لا يمكن فصل التحركات الديبلوماسية التي نشطت في اتجاه العاصمة السورية في الايام الاخيرة عن واقع ان دمشق عكس ما اعلنه وزراء سوريون لا تستخف بقرار مجلس الامن رقم 1559. كما لا يمكن النظر الى هذه التحركات الى انها تمهيد لزيارة مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى وليم بيرنز للقاء الرئيس السوري بشار الاسد. فقبل يومين من وصول الديبلوماسي الاميركي، زار وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط وهو كان مندوبا سابقا لمصر لدى الامم المتحدة، العاصمة السورية. واذ تحدثت معلومات في بيروت عن نقل ابو الغيط رسالة من الرئيس حسني مبارك الى نظيره السوري حول ضرورة اخذ القرار 1559 بجدية والتعاطي معه على هذا الاساس، وان مصر لا يمكنها فعل الكثير للمساعدة في هذا الاطار، وكذلك الامر بالنسبة الى سواها من الدول العربية، اعلن وزير الخارجية المصري انه شرح للرئيس السوري موقف مصر وتحركها في سبيل التوفيق بين الفصائل الفلسطينية وتشجيع هذه على الحوار. وكان موقف الرئيس السوري متفهما ومشجعا.
وبمقياس حصول التحرك المصري برضى اميركي او ربما بطلب من واشنطن، فان تجاوب الرئيس السوري مع هذا الموضوع بدا، عشية زيارة بيرنز ان سوريا على غير ما تتهمها به واشنطن من تشجيع للفصائل والتنظيمات الفلسطينية المتشددة تبدي استعدادا للتعاون في تهدئة المسائل المقلقة في المنطقة بقطع النظر عن مدى تعدي هذا الموقف الاطار النظري الى العملي، وكيفية رؤية واشنطن لتجاوب دمشق، وخصوصا ان ما تطلبه منها يتخطي الاقوال الى الافعال على ما تطالب واشنطن منذ مدة.
وفي وقت متزامن تقريبا استقبلت دمشق وزير الداخلية العراقي فلاح النقيب الذي قال انه اقترح ورقة عمل للتعاون الامني مع سوريا تشمل جملة امور منها تسيير دوريات مشتركة على طول الحدود بين البلدين الى بنود اخرى تصب في خانة ما اعتبره استعدادا سوريا قويا للتعاون في ضبط التسلل عبر الحدود، والذي تستمر واشنطن في انتقاده رغم التقديمات او الاجراءات التي اتخذتها وذكرها الرئيس الاسد امام وفد الكونغرس الاميركي الذي زاره في منتصف آب، وكذلك امام عضو الكونغرس داريك عيسى والسفير الاميركي السابق مارتن انديك، وجميعهم على ما افادت معلومات ديبلوماسية موثوق بها، تحدثوا عن مرونة كبيرة عبر عنها الاسد في استعداداه للحوار وفي شرح العقبات التي تعترض ضبط الحدود مع العراق وطلبه المساعدة الاميركية تحديدا لهذا الغرض. لكن مع الخلاصة التي خرج بها وزير الداخلية العراقي من سوريا، اي برنامج عملي يلحظ آليات معينة يفترض تطبيقها، تكون دمشق قد مهدت لتخفيف الملاحظات الاميركية التي كانت تتوقع سماعها من بيرنز لدى لقائه الاسد او على الاقل تغيير اللهجة او نوعية الخطاب وخصوصا بعد اشارات من واشنطن ان زيارة بيرنز تحصل وسط عدم رضى في الادارة الاميركية عليها وانه شخصيا بذل وقتا وجهدا من اجل ان يقنع هذه الادارة بأن عليها خوض تجربة الحوار والاقناع مع سوريا مجددا، من منطلق انه مستعد لأن يستمع الى مسؤوليها اكثر من المرات السابقة وفي ظل ضغوط قوية استبقت وصوله الى دمشق بينها القرار 1559 مما من شأنه ان يسهل مهمته الى حد بعيد، فيما لو رأت سوريا منحى الامور على نحو واضح وجدي.
*عقدة الانتشار
واذا كان هذان التحركان يتعلقان في شكل مباشر بمطلبين من المطالب الاميركية في دمشق اي الحدود مع العراق والتنظيمات الفلسطينية المتشددة وتناولتهما العاصمة السورية مع حلفاء لواشنطن في المنطقة، فان مطلبا ثالثا برز الى الواجهة ايضا بالتزامن مع وصول بيرنز الى دمشق وهو قرب اعلان القيادة السورية خطوات لاعادة انتشار جديدة في لبنان قالت الاوساط الرسمية انها ستتم وفقا لتنسيق بين القيادتين العسكريتين في لبنان وسوريا وانسجاما مع اتفاق الطائف وذلك باعتبار ان بيرنز الذي سيحمل معه انتقادا قويا لدمشق لعدم التزامها احترام الدستور اللبناني سيؤكد مطلب انسحاب القوات السورية من لبنان كما نص عليه القرار 1559.
ولعل هذه النقطة بالذات تكتسب اهمية قصوى نظرا الى تزامن زيارة بيرنز لدمشق بعد اسبوع تماما من صدور القرار 1559 وتعديل الدستور اللبناني تمديدا للرئيس لحود. وهذا يعني ان سوريا لمست انها لا تستطيع ان تتعاطى مطلب انسحابها من لبنان كموضوع هامشي بعدما اضحى اولوية بموجب قرار دولي وستكون مجازفة كبيرة ان تتجاهله، والا لما برزت مجددا ازمة اعادة الانتشار واوراق اخرى تتعلق بتفاصيل ادارة سوريا للبنان وسيطرتها على قراره على ما سرى عشية زيارة بيرنز. لكنها رفعت في المقابل طلبا مزمنا حول استعادة الجولان عبر معاودة مفاوضات السلام.
هل ما تقوم به سوريا هو فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة وان وصول بيرنز هو فرصة جديدة قد لا تتكرر اذا عاد الرئيس جورج بوش الى الرئاسة في الاميركية لولاية ثانية وخطا نحو مرحلة ثانية من العقوبات ضد دمشق لن تكون هذه قادرة على تحملها في ظل القرار 1559 والتعبئة الاوروبية ضدها، ام ان الخطوة الاخيرة المتعلقة بلبنان تحديدا هي في اطار التمهيد للالتفاف على التقرير المنتظر للامين العام للامم المتحدة كوفي عنان في 3 تشرين الاول المقبل ام ان الامر مزيج من الاثنين معا؟
هذا ما ينتظر معرفته في الايام والاسابيع المقبلة باعتبار ان رد فعل واشنطن سيكون المعيار لأنه سبق لسوريا ان اكدت تجاوبها مع وجهة نظرها وفهمها للأمور وقدرتها مع بعض المطالب الاميركية ولم تر الادارة الاميركية ان ذلك كان كافيا.
التعليقات