عبد المجيد حشادي: قبل أن تكشف قضية مروجة المخدرات »فتيحة الجبلية« عن كل خبايا ملفات الفساد التي فتحتها وسط عناصر تابعة لأجهزة أمنية مختلفة، فاحت رائحة فساد بجنوب الرباط قبل ذلك من ملف، لايقل عن الأول إثارة وخطورة، بعد الكشف عن قضية، لاتزال في بدايتها، لكن مابدا منها حتى الآن، يترك الباب مشرعا نحو مسار خطير. فخلال إحدى الجلسات التي انعقدت بعد زوال أول أمس بالمحكمة الابتدائية بالرباط، فوجئ رئىس الجلسة الأستاذ العلوي، بأحد المتهمين الذي كان معروضا أمامه، وهو يقدم له نسخة من جريدة »الأحداث المغربية«، ويصر على أن تضم لملف القضية، وهو ماتم الاستجابة له، حيث تبين أن المتهم، هو أحد ضحايا أمن تمارة، الذين أشير في ذات العدد من الجريدة لخروقات وفساد، مستشري بين العديد من أفراده. المتهم »ب.ر«، الذي يتابع في ملف يرتبط بالتزوير في وثائق رسمية وعدم التبليغ، طالب بالاستماع للضابط الذي أنجز له المحضر، والذي اتهمه بطبخ الملف، حيث سبق أن وجه في شأنه شكاية لمديرية الشؤون الجنائية بوزارة العدل، تحت عدد ٤٠٢٢٢، تتعلق بالتزوير وإخفاء وثائق من شأنها تنوير العدالة والمشاركة في الابتزاز وسرقة هاتف نقال. وتكشف هذه الحالة، وفق ماأفادت به مصادر مطلعة، عن بعض جوانب ملف، وصفته بالضخم، ويرتبط بحالات فساد كبيرة، منتشرة بين بعض أفراد أمن تمارة، والذين كانوا يحظون بـ »حماية« من مسؤولين مركزيين، كانوا بمثابة الغطاء الذي حال دون انكشاف هذا الواقع الذي ظل قائما لمدة طويلة. ولخصت المصادر ذاتها هذا الواقع في عدد من المحاور، بدءا بالتلاعبات في عقارات الأجانب، إلى التورط في عمليات مرتبطة بأنشطة محظورة، خاصة ماتعلق منها بملفات المخدرات أو ترويج الخمور، أو التغطية على محلات الدعارة أو دور الشعوذة، هذا إلى جانب التخصص في »طبخ الملفات«، وفق ماكشفته العديد من المصادر المتطابقة. ففي مجال التلاعبات التي سجلت في عقارات الأجانب المتواجدة بمدينة تمارة، بينت المصادر ذاتها أن أملاك العديد من الأجانب تم الاستحواذ عليها من خلال عمليات تلاعب، كانت تتم عبر بعض السماسرة المتواطئين مع بعض مسؤولي الأمن بالمدينة، خاصة السمسار »ر.م«، الموجود محل عدة شكايات بمحاكم تمارة والرباط والقنيطرة، لتورطه في العديد من العمليات المرتبطة بهذا المجال. ومن بين الشكايات المرفوعة ضد هذا السمسار، تلك الموجهة من قبل عائلة »مورا ميشال« الموضوعة لدى الوكيل العام باستئنافية الرباط، بعد أن سبق له أن أفلت من ملفات مماثلة، بتدخل من جهات أمنية، كانت توفر له الغطاء القانوني للإفلات من العقاب، خاصة الشكاية التي رفعت ضده بتاريخ ١٨ غشت ٢٠٠٢ بالرباط، بعدما تبين أن الوثائق التي تقدم بها المشتكي قد جرى طمسها ولم تقدم للمحكمة. ويرتبط الملف الثاني، بعمليات ترويج المخدرات التي كشفت مصادر عليمة، عن ماأسمته تسترا على بعض مروجي المخدرات، من قبل بعض العناصر الأمنية بتمارة، حيث تنتشر بؤر ترويج المخدرات بالخصوص حول حانة »العفريت«، التي كانت في الأصل توجد في منطقة خاضعة لمصالح الدرك الملكي. وفي هذا الصدد، ذكرت ذات المصادر بما وقع خلال شهر يناير الماضي، حين كشفت تحقيقات الشرطة القضائية بمدينة طنجة، بعد ضبط أزيد من ١٧ طنا من المخدرات بميناء الجزيرة الخضراء، وجود مخزنين بمنطقة عين عتيق بتمارة، كانا منطلق تلك