مضحك هذا العهد الممدد له الذي بدأ ولايته بسلسلة من التناقضات: اجتياح بالصور والعاب نارية فرضتها الاجهزة الامنية وكأن التمديد زرع الفرح في قلوب الناس بينما العكس هوالصحيح، اذ فرضه السوريون بواسطة انقلاب دستوري رافقته حملة تهديدات مبرمجة.
وبدلا من ان يتواضع ابطال التمديد، تمادوا في وقاحتهم وشاهدنا ما شاهدناه من كرنفال قصر بعبدا الذي ذكّرنا بالمهرجانات التي كانت تنظمها اللجان الشعبية في ليبيا لدى استقبالها العقيد معمر القذافي المنتخب والممدد له والمجدِّد ايضاً ديموقراطياً وبالاكثرية الشعبية المطلوبة !

وكأن العهد الممدد له يريد افتعال انتصار لبناني وهو الذي يعرف تمام المعرفة ان انتصاره كان انكساراً للبنانيين و انتصاراً للسوريين على حساب الديموقراطية.
ثم نسمع الرئيس اميل لحود يخاطب اللبنانيين تماما كما كان يخاطبهم في الايام الاولى لعهده عندما اغرقنا بوعوده، وبمحبته وغيرته على الوطن ولا حاجة بنا الى التذكير بما حصل، او بالقيام بجردة حساب حول ما نفِّذ او بالأحرى ما لم ينفّذ من تلك الوعود.

وفي مقابل سياسة الجزرة والمحبة الزائدة التي يعتمدها سيد العهد الممدد له، نسمع، ويا للمصادفة، حليفه الاساسي في التمديد واعني هنا حزب الله يهدد بنسف الطائف، وتدمير الصيغة والمناصفة الوطنية، وضرب عرض الحائط بكل قواعد التعايش اللبنانية. ودعونا نشكر النائب وليد جنبلاط الذي ردّ على طرح السيد حسن نصرالله حول الأكثرية والأقلية، اذ تكلم باسمنا جميعاً، فلا لزوم للتوسع في الرد ولكن اسمحوا لنا بان نتساءل: هل يهدف فعلاً السيد نصرالله الى نسف التركيبة الشرق الاوسطية بكاملها حيث نظام الاكثرية والاقلية غير معتمد بالشكل البدائي الذي طرحه الامين العام لـ حزب الله حتى في سوريا بالذات!

ولا بد هنا من ان نطرح سؤالاً اساسياً: هل ما حصل هو انقلاب على الطائف، بالاضافة الى انه انقلاب على الدستور؟ ام هو انقلاب على الوضع القائم في الشرق الاوسط بهدف تركيب انظمة جديدة على صورة النظام الايراني؟
وكيف يمكن سيد العهد الممدد له ان يدعو الى الحوار بينما حلفاؤه الاساسيون ينسفون وثيقة الوفاق الوطني التي على اساسها توقفت الحرب عام 1990؟

* * *
اما الفصل الاكثر هَزْلاً فهو الشعار الكبير الذي رفعه ابطال التمديد الذين ادعّوا ان اميل لحود وحده يمكن ان يواجه مؤامرة التوطين!
وربما نسي هؤلاء ومعهم سيد العهد الايام الاولى للحر ب اللبنانية التي دفع خلالها اهلنا ثمناً باهظاً لاسقاط مؤامرة التوطين التي كانت موضوعة على نار ملتهبة!
فالتوطين لا يمكن ان يفرض بالقوة على اللبنانيين اذا كانوا، ضده شعبا ودولة. وكلنا نعرف ان الشعب، كل الشعب عكس اولى ايام الحرب هو ضد التوطين، وكذلك المسؤولون.

من سيوقّع قرار التوطين؟
هل كان جان عبيد سيوقع ان هو انتخب رئيساً، ام سليمان فرنجيه، ام روبير غانم، ام مخايل ضاهر، ام بطرس حرب، ام نائلة معوض؟
مضحك هذا التبرير، وهذه الذريعة التي استعملت شعاراً انتخابياً من اجل التمديد!
ثم هل نسي اصحاب هذا الشعار ان قراراً كهذا لا يمكن ان يمر دون موافقة رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة والوزراء المعنيين ومجلس النواب والمرجعيات الروحية؟ فهل كان الجميع سيتواطأون فيما اميل لحود وحده يقف ضد التوطين؟!!!

الشعب اللبناني هو ضد التوطين، فليطمئن اميل لحود وغيره، لأن هذه المؤامرة التي أسقطتها في السبعينات دماء الشهداء، لا يمكن ان تمر اليوم...
ثم لا حاجة بنا الى القول انه بعدما وافقت اميركا ودول الغرب بأجمعها على قيام دولة فلسطينية مستقلة، سيصبح كل فلسطيني في العالم مواطنا وليس لاجئاً حاملا بطاقة هوية، وجواز سفر، مما يعني انه سيحق له ان يعود الى دولة فلسطين الجديدة والمعترف بها دوليا، كما سيخضع خارج بلاده للقوانين التي ترعى شؤون الرعايا الاجانب، وليس للقوانين الدولية التي ترعى شؤون اللاجئين.

لذلك، من الافضل ان يغيّر العهد، ومن كان وراء التمديد في سوريا، هذا الشعار الساقط اصلا لأن الجميع باتوا يعرفون الاسباب الحقيقية التي فرضت التمديد بالقوة وبطرق غير دستورية. وهي اسباب بعيدة كل البعد عن الضرورات القومية او الوطنية. ولا فائدة من الدخول في التفاصيل او فتح ملفات الماضي، ملفات الصفقات العابقة بروائح الفساد.

