القاهرة من جاكلين زاهر: تبدو أسئلة الذات هي الأهم الآن في حياة الشعب الفلسطينى، فالأحداث والوقائع تبحث عن «ترتيب البيت»، وفي خضم هذه الأسئلة يظهر أكثر من أيّ وقت تأثير شخصيات فاعلة على مستوى الحدث اليومي لها «جاذبية» إعلامية وتدور حولها تصورات و«هواجس» وينتظر منها أيضاً «إجراءات ومواقف».
محمد دحلان واحد من هذه الشخصيات، في زيارته الأخيرة للقاهرة أجرت «الرأي العام» معه الحوار التالي:
هل يمكن أن نتعرف على أهم ما دار في المحادثات -ما يقرب من أربعة أو خمسة لقاءات - بينك وبين الرئيس ياسر عرفات؟
- الأساس أن هذه اللقاءات كانت من أجل كشف الذين يستخدمون أساليب غير وطنية في إثارة الزوابع الداخلية وإثارة إشكالات داخلية، أنا لا أنكر أنه يوجد خلاف على كثير من القضايا الجوهرية في آلية العمل الفلسطيني، ولكن لم يسجل عليّ يوما ما أنني حولت الخلافات السياسية في داخل العمل الفلسطيني وتحديدا داخل حركة «فتح» إلى خلافات شخصية، أو حولت النقد العام حول الرؤى والبرامج والاستراتيجيات إلى نقد شخصي، رغم أنني أتعرض إلى نقد بالاسم على بعض الفضائيات ولكن هذا لا أضع له بالا ولا أكترث له، ولذلك فإن الحديث مع الرئيس كان حديثا وديا ومنفتحا وصريحاً وواضح، وطرحت كل ما أتحدث به في ندواتي ومحاضراتي وجلساتي الخاصة والعامة أمام الرئيس عرفات، على أمل أن يتخذ إجراءات وقرارات تتلاءم مع، ويواجه، الوضع الخطير الذي نعيشه لتغيير وضعية الشعب الفلسطيني من حالة الدفاع النفسي إلى حالة المبادرة السياسية التي تخرجه من هذه الأزمة على كل الأصعدة سواء على الصعيد الحكومي أو الإداري أو المالي أو الفني أو على صعيد حركة فتح ومن الجانب الآخر إعادة الاعتبار لها وإعادة تنظيمها واستعادة المبادرة في كل المجالات.
لماذا في تقديرك وصفت بعض الصحف العربية هذه اللقاءات بأنها كانت في مجملها غير ودية، وأنك كنت تخرج منها ثائرا أو غضبانا لأن اللقاء لم يكن على المستوى الجيد أو المطلوب وبالتالي فإن هناك لقاء ثانيا سيجمع بينك وبين عرفات؟
- أولا: لم يكن هناك أحد يحضر معي هذه اللقاءات حتى يقول ان اللقاء كان وديا أو غير ودي، أنا صاحب الحق في التقييم أو الرئيس عرفات.
ثانيا: أخرج غاضبا أو غير غاضب فأنا لا أتذكر ذلك أبدا بالمطلق، ولكن هناك أشخاصا وأناسا ليس لهم أي واجب أو عمل سوى إثارة الغبار حول الأحداث الكبيرة أو حول من يصنع الأحداث الكبيرة، فأنا ذهبت للقاء والاجتماع مع عرفات أربع أو خمس مرات، وأنا أحب بداية أن أوضح أن عرفات ودي بطبعه وأن الخلافات بيني وبينه ليست خلافات شخصية، وأؤكد كذلك أن الخلاف أو الاتفاق بيننا على قضايا وطنية وليس على قضايا شخصية.
وماذا كانت أبرز نقاط الخلاف والاتفاق أثناء المحادثات؟
- ليس خلافا أو اتفاقا لا أستطيع القول بذلك، لأن الأمر ليس بهذه الطريقة فأنا ذهبت لست طالبا لشيء، ولست طالبا لموقع، ذهبت ولديّ فكرة ورؤية وموقف من السلطة في قضايا عدة تخص العمل الوطني، فأنا مواطن فلسطيني وكادر فلسطيني استثمرت ربع قرن من عمري - الذي هو أربعون عاما - في نضال وفي هجرة وفي لجوء وفي غربة وفي سجون وفي إبعاد عن الوطن إلى آخره، وبالتالي لي حق أن تكون لي مشاركة في اتخاذ القرار سواء أكنت وزيرا أم خفيرا فلا فرق عندي، ولذلك أنا ذهبت لأطرح مواقفي بعيدا عن الإعلام، وبعيدا عن التأويل والتزوير، لذلك طرحت رأيي في الأداء الحكومي ورأيي في الأجهزة الأمنية رأيي في أداء الحركة «فتح» واللجنة المركزية واستغرق ذلك ثلاثة أو أربعة لقاءات طويلة مع عرفات وكان متفاعلا مع ذلك, وأعتقد وآمل أنه خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع من الممكن أن يحدث تعديل وزاري أو تغيير في شكل ونمط العمل الفلسطيني، فإن حدث ذلك خير وبركة، وإن لم يحدث فسأستمر في هذه المطالبات.
