يستحق قرار مجلس الأمن الأخير مكاناً مميزاً، إنما على الرف. ويتوجب على المرء ان يكرر ان معتوها فقط هو من يعتبره قابلاً للتنفيذ في الشروط الراهنة. لا يمكن تطبيقه إلا في حالة من اثنتين:
الأولى، توفر اكثرية لبنانية ساحقة جذرية في عدائها لسوريا وقادرة على توفير الادوات اللازمة لسحق lt;lt;حزب اللهgt;gt; والمستعدين للدفاع عنه. ودون التوصل الى هذه الاكثرية مسافة لن يستطيع قطعها الذين بقوا، حتى بعد ظهر امس، ينتظرون، متضرعين، حلول lt;lt;اعجوبةgt;gt; قد لا تكون، في رأي البعض منهم، سوى البوارج والعقوبات. هذه الاكثرية ليست متوفرة اليوم ولا في الامد المنظور.
الثانية، غزو اسرائيلي جديد يهبط بالوضع اللبناني الى حد يجعل الاحتفاظ لحزب الله بموقع سياسي مقابل نزع سلاحه هو مطلب الحد الاقصى في ظل موازين قوى جديدة جذريا.
من دون احد هذين الشرطين، او من دونهما معا، يمكن وضع القرار، المخفف وبأكثرية الحد الادنى، على الرف. اما لماذا على الرف فلأن الدفن مستحيل لهذا النوع من القرارات.
ان المدخل الوحيد للاحتفاظ به حيث يستحق، اي لخوض صراع ضده، (وفضلا عن الجهود الخارجية)، وهو مدخل يجيب عن الشرطين المشار اليهما معا، هو تقديم جواب عن السؤال الذي بات ملحا منذ اليوم: ماذا نفعل بولاية من ثلاث سنوات للرئيس اميل لحود؟ والجواب المقترح هو: بذل الجهود كلها لانقاذ العلاقة العضوية بين القدرة اللبنانية على الممانعة وبين الديموقراطية. حين لا تتوفر هذه العلاقة يصبح مصير نظام صدام حسين هو الأفق، وحين تتوفر يكون ممكنا تكرار تجربة هوغو شافيز، على علاتها، في لبنان.
هذا هو الرهان الاكبر للرد على التحدي الاميركي المديد والمتداخل والمتصاعد، وهو التحدي الذي اعاد جورج بوش اطلاقه فجر امس في خطاب الموافقة على ترشيح الحزب الجمهوري له. وهذه هي ميزة التجربة اللبنانية، التي تعود الى ما قبل lt;lt;اتفاق الطائفgt;gt;، حيث ان الممانعة استندت الى القدر الذي نعرفه من الحرية (لم يكن في وسع الشعب الفلسطيني ان يواجه الامتحان هائل القساوة الذي يتعرض له لو لم يكن الفلسطينيون احراراً مع انهم ليسوا اسيادا على أرضهم).
ان جوهر المشروع الاميركي حيال الشرق الاوسط، واسرائيل من ادواته، هو إحداث فرز بين الدفاع عن المنطقة وبين الديموقراطية. نعم انها عملية lt;lt;خصخصةgt;gt; على نطاق lt;lt;الشرق الاوسط الكبيرgt;gt;، وهي جارية بنجاح شديد الالتباس حتى الآن. ان القصد هو ايكال الدفاع عن المنطقة الى تيارات يراد لها ان تكون نابذة الى ابعد حد، وايكال الدفاع عن الديموقراطية الى نخب اقلاوية، عديمة الانغراس في تربة اوطانها وامتها، باحثة عن الوسيلة الاسرع للقفز فوق المسألة الوطنية من اجل الدخول في رحاب الليبرالية فوق جثة التطلب القومي (ثمة اموال كثيرة تنفق لرعاية هذه النخب).
