دق النفير إذاً، وصدرت التعليمات بالنزول الى الخنادق وتلقيم البنادق. وعاد بكل قوة الاصطفاف الذي تدفع المجتمعات العربية ثمنا باهظا له منذ عقود: إما الوقوف في جهة الغزاة او الانحياز الى الحكومات والانظمة lt;lt;الوطنيةgt;gt;.
والحال ان هناك قراءات عدة للوضع الراهن الذي بات يصطلح على تسميته بالمأزق. تدعو القراءة الاولى الى الاصطفاف المشار اليه: على الجميع التزام موجبات المعركة السياسية والدبلوماسية، واي اخلال بهذا الالتزام يعرض صاحبه للتصنيفات المعروفة بالخيانة والعمالة، خصوصا ان التهديدات الاسرائيلية بعد عملية بئر السبع لا تترك مجالا لكل من يمتلك حسا وطنيا بترداد أي اعتراضات على المسار الذي اوصل الجميع الى هذا الوضع. القراءة الثانية تعتبر ان على المعارضة الا تنزلق الى هذا السجال وان تحتفظ بمواقفها الاساسية الداعية الى استعادة السيادة واحترام الدستور، مع التأكيد على اهمية ابقاء مسافة بينها وبين انصار التدويل. القراءة الثالثة تقول ان القوى الخارجية والمحلية الاقليمية اخطأت في التعامل مع ملف التمديد وان من غير المبرر معالجة الخطأ بحملة دولية قد تلقي بالمنطقة بأسرها في غياهب المجهول.
يُمنع في مثل هذه الاجواء التساؤل عمن يتحمل مسؤولية الدفع بالوضع الى المواجهة المتوقعة اذا تفاقمت الاخطاء. يُمنع التفكير او الاعتراض او حتى التذكير بأن ما يحدث هذه الايام كان قصة مكتوبة على الجدران منذ اعوام وان ليس في الامر مؤامرة دبرت بعيدا عن الانظار لدى الجهات المعادية، فهذه اصبحت من الصلف بحيث لا تخفي نواياها. ويمكن ذكر عشرات المقالات والدراسات المنشورة في صحف تباع في اسواق بيروت وموضوعة على مواقع الانترنت المتاحة للعموم، عن مخططات ورؤى لادخال تغييرات جذرية انقلابية في اوضاع المنطقة. لم تخف الجهات المعادية لا افكارها ولا ادواتها. وكثر الحديث عن طروحات المحافظين الجدد الى درجة الابتذال من دون ان يجري التدقيق في مدى تحول هذه الطروحات المجردة الى سياسات ملموسة الانعكاسات.
تجدر العودة هنا الى نوع من الرطانة ساد قبل ظهور الابعاد الدولية لموضوع التمديد وملخصه ان العهد قد حقق نجاحات استراتيجية جمة في الملف الخارجي وlt;lt;أُفشلgt;gt; في الملف الداخلي. لكن ما يجري في مجلس الامن وفي العواصم الغربية يظهر عقم هذا الفصل المصطنع بين الداخل والخارج، بين الاستراتيجيا الناجحة في ملفات المقاومة والصراع العربي الاسرائيلي والتكتيكات التي تتحمل الطبقة السياسية اللبنانية الفاسدة مسؤولية فشلها.
مهندسو التحرك الدولي لا يأخذون بهذا الفصل بدليل انهم يأخذون على لبنان وسوريا ما اعتبره الخطاب التمديدي نجاحا استراتيجيا ويربطونه مباشرة بموضوع اجراء lt;lt;عملية انتخابية حرة وعادلة في الانتخابات الرئاسية اللبنانية القادمة وفقا للقواعد الدستورية اللبنانية بدون تدخل او تأثير خارجيgt;gt;. ان lt;lt;التدويليينgt;gt; يرفضون بيان lt;lt;زوار القصرgt;gt; الشهير.
في هذه المعمعة ينبغي للبنانيين الحريصين على وطنهم وعلى سوريا ايضا، التمسك بعدد من الحقوق منها الحق في النقد والاعتراض على سير المعركة السياسية والدبلوماسية بحيث لا تتكرر الأخطاء التي رافقت اخراج التمديد، والحق في الاطلاع على تفاصيل ما يجري من تحركات كونها تتعلق بمصيرهم وحياتهم ومصالحهم المباشرة وجعل هذه التحركات شأنا عاما وليست امرا يعني مجموعة مغلقة من السياسيين.
ان الطبيعة الاستفزازية للتهديدات الاسرائيلية والمخاطر الجدية التي يشكلها التدويل والتلويح باعادة الفوضى الى لبنان بغطاء من الشرعية الدولية، لا يجوز ان تحجب النظر عن عمق الازمة التي تتخبط بها العلاقات اللبنانية السورية وهي التي شكلت المدخل الاوسع للعبث الاميركي. ولا بأس من تكرار ما قاله احد lt;lt;مجانينgt;gt; القرن التاسع عشر lt;lt;من يحدق في الهاوية، تحدق الهاوية فيهgt;gt;.
- آخر تحديث :
التعليقات