بإيجاز شديد ما أهم هذه المطالبات تحديدا؟
- لا أستطيع أن أتحدث في تفاصيل ما جرى، ولكن أنا أعتقد أن الحوارات كانت أكثر عمقا من أي مرحلة سبقتها وكون المسألة ليست شخصية بالنسبة لي فهذا يعطيني قوة في طرحي ولمواقفي من دون تحفظ، ولكن التفاصيل ليس من حقي أن أتحدث فيها، فهذه المسألة ناقشتها مع عرفات ونقلت لرئيس الوزراء الأجزاء التي وافق عليها الرئيس عرفات والأمور الأخرى سوف تستكمل.
ولكن عدم الإعلان عن تلك المطالبات من جانبك وتحديدها وما حدث في شأنها ورأي عرفات حولها دائما يؤدي إلى طرح العديد من الشائعات والتأويل لحقيقتها وماهيتها؟
- ليس مهماً- أنا لا أهتم بالشائعات، ولا أكترث بأي شائعة، أنا أكثر شخص تطلق عليه شائعات، وأحيانا هذا يسعدني ولا يقلقني حتى لو كانت سيئة لأنها على الأقل تخلق آفاقا للتفكير.
يتردد الآن أن هناك نوعا من التغيير بحديثك وأنك لم تعد تهاجم عرفات بعد اللقاءات التي جمعتك معه وأنك تحولت إلى مؤيد له ما تعليقك؟
- أين هذه التصريحات؟! فأنا أقول: آمل أن يحدث اصلاحات، وهذا ليس معناه التأييد لأنني بالأساس لست ضد عرفات، ولكن بعض الأشخاص يصورون أنني ضده وأني أسحب سيفا عليه وهذا غير صحيح وأنا عمري ما ذكرت أني ضد عرفات، أنا فقط ضد نهج يسير في السلطة الفلسطينية, وأنا قلت مئة مرة انني لا أطرح نفسي كبديل لعرفات بل مكمل لأدائه، وأنا أولا لا أغير في منهجي، وثانيا لم ولن أغير في مطالباتي إلا بعدما تتحقق، وآمل أن تتحقق، ولكن ليس من الخطأ أو الجريمة أنني بعد هذه الاجتماعات نقلت احساسا بأنه وافق وأعلن موقفه عن بعض القضايا وأبلغت بعض الاخوة بهذا فأنا لا أغير لغتي خصوصا حين أتحدث في الموضوعات السياسية والداخلية ولن أغيرها فمن يغير لغته هو الذي يبحث عن منصب أو ظيفة وأنا لست من أولئك وإنما أطرح رؤية قد تساعد الشعب الفلسطيني وقد تساعد عرفات على الخروج من المأزق فقط.
في تقديرك لماذا لم ينفذ عرفات حتى الآن الاصلاحات التي طالب بها التيار الاصلاحي وأنت أحد أهم رموزه عقب حال الانفلات الأمني الذي حدث في غزة أخيرا؟
- أنا أعتبر أن كل يوم تأخير في تنفيذ الإصلاحات هو يوم سيئ من حياة الشعب الفلسطيني وكل يوم يعجل فيه بإجراء واتخاذ اصلاحات هو يوم على طريق إنقاذ الشعب الفلسطيني من الوضع السييء ومن الاحتلال، فالاحتلال والفساد وجهان لعملة واحدة، الآن المجلس التشريعي هو الذي يتابع ويقود المطالبة بالإصلاحات ونحن سنساعد المجلس التشريعي في ذلك.
سأعود بك الى نقطة سابقة وأكرر سؤالي وهو لماذا بالتحديد لم يقم عرفات بتنفيذ الإصلاحات حتى الآن من وجهة نظرك؟
- المسألة في يد عرفات وكذلك في يد رئيس الوزراء وليست فقط في يد عرفات.