ثمة قوى إسلامية وقومية ويسارية وديموقراطية يراد طحنها بين مطرقة lt;lt;النبذgt;gt; وlt;lt;سندانgt;gt; الوهم الليبرالي. غير ان المرء يسعه ان يلاحظ، اذا دقق في سلوك بعض هذه القوى، انه يكفي انتزاع lt;lt;اللب الوطنيgt;gt; منها حتى يصبح في وسعها الاندراج في المشروع الاميركي النيوكولونيالي. ولنا، في لبنان، بغض النظر عن نوايا طيبي النية، امثلة تؤكد ان انتزاع هذا lt;lt;اللب الوطنيgt;gt; يقود، او يمكنه ان يقود، من عرائض المجتمع المدني الى مهاوي الانسياق في اطروحات lt;lt;المحافظين الجددgt;gt;.
لا رد على الاستهدافات الاميركية الا على هذه الارضية.
يبدأ هذا الرد بأن نرفض كلبنانيين الفرز الذي يحدثه بيننا الموقف من التعديل والتمديد. ليس هو الفرز الجوهري. وليس جائزا ان نغش انفسنا بأنه يعبر بدقة عن الانقسام الشعبي. هذا الفرز هو ما تقدمه لنا مرآة مقعّرة تزوّر الواقع سواء كانت مرآة لتعداد الاصوات في مجلس النواب امس، ام كانت مرآة لما يُنسب صدقا الى الرأي العام ومزاجه. ولأن هذه المرآة مقعّرة، اي لأن الانقسام لم يكن ولا يجوز ان يكون بين تمديديين وغير تمديديين، حصل الانكشاف السياسي الذي قدم مبررات لتدخل اجنبي مقرر اصلا.
نقترح بدلا مما تقدم فرزا آخر: من مع قرار مجلس الأمن، حتى في صيغته المعدلة، ومن ضده؟ لكل من هو معه حق ابداء الرأي ضمن القوانين المرعية الاجراء. ولكل من هو ضده حق المشاركة، بصيغة او بأخرى، في ادارة شؤون البلاد.
ونزعم ان اكثرية ممن هم ضد القرار توافق، على الارجح، على التشخيص الذي قدمه مجلس المطارنة للعلل في الوضع الداخلي اللبناني: هجرة الشباب، الفساد، مشاكل الادارة، المحسوبية، التعثر في بناء الدولة، القضاء... غير ان هذه الاكثرية قد تمتلك توزيعا اكثر عدلا للمسؤوليات: تقول لسوريا ما لها وما عليها، وتقول لحلفاء سوريا، وقد اهتز الائتلاف الجامع بينهم، ما لهم وما عليهم، كما تقول للمعارضين ما لهم وما عليهم.
ان وضع خط الفصل عند قرار مجلس الأمن وليس عند الانقسام حول التمديد يوفر الشرط الاول للرد اللبناني. انه شرط ضروري لكنه ليس كافيا. يحتاج الى شرط ثان هو ان تدار البلاد، وان تصحح العلاقات اللبنانية السورية، بما يتجاوب مع حصيلة آراء الواقفين على الجانب الصح، وطنيا، ولو لم يكونوا من التمديديين.
ان الوطني المعارض لاصلاح جدي هو مدعي وطنية، والاصلاحي المعارض لوطنية جدية هو مدعي اصلاح. الأول منتفع وانتهازي في الغالب، والثاني مبشر بالفوضى. وقد تكون المشكلة ان الطرفين يشكلان معا قوى شديدة النفوذ.
أما وقد تم التعديل والتمديد فيجب ان نسجل ان العبارة الاكثر غباوة في الاسابيع الماضية هي تلك التي اعلنها زميل كبير عندما قال lt;lt;ان حظوظ التمديد صفرgt;gt;. كان في وسعه ان يقول، مثلا، lt;lt;أنا ضد التمديد مئة في المئةgt;gt;. لم يفعل. ان الأماني هي اسوأ ناصح عند اطلاق تقديرات. هذه ألف باء القواعد المهنية. ثمة قواعد اخرى يخالفها بعض الزملاء عند الإمعان في التملّق.
- آخر تحديث :
التعليقات