الكمية من المخدرات، كما تم بهما العثور على كمية أخرى يفوق وزنها ١٤ طنا من المخدرات. وقد انتهى التحقيق أيضا في هذا الملف بإصدار الإدارة العامة للأمن الوطني لحظتها لقرار يقضي بتوقيف مفتشي شرطة يعملان بنقطة التفتيش بالمحطة البحرية لميناء طنجة، بدعوى التهاون في أداء مهامهما، باعتبار أنهما أشرفا على عملية تفتيش الشاحنة التي عبرت ميناء طنجة، قبل أن يكتشف على متنها ١٧ طنا ونصف طن من المخدرات بميناء الجزيرة الخضراء، إلا أن ذات التحقيق لم »يكشف« عن حقيقة وجود مستودعات قرب العاصمة تضم تلك الكمية الكبيرة من المخدرات، دون أن تلحظها أعين الأمن التي لا تنام! وفيما يرتبط بترويج الخمور بالمنطقة، كشفت مصادر مطلعة عن وجود أزيد من ٧٠ نقطة بيع للخمور غير مرخصة، كما يتواجد ١٤ منزلا يتعاطى أصحابها للشعوذة، جلها يتواجد بالنقط الحضرية، والتي وجهت بشأنها شكايات رسمية دون أن تتحرك المصالح الأمنية، هذا إلى جانب توسع نشاط الدعارة الراقية، والمنتشرة بعدد من الفيلات المعروفة بالمدينة. وخلال سنة ٢٠٠٢ مثلا، سجلت بالمنطقة أزيد من ثماني حالات تزوير وتحريف محاضر، وجهت بشأنها شكايات رسمية، أبرزها تلك المتعلقة بقضية »مورا ميشال«، حيث أفادت مصادر مطلعة أن النائب الأول لرئيس ابتدائية الرباط، يتوفر على وثائق خطيرة تثبت التزوير والتحريف، بخصوص بيع عقار بدون سند قانوني. ووفق ماكشفته مصادر مطلعة، فإن التحقيق الجاري الآن بخصوص هذا الملف، سواء من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، أو من قبل أمن الرباط أو أمن القنيطرة، التي تباشر بحثا دقيقا في الموضوع، لايعد الأول الذي يتم بهذا الخصوص، من خلال الإشارة إلى عدة شكايات سبق أن وجهت بهذا الشأن للمصالح المركزية، سواء بوزارة العدل، أو بالإدارة العامة للأمن الوطني. وبررت ذات المصادر عدم »جرأة« المصالح المركزية على كشف هذا الفساد، خاصة مع وجود شكايات ومتابعات قضائية موجهة بالأساس للضابط »إ.ن«، بالإشارة لعدة مبررات، أهمها الغطاء الذي كان هذا الأخير يحظى به من قبل جهات ما بالإدارة المركزية، وكذا عدم رغبة هذه الأخيرة الخوض في هذا الملف، لارتباطه بعدة أسماء وازنة، تحوم الشبهات حول تورطها في بعض الأنشطة المشبوهة. وللمزيد من الإيضاح، ذكرت المصادر ذاتها، أن مايؤكد هذه المعلومات، هو كون الضابط »إ.ن«، كان في الأصل يعمل في مصالح الأمن بإحدى السفارات المغربية بالخارج، وتم إدخاله بعد تورطه في عدة »أخطاء أمنية«، قبل أن يتحول في زمن وجيز لمالك لعدد من العقارات، بالرغم من كونه كان في البداية يكتري منزلا بسيطا، كما أصبح يتجول على متن سيارة من نوع »ميرسيديس ٢٥٠«، لاتزال تحمل أرقاما أجنبية، رغم أنه يملكها لمدة تزيد عن السنتين. وفي انتظار أن يكشف التحقيق عن كل خبايا ملفات الفساد، التي كشفت عنها مصادر عديدة في أوساط عدد من المسؤولين الأمنيين بتمارة، يؤكد هؤلاء أن النفوذ الكبير الذي يحظى به الأشخاص المتهمون بالفساد لدى جهات ما بالإدارة العامة للأمن الوطني، لايجد له من عنوان، إلا بقاء بعض رموز الأمن بمدينة تمارة لأكثر من ست سنوات، ضدا على القانون الإداري الوظيفي، الذي يفرض ضرورة إجراء تنقيلات كل أربع سنوات، وهي إشارة تحمل أكثر من معنى، وتؤثر على معنويات باقي رجال الأمن المخلصين لأخلاق ومبادئ هذه المهنة !.