لكن رئيس الوزراء أحمد قريع صرح أكثر من مرة في بداية الأزمة وأثناء حالة الانفلات الأمني في غزة أن هناك خلافا بينه وبين عرفات على إتمام هذه الإصلاحات؟
- أنا سمعت أيضا رئيس الوزراء حين عاد عن استقالته قال لهم الوضع جيد والأمور تسير على ما يرام، رغم أن الشعب الفلسطيني يعيش الآن في ظروف من أكثر الظروف إيلاما وقسوة في حياته من معاناة الاحتلال ومن انتظار وطول المطالبات باجراء تلك الإصلاحات، وأنا أعتقد أن الأسابيع المقبلة ستحمل تغييرا لا أستطيع أن أقول جوهريا، ولكن سيحدث هذا التغيير أنا متأكد، وإذا لم يحدث هذا التغيير بالتأكيد سيجلب هذا مزيدا من المشاحنات والجدل السياسي في الساحة الفلسطينية، فبالأمس المجلس التشريعي هدد بتعليق المشاركة في جلساته احتجاجا على عدم البدء والشروع في الاصلاحات وآمل أن تتم الاستجابة لمطالبه لأن هذه المطالب تعبير حقيقي وجدي عن مطالبات لكثير من مئات الشعب الفلسطيني سواء كانت حكومية أو سياسية أو حزبية.
وكيف تقيم رفض عرفات إصدار مراسيم باتخاذ هذه الاصلاحات وأنه يعتبر خطابه في حد ذاته مرسوما بالإصلاح؟
- لا، هذه مسألة تتابع بين رئيس المجلس التشريعي وبين عرفات، أنا لا أستطيع أن أتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وأنا لا أشغل منصبا رسميا وإنما أكلف نفسي ومتطوع للمطالبة بالإصلاحات-, يوجد مؤسسات رسمية واجبها أن تطالب، وأن تلزم السلطة التنفيذية على إجراء تلك الاصلاحات فالقرارات والقوانين الخاصة بالمجلس التشريعي مسؤولية رئيس المجلس التشريعي، والقضايا المتلعقة بالعمل الحكومي مسؤولية رئيس الوزراء، وبالتالي هذا العبء والمطالبة بالإصلاحات وتعريض الذات للنقد ومطالبتي بالإصلاحات جلبت علىّ الاتهامات، فتارة أكون من «المتآسرائيليين والمتآميركيين» وإلى آخره، ولكن ذلك لن يثنيني عن المضي قدما والاستمرار بالمطالبة لهذه الإصلاحات ومسؤولية المطالبة بالإصلاح يجب أن توزع على الجميع-, فلا يجوز أن يكون رئيس الوزراء في موقع مهم فهو في الموقع رقم «2» في العمل الفلسطيني ولا يؤدى واجبه، وهذا لا يعني أنه لا يؤدى واجبه، ولكن واجبه أن يؤدى هذا الواجب «أي المطالبة بالإصلاح» وكذلك رئيس المجلس التشريعي، وبالتالي المطالبات بالقرارات والقوانين الخاصة بالمجلس التشريعي مسؤولية رئيسه وهو من الشخصيات المهمة والقادرة والواعدة في رئاسة المجلس التشريعي وكذلك مسؤولية رئيس الوزراء، وإذا قصر رئيس الوزراء فمن حق المجلس التشريعي أن يتخذ اجراءات بحق الحكومة إذا لم تتخذ القوانين وتنفذ القرارات التي اتخذها المجلس التشريعي.
ما صحة ما يتردد عن وساطتك لعودة الدفء في العلاقات بين عرفات ورئيس الوزراء السابق أبو مازن ؟
- لا، هذا غير صحيح أنا لست وسيطا لشيء، فأنا أكره هذه المهمة، هناك أشخاص متفرغون لذلك، وليس لهم أي مهمة سوى أن يقولوا انني أتوسط، وأنني أمارس مهمة وساطة وهذا عمل غير جدي، أنا تربطني بأبو مازن علاقة جيدة، وتربطني بعرفات علاقة جيدة على الأقل من جانبي وهذا لا يلغي نقدي وهذا حقي، وأنا أعتقد أنه إذا تم البدء في إظهار الجدية في الاصلاحات فالطرق ستكون ممهدة لإعادة العلاقة بين أبو مازن والأخ أبو عمار.
هل من المتوقع أن يعود فعليا لرئاسة أمانة السر للجنة التنفيذية لحركة «فتح»؟
- أبو مازن ابتعد بعدما اتهمه بعض زملائه وحرضوا عليه حين كان رئيسا للحكومة، وهذا ما جرحه وترك «عضة» في قلبه أعتقد أن الأخ أبو مازن منفتح باتجاه المستقبل، ولكن أيضا لن يعود للعمل إلا إذا حدثت تغييرات جوهرية على صعيد الاصلاحات الأمنية والإدارية والقضايا التي تطالب بها، فأنا أشعر أن هناك تقدما في العملية فسيعود للعمل في شكل طبيعي وأعتقد أن الأمور أكثر هدوءاً مما كانت عليه.
هل من المتوقع أن يقود حركة فتح في المفاوضات بينها وبين باقي الفصائل الأخرى كما أعلن؟
- لا، لا بالتأكيد هذا ليس من شأنه وهو أعلن أنه لا يريد ذلك.
