تحذير وزير الخارجية اللبناني من «خطورة الفخ المنصوب لكل من لبنان وسورية والفلسطينيين في قرار مجلس الأمن الاخير (1559)»، وتأكيد باريس، من جانبها، ان القرار «رسالة واضحة» سوف تتابع كيفية تعاطي سورية معها.. مؤشران على ان قرار مجلس الامن الداعي الى احترام سيادة لبنان وانسحاب «القوات الاجنبية» من أراضيه لن يكون قرارا دوليا آخر مرشحا للإهمال على خلفية السوابق العديدة التي سجلتها اسرائيل في هذا المضمار.
منذ الآن يبدو الفارق الاساسي بينه وبين القرارات «المهملة» من اسرائيل ان كلا من فرنسا والولايات المتحدة تقف وراء تنفيذه، وإن بضغوط متفاوتة. وعلى اعتبار ان ما يجوز لإسرائيل لا يجوز لغيرها، يبدو ان البند السابع من القرار (القاضي بتكليف الامين العام للامم المتحدة تقديم تقرير الى مجلس الامن خلال ثلاثين يوما من صدوره عما تحقق على صعيد تنفيذه).. مسمار جحا ـ والأصح مسمار واشنطن وباريس ـ في سورية ولبنان.
مع ذلك لا يعني صدور القرار برعاية أميركية ـ فرنسية، بالضرورة، تطابق «أجندة» فرنسا في البلدين مع «أجندة» الولايات المتحدة، فمصالح البلدين في المنطقة مختلفة تماما كطبيعة علاقتهما بهما. وليس خافيا ان الخارجية الفرنسية حرصت على التوضيح بان باريس لن تذهب الى حد الموافقة على تطبيق عقوبات دولية على سورية (في حال اقترحت واشنطن ذلك) وعلى التأكيد بانها لم «تلحق» بالولايات المتحدة في توجهها نحو مجلس الامن.
لفرنسا في لبنان وسورية حسابات تميزها عن حسابات الولايات المتحدة رغم الالتقاء الظرفي بينهما حول الدعوة الى استعادة لبنان سيادته وقراره. وهذا التباين الدقيق بين موقفي ـ وخصوصا نوايا ـ الدولتين حيال سورية ولبنان يجعل حملة «الاستغراب» التي تواجه فيها بيروت ودمشق ما تعتبرانه «تحالفا» فرنسيا ـ أميركيا في مجلس الامن، مقاربة خاطئة للقرار 1559، فاذا كانت واشنطن تدرج القرار في اطار مواجهة شرق اوسطية مع سورية، فان فرنسا تحصره في خانة العلاقة الخاصة مع لبنان أولا، ومع سورية ثانيا، وهي التي ساهمت في مساعدتها على تطبيق برنامجها الإصلاحي في الداخل ودعمت، ولا تزال، انتسابها الى اتفاقية الشراكة الاوروبية.
أي عودة متأنية الى خلفية العلاقات الفرنسية ـ السورية تظهر أن الرئيس شيراك كان منسجما مع نفسه في مقاربته «للمسألة السورية»، فقد تمنى على دمشق، قبل الانتخابات الرئاسية في لبنان، احترام الدستور اللبناني والعمل على ان يستعيد لبنان سيادته بصورة تدريجية، كما أعربت باريس، حسب قول مصدر فرنسي مطلع لـ«الشرق الاوسط» عن مخاوفها العميقة ازاء الوضع القائم في لبنان عبر رسائل متكررة وجهتها الى اعلى المراجع، خصوصا في لبنان. ولكن هذه الرسائل لم تؤخذ بالاعتبار.
قد يسهل اتهام الرئيس الفرنسي بالتأثر بموقف صديقه، رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري، في معارضته تعديل الدستور اللبناني لتمديد ولاية الرئيس أميل لحود.
مع ذلك، يبقى مستغربا ان ينسى بعض اللبنانيين، في لحظة عتب مجحفة على الرئيس الفرنسي شيراك، الدور الذي لعبه شخصيا في ضمان انعقاد مؤتمر«باريس ـ1» أولا ثم «باريس ـ 2» لاحقا.
ويبقى مستغربا ايضا ان ينسى بعض الغيورين على العروبة والوطنية في بيروت موقف فرنسا الثابت والجريء، في معارضة المخططات الاميركية ـ البريطانية لغزو العراق بعد ان كادت تعتبر الرئيس شيراك، العام الماضي، ديغول المرحلة إن لم يكن عبد ناصرها.
القرار 1559 قد يكون فخا أميركيا للبنان وسورية ولكنه، قبل ذلك أيضا، «رسالة» فرنسية مخلصة لا يجوز لبيروت ولا لدمشق الاستخفاف بها.
- آخر تحديث :
التعليقات