عندما يهاجم قوم قوماً آخرين نسمي ذلك «غزواً» ونصنّفه على أنه تخلف لا يجاريه تخلّف. وما أن يبدأ الغزاة بقتل «الآخرين» حتى نسمي ذلك «وحشية» و«عربدة» و«تنصّلاً» من الإنسانية ومن الأخلاق ومن المبادىء.
وما أن يبدأ الغزاة بنهب ممتلكات الذين وقع عليهم الاعتداء حتى ندعو ذلك «سرقة» ونهباً وعودة إلى شريعة الغاب التي يمثّل فيها «الحيوان» أعلى سلطة.
وقياساً على ذلك فإن الغازي الجديد قد بدأ يتجاوز حدّ العقل حين دعا الناس الذين يرتبطون بوحدة الدم والتاريخ والأمل والحزن والقهر، كي يتفارقوا ويتعادوا، وهذا فسقٌ سياسيٌّ وفكريٌّ واجتماعيٌّ وحضاريٌّ وإنسانيّ.
في فجر الثالث من أيلول أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1559 يطالب بخروج «القوات الأجنبية» من لبنان. وقال التسعة المؤيدون للقرار وهم يبدون «الجزع» على استقلال لبنان وسيادته، يرون أنّ عليهم أن يحموا العرب من أنفسهم وأن يدلّوهم على أسماء رؤسائهم الذين يجب أن ينتخبوهم.
وهنا نربط حديثنا، فمن يتبنّى قراراً ما يجب أن يكون هو، أصلاً ، مؤمناًَ به إيماناً مطلقاً. وبالقياس فإن على الدولتين اميركا وفرنسا أن تسحبا قواتهما من العراق ومن أفغانستان أليست هي «قوات أجنبية». وعلى إسرائيل أن تسحب قواتها من فلسطين أليست هي «قوات أجنبية».
وعلى الدولة التي ينسب إليها آخر رجل في التاريخ أن تمتثل «للإرادة الدولية» التي صاغت هي نفسها مئات المفردات التي شكلت مواثيق ومبادىء دولية سامية.
وعلى الدولة التي رسمت باللون وبالحرف حضارة الشمس على ضفاف «السين» أن لا تنساق وراء عقلية «رعاة البقر»، وان تقرأ من جديد سفر ثورتها المجيدة وبنود دستور جمهوريتها الخامسة. وأن تعتذر لذاتها عن التدخل في شؤون الآخرين إنفاذاً لأوامر الاستقواءات الدولية التي عطلت العقل وألغت المنطق وكفرت بالله.
وان على المجتمع الإنساني الذي فقد الاتجاه أن يعود إلى رشده وأن يستعيد توازنه حتى يستطيع أن يحمي ذاته من وهج نار الجنون التي بدأت تستعرّ وأخذت تطال المؤمن والكافر والأصفر والأحمر والمستقيم والمعوجّ دون وعي ودون تمييز.
ومن المفارقة أن الولايات المتحدة التي هاجمت العراق «ثأراً» لقرار مجلس الأمن 1441 قد ذهبت إلى هناك متجاهلة هذا المجلس. وهي اليوم تتبنّى قراراً قد خالفته أكثر من مئة وواحد وثمانين مرة، ولا تزال تمارس ذلك حتى يومنا هذا، ولا تزال تكتب تاريخها المغبرّ بمداد دماء المستضعفين وعلى ورق يحمل قهرهم وخوفهم وجوعهم.
إن هذه هي نهاية التاريخ ونهاية الحضارة... أليس كذلك يا فوكوياما.