ماذا عن نتائج تلك المفاوضات بين حركة «فتح» وباقي الفصائل الأخرى؟
- أنا لا أرى مفاوضات أنا بصراحة أسمع عن مفاوضات ولا أراها، منذ ثلاثة شهور أسمع عن مفاوضات بين حركة «فتح» وحركة «حماس» لكن لا توجد مفاوضات بينهما في القاهرة كما أعلن من قبل.
ولا أي مفاوضات بين «فتح» وأي فصيل آخر؟
- ولا أي فصيل آخر، فمصر هي التي تحاور نيابة عن الجميع تحاور هذه الفصائل بشكل منفرد ولكن لا توجد مفاوضات بين وفد من حركة «فتح» ووفد من أي فصيل آخر، أنا لم أره لأنه لا يوجد بالأساس.
ونتائج هذه الوساطة المصرية ألم تؤد ولو حتى إلى اتفاق مبدئي بين كل الفصائل الفلسطينية؟
- حتى الآن لا- لا يوجد شيء جوهري محسوس، ولا أعتقد أنه يمكن الوصول إلى تفاهمات مع الفصائل من دون أن تكون هناك تفاهمات داخلية في السلطة وحركة «فتح» وهو ما لم يحدث حتى الآن، وبالتالي قبل الشروع في المفاوضات مع الفصائل يجب أن يكون هناك التئام للحالة الفلسطينية والتي بدأتها بزيارتي للأخ أبو عمار وهي جزء من هذا العمل والتي نأمل أن نصل بها إلى وحدة أداء وعمل وبرنامج وطريق في كل القضايا.
معنى ذلك أن تشكيل حكومة ائتلافية من كل الفصائل أمر مستبعد على الأقل في المرحلة القريبة؟
- نعم مستبعد لأن الفصائل لا تريد تحديدا حركة «حماس»، كل ما تسمعينه شعارات فحركة «حماس» رفضت أن تشارك في القيادة الوطنية الموحدة في الانتفاضة الأولى لأنها لا تريد أن تكون تحت عباءة منظمة التحرير ورفضت المشاركة في الانتخابات العامة في العام 1996 ورفضت المشاركة في السلطة وأنا لا أتوقع لها أن توافق على المشاركة في السلطة في المدى المتطور رغم أنني أفضل أن تشارك حتى تطور وتزيد من تطوير الأداء الفلسطيني وأن تضيف إضافة نوعية إيجابيا وليس سلبيا وآمل أن تكون اضافتها ايجابية.
ما مدى صحة التهديد الذي خرج من «كتائب شهداء الأقصى» باغتيالك لأنك حسب قولهم فاسد وضابط مخابرات أميركية؟
- أنا لم أسمع هذا الكلام إلا من خلالك الآن.
لكن هذا خبر نشرته معظم الجرائد العربية الكبرى؟
- أنا ليست لديّ فكرة ولم أر بيانا من هذا النوع ولا يعقل هذا بالأساس لأن حراستي المخصصة لي من «كتائب شهداء الأقصى».
هل هناك احتمالية أن يكون هناك جزء من هذه الكتائب لا يدين لك بالولاء ويرفض توليك لأي منصب رسمي في الحكومة مستقبليا ويرفض أي دعوة من جانبك للإصلاح؟
- إذا كان ما يردده هؤلاء صحيحا فكيف يفسرون مشاركة كتائب الأقصى في المسيرة التي تمت في غزة للمطالبة بالإصلاحات أم أن هؤلاء ليسوا من كتائب الأقصى، ويجب أن يعلم الجميع أن الذين شاركوا في المسيرة في قطاع غزة كل كتائب الأقصى وأنا فعليا لم أسمع هذا الحديث إلا من خلالك، وقال عبد السلام أبو عسكر وهو مدير قناة أبو ظبي وأحد المرافقين لي خلال زيارتي للقاهرة إن الذي حدث فعليا أن هناك شخصا يدعى أبو عدي اتصل بمراسل قناة الحرة وقال إننا في كتائب الأقصى أصدرنا بيانا نرفض فيه عودة دحلان للحكم حتى لو وصل الأمر لاغتياله- وكان هذا في نشرة التاسعة بهذه القناة، وفي نشرة الساعة الثانية عشرة وفي المحطة نفسها ظهر المتحدث باسم كتائب الأقصى وهو قائد كتائب الأقصى في الضفة الغربية الأخ أبو محمد ونفى جملة وتفصيلا هذا الموضوع وقال إن الشخص الذي أصدر هذا البيان السابق هو شخص مأجور من جهات أخرى ولا علاقة له بشهداء كتائب الأقصى.
