرية الأميركية أولاً، وثانياً، لا يملك إطلاقاً قوة الضغط اللازمة لفرض توجهاته. يمكن القول إن المعادلة القائلة: lt;lt;أكثرية نيابية مع لحود، أكثرية شعبية ضدهgt;gt; هي معادلة صحيحة. لكن هذه المعادلة تتغيّر بشكل ملموس لتصبح: lt;lt;أكثرية نيابية وشعبية ضد المشروع الأميركيgt;gt;. ويمكن، لقياس درجة التغيّر، إجراء التمرين التالي: ثمة عريضة ضد التعديل والتمديد ولحماية الجمهورية والدستور موقعة من نخبة لبنانية مميزة غير أننا لا نعرف بالضبط من منها يوافق على التوقيع إذا جعلنا قرار مجلس الأمن هو العريضة التالية.
إذا كان للسجال اللبناني اللبناني أن يرتقي فعليه أن يلامس الإشكالية التالية: أين تنتهي المطالب الأميركية من لبنان وأين تبدأ الاعتراضات الأميركية على التعديل والتمديد؟ يمكن الزعم، هنا، أن واشنطن كانت تملك البرنامج نفسه لأي عهد جديد في لبنان وأن المزعج في أمر لحود، بالنسبة إليها، هو، بالضبط، أنه قطع الطريق على lt;lt;تغييرgt;gt; يسمح بطرح هذا البرنامج (لا مجال، للأسف، لتغيير توهم الإصلاحيون أنه ممكن). ولكن الإدارة الكارثية للمعركة الرئاسية قادت إلى انكشاف سوري جعل دمشق في العراء بحيث سهّل تسليط الضغوط عليها. يعني ذلك أن الخطة الأميركية أصلية، وأن سوء التعاطي جعلها تبدو أكثر lt;lt;نجاحاًgt;gt;.
ولا يقتصر سوء التعاطي المشار إليه عند ما حصل في الأسابيع الأخيرة. إنه سابق لها ويمكن العودة به إلى سنوات ماضية بدا فيها الوضع اللبناني فضائحياً إلى حد يفوق الاحتمال. لذا فإن السؤال المقلق هو عمّا سيحصل بدءاً من يوم السبت، وعمّا إذا كان الجهد سيستمر في حفر قبر الوطنية اللبنانية وفي امتحان قدرة الوطنيين والقوميين والديموقراطيين، وهم في حالة تراجع مريع، على الاحتمال.
إذا لم تبذل الجهود الكافية لفصل أي معارضة داخلية عن أهداف الضغط الدولي فسنكون متجهين نحو أيام أكثر سواداً. فالقرارات الخارجية ليست مطروحة للتنفيذ الفوري. إنها نقاط استناد لسياسة لاحقة مديدة. وهي أدوات تصارع بها الولايات المتحدة على لبنان ومن أجل توسيع الكتلة الاعتراضية وجذبها وتجذيرها. وبهذا المعنى لا بد من خوض الصراع حيث هو. إنه صراع من أجل انتصار خط الانتماء الطوعي إلى جبهة ممانعة السياسات الأميركية في لبنان والمنطقة. ومن يقل lt;lt;الانتماء الطوعيgt;gt; يدرك حجم التعديل المطلوب على السياسات السورية، وعلى سياسات حلفاء سوريا، وبنسبة أقل على سياسات من يقاتل lt;lt;في سبيل الله مدركاً أن محمداً قد ماتgt;gt;.
- آخر تحديث :
التعليقات