انتهت الحفلة بالمفرقعات. فجأة اشتعلت سماء بيروت بالاسهم النارية، وانبعثت سيارات الفرح وهي تطلق ابواقها في الفضاء، وعقدت حلقات دبكة في بعض المناطق، وعم الحبور، وانتهت الهمروجة الرئاسية علي خير.
في السادسة من مساء الجمعة 3 ايلول (سبتمبر) مر مشروع التعديل الدستوري في المجلس النيابي، بأكثرية ساحقة، والغيت الانتخابات الرئاسية، عبر التمديد ثلاث سنوات اضافية للرئيس الحالي وقائد الجيش السابق العماد اميل لحود.
قيل ان مجلس النواب قام بردة رجل سريعة، علي قرار مجلس الامن، الذي دعا الي انسحاب القوات الاجنبية من لبنان.
وقيل ان سورية، اثبتت مرة اخري، انها السيد الوحيد في الساحة اللبنانية، وان ما تقرره، يترجم فورا الي قوانين وتعديلات دستورية.
وقيل انه العرف الجديد، فالرئيس المرضي عنه سورياً، يكافأ بثلاث سنوات اضافية، تضاف الي اعوام رئاسته الستة. هكذا حصل مع الرئيس السابق السيد الياس الهراوي، وهذا ما يحصل اليوم مع الرئيس الحالي.
وقيل ان القرار نابع من الظرف الدولي الضاغط. فسورية تخشي من اي تغيير، لانه قد ينعكس سلبا، علي وضعها الاقليمي الدقيق.
وقيل انه دعم لخيار المقاومة.
وقيل انه ترجمة دقيقة لوحدة المسارين اللبناني والسوري.
وقيل انه ضرورة وطنية وقومية.
والي آخره..
كل الحجج التي قيلت او نشرت، بقيت خارج الموضوع، فالموضوع الاصلي لا علاقة له بشيء من هذا. اذ لو كان الهدف سياسيا، او استراتيجيا، لما اضطرت القيادة السورية، الي لي ذراع اكثرية حلفائها في لبنان، وشرشحتهم، بحيث اضطروا الي ابتلاع كلامهم المعارض لتعديل الدستور. اذ ليس صعبا ان نجد رئيساً من بين السياسيين الموالين لسورية في اوساط الطبقة الحاكمة التي نشأت في احضان الاجهزة السورية في لبنان.
السبب الاستراتيجي ليس مقنعا. اذ كان في استطاعة السوريين، اختيار من يريدون، من دون العودة الي احد، وفرضه علي المجلس النيابي، وكانوا بذلك قد وفروا علي انفسهم وعلي لبنان، تجرع كأس فخ مجلس الامن.
اذاً ما هو السبب؟ ولماذا؟
لن نجد في كتب علم السياسة جوابا شافيا. المسألة بدت وكأنها سر غامض. وهي كذلك، لولا ان الانظمة العربية، تتعامل مع الرمز في وصفه واقعا، وتسعي عبر الاشارات الرمزية الي فرض واقع يكون اكثر سطوة من الواقع نفسه.
الجواب، يجب البحث عنه في المفرقعات، وفي الاحتفالية الجماهيرية التي صاحبت التمديد.
هنا، اصيب الناس بالذهول.
التمديد تم وسط معارضة سياسية ـ شعبية كبري، حتي الذين رفعوا ايديهم في المجلس النيابي، بدوا وكأنهم اجبروا علي ذلك. وجوه متجهمة، عبوس، وصمت. وفهم الناس ان لا حول لهؤلاء ولا قوة، وانهم ذهبوا الي ما ذهبوا اليه مكرهين طائعين.
من اين اتي الفرح اذن؟
امتلأت شوارع بيروت بالزمامير، وانتشرت صور الرئيس القائد، وتم حشد الجماهير، وتحول استقبال الاحد 5 ايلول (سبتمبر) في القصر الجمهوري في بعبدا، الي احتفال بالسعادة والحبور وارتفعت هتافات بالروح بالدم نفديك يا لحود لاول مرة.
ذُهل مشاهدو التلفزيون امام ما يجري. فتي يجرح نفسه ويكتب بدمه الولاء للقائد الرئيس، جماهير تمر من امام الرئيس وهي تهتف. واعلن للمرة الاولي في تاريخ الرئاسة اللبنانية، تحويل الرئيس الي قائد.
المشهد مليء بالدلالات الرمزية.
لقد تم ما ليس منه بد. فبعد خمسة عشر عاما علي الهيمنة السورية، اكتشفت المعادلة السحرية، التي تجعل من النظامين السياسيين متشابهين. نظام الحزب الواحد والقائد في سورية، لم يستطع ان يترجم نفسه لبنانيا. حتي قائد المقاومة الاسلامية، التي سمح لها باحتكار المقاومة في الجنوب، عبر اخراج اليسار من المقاومة التي اسسها، بالقوة، لم يستطع التحول زعيما وقائدا لكل لبنان، بسبب الانقسام الطائفي.
لذا كان لابد مما ليس منه بد.
حزب البعث اللبناني، لم يستطع ان يصل الي البرلمان، الا محمولا علي الاخرين، والقيادة القطرية، لم تحاول ان تبني لنفسها زعامة كشقيقتها في سورية.
لم يعد هناك سوي الجيش.
العماد لحود الذي نجح في اعادة توحيد الجيش، يصلح جسرا للعبور من نظام سياسي الي نظام سياسي اخر.
لذا تم لي ذراع الجميع، وحصل التمديد، تمهيداً لتغيرات جذرية سوف تحملها لنا الانتخابات النيابية المقبلة.
وبذا ينتقل لبنان الي عهد سياسي جديد، وتجد مقولة الرئيس السوري السابق شعب واحد في دولتين تطبيقها العملي، حين تصبح الدولتان متشابهتين في كل شيء.
انها لحظة رمزية بامتياز.
وهي لحظة حزن عميق في بيروت.
كانت مشاهد الفرح تشبه حالة ضياع كاملة. لقد وقعت سورية في الفخ اللبناني، الذي نصب لها من زمان، ونجحت في التحايل عليه طويلاً.
انه فخ وليس انتصاراً.
ولكن لا احد يريد ان يستمع الي العقل او ان يري الحقيقة.
- آخر تحديث :
التعليقات