هل من المتوقع فعليا أن تنضم الى حكومة قريع في التغيير الوزاري المقبل؟
- ليست عندي فكرة، أنا لا أرغب بالمشاركة في العمل الحكومي في الوقت الراهن إلا إذا كان هناك رؤية وبرنامج تغيير جدي وإصلاح حقيقي للسلطة الفلسطينية، أنا لا أبحث عن وظيفة أو أبحث عن موقع، والمكانة التي أحظى بها في الشارع الفلسطيني أفضل لي من أن أكون بالوزارة أو أكون وزيرا.
ما البرنامج الإصلاحي المطلوب من السلطة الوطنية تنفيذه، في «حماس» على سبيل المثال ترى ضرورة إجراء انتخابات بشرط عدم إجرائها في ظل مرجعية أوسلو وضمان نزاهتها؟
- «حماس» لا تتحدث عن الانتخابات، وكانت ضد الانتخابات وضد المشاركة فيها، وشروطها الحالية لا مشكلة فيها، نحن أيضا نطالب باجراء الانتخابات ولكن الذي يمنع إجراؤها هو إسرائيل والولايات المتحدة- بالعكس الانتخابات هي المخرج الوحيد والمهم للمأزق السياسي الفلسطيني والوضع الداخلي وإذا تمت هذه الانتخابات ستدفع لحدوث انتخابات أخرى سواء في الفصائل أو التنظيمات أو في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية أو النقابات أو الجمعيات، نحن لا نستطيع أن نعيش بدون انتخابات، لا نستطيع أن نكون تحت رحمة نماذج ثبت فشلها في العالم العربي وبالتالي فالانتخابات هي مقياس لنجاحنا، ولكن إسرائيل مازالت حتى الآن ترفض السماح لنا بإجرائها ، والانتخابات العامة ستسهل علينا في حركة فتح بإلزام اللجنة المركزية بإجراء الانتخابات التي عطلت منذ 15 عاما وبالتالي نحن معنيون بإجراء الانتخابات كسلطة وكشعب فلسطيني وكأبناء حركة فتح.
بما أنك أحد رموز التيار الإصلاحي في الدولة الفلسطينية، هل إجراء الانتخابات فقط هو مطلب هذا التيار أم هناك برنامج معد وموضوع لتحقيق ما تطمحون لتنفيذه؟
- الانتخابات جزء من هذا البرنامج، ولكن الإصلاح مطلوب أن يكون شاملاً وأن يكون تدريجيا، لا مانع من الإصلاح في الأداء الحكومي وفي التعيينات، وفي التوظيف، وفي سن قانون التقاعد لأنه لا يجوز أن يكون الجد والابن والحفيد موظفين في الوزارة نفسها في حين أننا نعاني من آلاف العاطلين عن العمل وخريجي الجامعات، لدينا مليون طالب فلسطيني في المدارس والجامعات وفي كل سنة يتم تخريج عدد كبير وهائل لا نجد لهم وظائف في حين أن سن قانون التقاعد ستعطي آفاقا تحترم كبار السن وتحفظ لهم كرامتهم في نهاية عمرهم وفي الوقت نفسه يفتح آفاقا أمام الجيل الجديد-, وأن يتنافس أبناؤنا أمام الفرص لا أن يوظف أبناء المسؤولين في حين أن أبناء الفقراء لا يجدون لهم وظيفة، هذا هو الإصلاح ، فلماذا لا نفتح آفاقا لتبادل الآراء ولتصحيح المسار بدلا من أن يكون موضوع اتهام دائم من قبل المجتمع الدولي، وأنا مقتنع أن كل ما يقال حول الفساد مضخم ولكن في الوقت نفسه نستطيع أن نقضي عليه ولا حاجة لنا به لأن الشعب الفلسطيني لم يحلم بعد قتال ونضال طوال خمسين عاما بأن تكون هناك سلطة غير نظيفة وغير طاهرة وغير جدية وغير مستقيمة وبالتالي هذا مطلب عام, مطلب شعبي فلسطيني ليس من الآن بل منذ سنوات طويلة.
ما تقييمك للعملية الاستشهادية الأخيرة في بئر سبع؟
- هذه عملية متوقعة كرد فعل على ما حدث للشيخ أحمد ياسين رغم من أن قيادة «حماس» تقريبا في سورية حاولت أن تتنصل وذكرت إنها فوجئت بأنها لا تعرف ولا تدري، ولكن أنا كمراقب أعتقد أنها عملية رد فعل متوقع لما جرى من عدوان إسرائىلي مستمر طيلة الفترة السابقة على الشعب الفلسطيني بداية باغتيال الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي وزعماء الحركة وبالتالي لم يكن يفاجئني مثل هذا الرد.
هل في تقييمك أنها ستصب في مصلحة المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية؟
- ليس لي شأن بهذه الجزئية.
