استخدام الدين كأداة للقمع، عرفته أوروبا القديمة قبل عصر النهضة، وتم استغلال الدين لمصالح الكنيسة وطبقه رجال الدين. كان لتطور آليات الدولة الحديثة، دور في تحجيم سلطة الكنيسة، ما جعل دول أوروبا تتطور.
الإسلام لا يختلف عن الديانات التوحيدية الأخرى، بل أفكاره وتوجهاته ولدت لنا حضارة قوية استطاعت أن تترك أثرها على البشرية. ما يحدث في عالم اليوم من تهم توجه للإسلام لا تقوم على مفاهيم صحيحة، ولا تعبر عن سماحة الدين الإسلامي، بقدر ما شكلت الظروف السياسية والاجتماعية حائلا دون تطوير المفاهيم الدينية، ما جعل هذه المفاهيم تقدم لنا ضمن قوالب جامدة فقدت قدرتها في التفاعل مع الظروف العصرية.
الإسلام لا يتعارض مع الجديد ولا يحمل في داخله قوة مناهضة لكل ما هو حديث. ما حدث هو خضوع الإسلام لتفاسير مختلفة حكمتها ظروف التطور الاجتماعي للمجتمع. فنجد بعضا من البلاد المسلمة استطاعت أن تجير الإسلام لخدمة أفكار التقدم، بينما بعضها الآخر استخدمه لتكريس مفاهيم السلطة والتسلط، ما جعل الإسلام تتجاذبه قوى متضادة ومتناقضة في تفاسيرها للحياة العصرية.
لو أخذنا حركة طالبان في أفغانستان على سبيل المثال لتعرفنا على طبيعة الأزمة التي يعيشها الإسلام. فطالبان لا تفهم الإسلام إلا من خلال نظرة ضيقة. أفقدت الدين حيويته، بل جعلت منه أداة لقمع أي تحول نحو المجتمع الحديث. مدارس التشدد الإسلامي دفعت الإسلام إلى المواجهة مع العالم، بينما نجد حركات إسلامية أخرى مثل تركيا تسعى إلى تقديم الإسلام ضمن رؤية حداثية يقبلها العالم المعاصر.
لا أعتقد أن الأزمة الحالية التي تواجهها البلاد الإسلامية مصدرها الإسلام، بقدر ما تتجسد في السلطة التي لا تجد في التغيير شرطا لتجاوز الأزمة في أبعادها السياسية والاقتصادية معاً.
لا يمكن الخروج من الأزمة الحالية إلا من وراء تقديم تنازلات كبيرة من السلطة الحاكمة عن امتيازاتها واستخدامها لمدارس التشدد الديني لتبرير سياساتها.
إعادة بناء المجتمع المسلم تتوقف على قدرة القوى الاجتماعية في تقديم الحد الأدنى من التفاهم الاجتماعي وتعمل على الحد من استفراد السلطة بامتيازاتها. فتح باب الحوار يعتمد على قدرة القوى الاجتماعية والسياسية إلى الوصول إلى معايير وقواعد معروفة ومفهومة ومقبولة للعمل الجماعي. العمل الجماعي المشترك يتطلب فهم قواعد اللعبة الديمقراطية التي تتطلب الإيمان بحقوق الخصم، والقبول بالدفاع عن حقوقه عندما تتعرض للانتهاك من غير حق.
الحاجة إلى النقد ملحة ومهمة في تطوير آليات العمل وربما ليس من النافع الاستمرار في استعداء القوى الإسلامية وتحويل القلة معها، والتي هي بنهاية الأمر ضحية لفساد السلطة واستبدادها. من المؤكد لا يعني ذلك في طرح الأفكار ومناقشتها وإظهار تناقضاتها، ولكن يجب أن لا توجه الطاقة المنادية لقيام مجتمع ديمقراطي، إلى أداة لقمع قوى سياسية أخرى.
نظرة سريعة لما يحدث من عنف منظم من الجماعات الإسلامية يدعونا إلى فهم أبعاده وأسبابه، فمن المؤكد أن من يقف وراء تصاعد هذه الأعمال، هي البيئة التي وجدت هذه القوى الشابة نفسها غير قادرة على استيعابها وأصبحت قوى مهمشة معادية للنظام العام في المجتمع.
التغير يتطلب إعادة مفاهيم العلاقة بين الدولة المسلمة ومواطنيها، وبقدر ما تبدي السلطة تفهماً لاحتياجات ظروف التغيير وبناء متطلبات الدولة الحديثة ستأخذ الأمور في التغيير، مما يؤدي إلى أضعاف القوى المناهضة لمشروع الدولة الحديثة.
التعليقات