ثم نسمعهم ينتفضون بشراسة ضد قرار مجلس الامن رقم 1559 او يتحركون في كل الاتجاهات لمحاربته بقصد اسقاطه، وكأن القانون الدولي يسمح بالغاء قرار لمجلس الامن قبل تنفيذه. مع العلم انهم يقولون ان لا قيمة لهذا القرار الذي يعتبرونه انتصاراً سورياً بحسب فلسفة وزير خارجية دمشق فاروق الشرع. وهذا موقف محيّر. فاما ان القرار غير مهم ولا يستأهل تاليا كل هذه الحركة. واما انه بالفعل خطير وتتحمل مسؤوليته سوريا وحلفاؤها التمديديون في لبنان الذين يدفعوننا الى شبه عزلة دولية بسبب تعديل الدستور بشكل غير دستوري لمصلحة شخص واحدّ.

وحول ما ورد في هذا القرار فاننا نسأل بكل صراحة وبساطة: من منّا ضد سيادة لبنان؟ ومن منا ضد تسلم الجيش والقوى الامنية اللبنانية الامن على التراب اللبناني بكامله؟ ومن منا ضد حل الميليشيات؟ ومن هو ضد انسحاب كل القوات غير اللبنانية من لبنان؟ ومن هو ضد انتخابات حرة بعيدة عن التدخلات والضغوط؟

اليس كل ما جاء في هذا القرار هو طبق الاصل لما جاء في اتفاق الطائف والذي لم ينفّذ بكامله بما فيه انسحاب الجيش السوري؟

الا اذا كان المطلوب نسف الطائف والعمل على الاّ يطبق!
لقد جاء هذا القرار بمثابة وضع يد دولية على ملف تنفيذ الطائف، الذي كان اصلا اتفاقا برعاية دولية، بعد فشل اللجنة الثلاثية في متابعة عملية تنفيذ الاتفاق... الذي لم ينفذ!
ومن المعيب ان تكون للبنان سياسة مزدوجة حيال الامم المتحدة ومجلس الامن بالذات. وكلنا نعرف ان غطاءنا الدولي وصدقيتنا الخارجية كانا ولا يزالان مرتبطين باحترامنا للقانون الدولي وخصوصا للامم المتحدة.

* * *
وللذين يهولون علينا بالقول ان انسحاب الجيش السوري من لبنان سيؤدي الى كارثة، معددين سببين اساسيين لها: الاول ان وحدة اللبنانيين ستهتز،والثاني ان الجيش اللبناني غير قادر على تأمين الاستقرار الامني، خصوصا داخل الجزر الامنية، او حولها. نقول: اذا كانت وحدة لبنان ووحدة اللبنانيين مفروضة بقوة الوجود العسكري السوري، فهذا يعني انها مزيفة وغير حقيقية ومرفوضة من اللبنانيين. فاما تكون الوحدة نابعة من اقتناع وطني او لا تكون، مع العلم ان وحدتنا نابعة اليوم من اقتناع اكيد ولا لزوم للجيش السوري لفرضها بالقوة. وهذا كلام معيب ومرفوض كليا.

واذا كان الجيش غير قادر على تأمين سلامة الاراضي اللبنانية فليقل لنا سيد العهد الممدد له ماذا فعل خلال ست سنوات؟ بل ماذا فعل قبلها عندما كان قائداً للجيش؟ ولماذا يتغنى الجميع بالجيش اذا لم يكن قادراً على حماية الوطن؟

ونحن نعرف، واصحاب هذه النظرية الساقطة يعرفون، ان الجيش قادر على تحمل المسؤولية حيال الوطن، كما هو قادر على ضمان امن المخيمات وما حولها، اضافة الى حما يةالسلم الاهلي. علما ان الجيش دخل المخيمات في عهد الرئيس الياس الهراوي، وان قرار تخليه عن تولي امر المخيمات كان قراراً سياسياً وليس نتيجة مشكلة عسكرية. فقضية المخيمات سياسية بامتياز وورقة في يد سوريا.

اما في شأن سلامة الاراضي اللبنانية في وجه الاعتداءات الاسرائيلية فنتمنى ان يذكرنا اصحاب هذا العهد والعهد السابق الذي وقع معاهدة دفاع مشترك مع سوريا اين ومتى تدخل الجيش السوري دفاعاً عن هجمات العدو الاسرائيلي وخروقاته المتكررة برا وبحرا وجوا!

لا نريد هنا ان يُفهم كلامنا وكأننا ضد علاقات مميزة وأخوية مع سوريا، بل العكس هو الصحيح حيث ان العلاقات المميزة والأخوية هي التي لا تتطلب قوة عسكرية تفرضها على الآخر. فاذا كانت سوريا في حاجة الى جيشها في لبنان لتفرض على اللبنانيين محبتهم لها، فهذا يعني انها فشلت وحلفاؤها في بناء أجواء الثقة المطلوبة للتوصل الى علاقات أخوية مميزة، والمسؤولية هنا مزدوجة تقع على النظام السوري وعلى من اختارهم حلفاء له في لبنان.

* * *
انطلاقاً من هذه المواقف المتناقضة التي يطلقها سيد العهد الممدد له وحلفاؤه في التمديد، نقول ان سياسة اللامنطق والضياع والضبابية لا تزال سيدة الموقف الا في موقف واحد هو: وضع اليد على السلطة مهما يكن الثمن وبأي طريقة كانت، من اجل حماية مكاسب الماضي!
يبدو اذاً ان كل ما يريده العهد من المعارضة، وعلى رأسها سيد بكركي، ان تغطي صفقة كهذه ما دامت الاجواء والذهنية والاداء لم تتغير، وان تغطي العملية الانقلابية التي حصلت على الدستور بطرق غير دستورية معروفة من الجميع!