ماذا عن تقييمك لرد فعل الجانب الإسرائيلي؟
- لا شيء مميزا، رد فعلهم يقومون به أصلا بشكل دائم ومستمر وهم لا ينتظرون مثل هذه العملية ففي الشهور السبعة الأخيرة لم تحدث عملية ضد الإسرائيليين ولكنهم لم يتوقفوا ولو ثانية واحدة عن ارتكاب مجازر ضد الشعب الفلسطيني بداية من رفح وحتى جنين وبالتالي الردود الإسرائيلية مزيد من الجرائم ومزيد من العدوان الحاصل أصلا، وإن كنت أنا أفضل أن تستعيد إسرائيل وعيها وتعود لعملية السلام فلا يوجد طريق تستطيع فيه إسرائيل أن تفرض منطقها علينا، وبالتالي لا أعتقد أن هناك ردودا مميزة واستثنائية من قبل إسرائيل بعدما تم في عملية بئر سبع لأنه فعليا إسرائيل تمارس التصعيد يوميا، وقبل يومين كان هناك ثلاثة شهداء في دير البلح وما يقارب أربعين جريحا، وفي اليوم التالي تم هدم بنايتين كبيرتين في خان يونس-, أي لا يوجد يوم لا توجد فيه جريمة إسرائيلية جديدة سواء بعمليات أو بغير عمليات.
وماذا عن رد فعل الرأي الإسرائيلي الغاضب؟
- هذا مشهد مكرر لغضب فلسطيني داخلي على إسرائيل من جراء الاحتلال، وغضب إسرائيلي شعبي على السلطة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني وبالتالي هذه دوامة من العنف ودوامة من الدم يعاني منها الطرفان، والأمر يحتاج إلى قرار جديد من قبل إسرائيل ولابد أن تدرك أنها لا تستطيع بالقوة أن تجلب الأمن ودون الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية لا تستطيع أن تفرض منطقها الأمني والسياسي على الشارع الفلسطيني.
ماذا عن حزب الليكود ورد فعله وتأثير ذلك على خطة الانسحاب من قطاع غزة؟
- يؤثر أم لا يؤثر، العمليات لا تؤثر بل ربما تسرع لأنه طرح فكرة الانسحاب من جانب واحد من دون تفاوض مع السلطة ولكن لو كان هناك تفاوض وتفاهم لربما تعزز ذلك وهو يرغب في الانسحاب من وجهة نظري ولكن هناك شك كبير في أن يستطيع تنفيذ ذلك لأن هناك تمرداً داخل حزب ليكود.
حتى لو تم تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب العمل؟
- لا-, ربما لو تشكلت حكومة ائتلافية ربما أمكن ذلك، ولكنهم صوتوا على قرار غير ملزم بعدم ضم حزب العمل إلى الحكومة.
وماذا لو حدثت انتخابات مبكرة وتم تشكيل حكومة ائتلافية هل من المتوقع أن تنفذ خطة الانسحاب؟
- إذا كان هناك انتخابات فكل شيء سيؤجل.
ماذا عن زياراتك للقاهرة، نود أن نتعرف على أسبابها وأهم المحادثات التي أجريتها؟
- الزيارة عادية وأرى وألتقي كل الأشخاص الذين أراهم سواء كنت في الحكومة أو خارجها ولا أشارك في أي مفاوضات مع الفصائل نهائيا.
ماذا عن أزمة الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام والتي انتهت أخيرا؟
- انتهت بأن وافقت إسرائيل على 22 مطلبا من مطالبهم، وأنا أعتقد أن هذه أقسى معركة خاضتها السجون والمضربون وكانت أكثر فترة فيها تضامن شعبي فلسطيني مع الأسرى، وتحقيق اثنين وعشرين مطلبا من أصل المطالب التي طالب بها المعتقلون هو إنجاز لهذه المعركة التي استمرت لمدة 19 يوماً، والحمد لله أن مرت هذه المعركة بسلام في تفاصيل كثيرة في الاتفاق الذي تم مع الأخ هشام عبد الرزاق وزير شؤون الأسرى الذي كان مضربا معهم أيضا وهو بالخارج لأنه تعود على ذلك فقد أمضى 23 سنة بالسجون الإسرائيلية، وأنا شخصيا أشعر بالاطمئنان لنجاح هذه المعركة في ظل ظروف سياسية معقدة وفي ظل ظروف ما يحدث في العراق وما يحدث داخل السلطة الفلسطينية من تشتت، وما يحدث من انتخابات أميركية، ألعاب أوليمبية ولا يهتم بنا أحد، كل هذه العناصر كانت ضد الإضراب وضد هذه الخطوة وتعرقل نجاح إضراب المعتقلين ولكن الحمد لله أنهم استطاعوا أن يحققوا هذه الإنجازات.
هل الولايات المتحدة أثرت على عملية الإصلاح داخل المجتمع الفلسطيني فالبعض يرفضها بحجة أنها ضغوط خارجية؟
- بالتأكيد أثرت وعطلت وعقدت الأمر أكثر، ومن وجهة نظري أن الولايات المتحدة لا تريد اصلاح السلطة، وإسرائيل آخر دولة تتمنى حدوث مثل هذا الاصلاح، فهي تريد سلطة ضعيفة فاسدة حتى يسهل اتهامها دائما.
المطالبون بالاصلاحات يتهمون بالعمالة؟
- لأنه يكون هناك ترابط بشكل أو بآخر بين من يطالب بإصلاح حقيقي باعتباره حاجة وطنية فلسطينية شعبية وبين الشروط الأميركية، وأنا حين أسمع أن مطالباتي تشبه مطالبات الولايات المتحدة وأنا نفسي استفز فما بالك بالمواطن العادي، ولكن رغم ذلك هذا لم يمنعنا من الاستمرار في المطالبات فلا يجوز أن تتوقف المطالبات العادلة لأن إسرائيل رفعت شعارا أو الولايات المتحدة رفعت شعارا، وأكرر أن أكثر ما يضر عمليات الإصلاح في داخل السلطة الفلسطينية هو دور إسرائيل ودور الولايات المتحدة المتداخل في شؤوننا.
ألم تترك كل هذه الشائعات والاتهامات أي أثر على نفسيتك واتخاذك لقراراتك؟
- لا تؤثر ولا يوجد أي تأثير لها بنفسيتي، أولا: هذه تصدر من جهات بائسة وبائدة وتنتمي للماضي، ثانيا: نحن نمتلك من القدرة والتجربة والخبرة لأن نصون أنفسنا، ثالثا: نحن تخرجنا في مخيمات المعاناة وانتقلنا إلى السجون وعشنا عذابات لم يرها أحد في الأحلام وصمدنا وصبرنا ثم أبعدنا إلى خارج الوطن ثم عدنا بعد اتفاقية السلام، وبالتالي الاتهام لثلاثين ألف فتحاوي يخرجون للشارع للمطالبة بالإصلاح لأنهم متأسرائيليين فقط لمنعنا ولتخويفنا من الاستمرار بالمطالبات والإصلاح، وهذا لن يوقفنا من المطالبات وسنستمر في ذلك، وهذه قضية أصبحت غير مهمة في المجتمع الفلسطيني ولا يهتم بها أحد، وهذه الاتهامات أصبحت تقوم بها مجموعة محدودة للغاية من أعضاء اللجنة المركزية، اثنان أو ثلاثة فقط هم من يطلقون هذه الاتهامات.
هل يمكن أن تحدد أسماء بعينها؟
- لا الأسماء لا داعي لذكرها لأنها لا تستحق الذكر.
لقد ذكرت أن هناك قضايا عدة شغلت العالم العربي والدولي عن القضية الفلسطينية أثناء إضراب المعتقلين الفلسطينيين ألا تخشى على مستقبل القضية الفلسطينية في ظل انشغال العالم بقضية العراق وما يمر به من أحداث ومشاكل على حساب الاهتمام بالقضية الفلسطينية؟
- هذه أولا مسؤولية السلطة الفلسطينية في أن تعيد الاعتبار للعمل الفلسطيني وأن تعيد الاعتبار للوضع الداخلي وتشكل جبهة عربية لمساعدة السلطة ثم الانطلاق للمجتمع الدولي فلا نستطيع أن ننجح في المجتمع الدولي ونحن لدينا اشكالات داخلية يجب إنهاؤها وتركها خلفنا وأن نشق طريقا موحدا باتجاه المستقبل برؤية وبرنامج وما دون ذلك لا نستطيع أن ننتقل للخطوة التالية - أي دون أن نكون محصنين وموحدين،بهذه الحالة من الفوضي التي نعيشها لن نتمكن من تجنيد العالم العربي لصالحنا، المسيء يحاول أن يتهرب بشكل أو بآخر تحت شعارات كثيرة من تحمل المسؤولية إذا شعر أن السلطة لا تتحمل وغير مكترثة لتحمل المسؤولية وبالتالي يوجد لنفسه مبررا لعدم تحمل المسؤولية.
ما ردك على توصيفك بأنك أحد الساسة الجدد الموجودين على الساحة الفلسطينية والذي قد يقبل بحل سياسي بتقديم التنازل عن ثوابت القضية الفلسطينية مثل قضية الأسرى وعودةاللاجئين؟
- أولا: بالنسبة للأسرى اتفاق اوسلو الذي لم يشملهم لم أكن أعرف عنه شيئا ولم أشارك فيه، ثانيا: الأسري لم يشملهم الاتفاق الانتقالي إلا بعدما دخلت وتسلمت أنا ملف الأسرى وأنا كأسير سابق لا أستطيع التجاوز عن هذه القضية، ومن وجهة نظري فالإفراج عن الأسرى أهم من كل القضايا المركزية لأن القدس لن تذوب ولن تذهب ولن تهدم ولن تزول ولكن الأسرى كل يوم يمر من حياتهم هو فقدان يوم من عمرهم الزمني، أما بالنسبة لموضوع اللاجئين وقضيتهم أنا لاجئ فعلى المستوى الشخصي لا أستطيع أن أتنازل ولكن ألتزم قرارات منظمة التحرير التي تقول إن دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها وعودة اللاجئين على أساس قرار 194 بما ورد في قرارات القمة العربية في بيروت أنا ملتزم بها وأقل من ذلك هو خيانة وطنية أما المزايدات الفارغة من بعض «عبدة» الشعارات، فأنا لست من عبدة الشعارات ولست من مدرسة حملة الشعارات أنا رجل عملي وميداني ومناضل ومقاتل ميداني وأريد أن أصل إلى نتيجة بأقل الخسائر وبأقصر الطرق هذا الطريق يكون سياسيا أو غير سياسي، تفاوضيا أو غير تفاوضي المهم إلا نحيد عن هدفنا وأعتقد أنه في وثيقة كلينتون كان ممكنا أن نصل لهذا الهدف، والدليل أن الرئيس عرفات بعد حصاره لسنتين أعلن موافقته على وثيقة كلينتون التي وافقت عليها واعتبرت في حينه في العام 2000 أنها يمكن أن تكون منطلقا جديا لفرصة حقيقية لإعلان دولة فلسطينية بما يتلاءم مع قرارات منظمة التحرير وبعد سنتين المنظمة وافقت، هذا الخلاف بين المنطقين منطق مهني فأنا مفاوض مهني ولست سياسيا، فالسياسي يقول إنه يأخذ قرارات سياسية، أنا مهني وكمفاوض مهني رفعت توصيات بأن وثيقة كلينتون تمثل أساسا للوصول إلى أهدافنا الوطنية وليس ما جرى في كامب ديفيد، فما جرى في كامب ديفيد لم يكن عرضا، ولكن في وثيقة كلينتون ولكن بعض القيادات الفلسطينية رفضت ذلك- خير وبركة، ربما لديهم بعد نظر أكبر وأطول، ولكن أنا لا أفهم بأي شكل من الأشكال أن من اعترض على وثيقة كلينتون في العام 2000 يوافق عليها في العام 2003 هذا غير منطقي ولكنه حدث-, في النهاية أنا لا أقيم هذه الاتهامات صحيحة أو غير صحيحة، هذه غير واقعية أنا لم أقولها، فأنا في كل مقابلة منذ العام 1993 وحتى الآن أكرر هذه المواقف الساسية، ولكن أن شخصا يقول أنا والله أراه طويلا أو قصيرا والمثل يقول أنه يمكن يتنازل أشوف الشخص يمكن يتنازل أو لا يمكن يتنازل وبالتالي لا أرد على اتهامات, لدي منهج ورؤية وبرنامج وجرأة في طرحي, فإذا كان من يملك رؤية أخرى فيتفضل بمواجهتي أما الدس والبيانات والخزعبلات والتليفزيونات إنه كذا وكذا، وإن اللقاء كان وديا أو غير ودي بلا شيء ما هو العبقرية في أن يكون اللقاء وديا أو غير ودي أنا أمثل رؤية برنامج لأشخاص عشت معهم في السجون وعشت معهم المعاناة، وبالتالي المسألة ليست شخصية بالنسبة لي ولو كانت شخصية لقمت بحلها من زمان كما أنني لم أختلف مع الرئيس عرفات أصلا لأنني من أقوى أو كنت من أقوى من هم حول الرئيس عرفات ولكن لم يعجبني المنهج وانتقدت المنهج وسجلت نقاطا عليه وكان لدي أمل أن تتغير ولم تتغير فانسحبت، أنا الوحيد في تاريخ المنظمة الذي استقال من رئاسة جهاز الأمن الوقائي, وكنت أول شخص استقال ثم بالحكومة مع الأخ أبو مازن.
ماذا يعني هذا؟
- يعني المنصب والموقع لا يأسرنا ولا يأسرني أنا شخصيا، أنا كنت مسؤولا منذ أن كان عمري 18 عاما، صحيح في السجون وفي البهدلة ولكن أيضا تحملت مسؤولية وبالتالي المسؤولية عبء وليست امتيازا.
- آخر تحديث :
التعليقات