يتوسع الدور الإسرائيلي في العراق كل يوم بسرعة أكبر من قدرة المراقبين على رصده، وهو لا يقتصر على الشمال مثلما تردد خلال السنة الأولى من الاحتلال الأميركي وإنما نراه يتمدد إلى بغداد والجنوب وصولاً إلى الناصرية والبصرة. ويعتقد الإسرائيليون ان القوات الأميركية غير قادرة على فرض الأمن والاستقرار في العراق وان عليهم تطوير قنواتهم الخاصة مع القوى المحلية انطلاقاً من نقطة الارتكاز الرئيسية في الشمال والتقدم في تنفيذ الخطة التي كانوا أعدوها قبل سقوط النظام السابق في العراق مع إدخال تعديلات طفيفة عليها.

واضح ان إسرائيل تعمل على محورين متكاملين أولهما دفع اليهود العراقيين إلى الواجهة ليس للمطالبة بدور سياسي في عراق ما بعد صدام حسين لأنها تعلم ان ذلك يثير ضدها حساسيات واسعة في المنطقة وإنما بوصفهم رأس جسر لترتيب العلاقات مع الحكم الجديد في البلد على جميع الصعد. هذا هو القسم الطافي على السطح من الاختراق الإسرائيلي للعراق، أما القسم الخفي فهو التمدد الاستخباراتي الذي يبدأ من تصفية العلماء العراقيين ليشمل التأثير في التطورات السياسية الداخلية والتغلغل داخل البنية الاقتصادية وصولاً إلى تكريس علاقات نفطية عراقية - إسرائيلية طبقاً للخطة التي سبق ان أعلنها وزير البنى التحتية الإسرائيلي يوسف بريتسكي في صحيفة «هآرتس» والرامية لمد خط أنابيب جديد من العراق إلى اسرائيل عبر الأردن.

ما من شك بأن اسرائيل تتمنى اليوم قبل غد التطبيع الديبلوماسي مع بغداد والحصول على اعتراف طالما انتظرته من العراق بشرعية وجودها، لكنها بدت مستعدة للقبول بإرجاء هذه الخطوة الى حين في مقابل تحصيل منافع اهم على الأمدين الوسط والبعيد في مقدمها تبلور لوبي عراقي داخل اجهزة السلطة يدافع عن اقامة علاقات متينة معها. كذلك هي اظهرت «تفهماً» لكون الاقدام على الصلح معها الآن يسبب ارباكاً اضافياً لحكومة هي في غنى عن المزيد من المشاكل والاحتكاكات داخلياً واقليمياً. وما يشجعها على «الصبر» كون الأمور تسير وكأن التطبيع حاصل بما في ذلك على الصعيدين العسكري والاستخباراتي من خلال دور مستشاريها العسكريين العاملين مع القوات الاميركية. واللافت في هذا السياق ان اول من كشف وجود مستشارين عسكريين اسرائيليين في العراق واعتماد القوات الاميركية عليهم لثقتها بخبرتهم في مجابهة المقاومين الفلسطينيين، كان الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو الذي اختطف لاحقاً مع زميله كريستيان شينو.

غير ان اسرائيل مصرّة، مع كل ما غنمته من مكاسب على الارض، على التطبيع الرسمي مع بغداد بأسرع ما يمكن بالنظر لدلالاته السياسية والرمزية الواضحة. والظاهر ان لا خلاف مع الحكومة العراقية الحالية على التشاور المستمر لتحديد الوقت المناسب للاقدام على تلك الخطوة.

واستطراداً يلقى الدور الاسرائيلي المتنامي داخل العراق في هذه المرحلة مزيداً من الضوء على حجم التأثير الذي كان لتل ابيب لدى الاعداد للحرب ووضع خططها واهدافها من خلال اللوبي الليكودي في الادارة الاميركية، ومن تجلياته المعروفة ايفاد شارون رئيس جهاز «الموساد» ابراهام هاليفي للإقامة في واشنطن طوال الاشهر الثلاثة التي سبقت اندلاع الحرب لاعطاء المشورة لكبار القادة العسكريين الاميركيين. ومثلما تتبلور ملامح الصورة تدريجاً لدى التحميض يبدو الدور الاسرائيلي في تلك الحرب اكثر وضوحاً اليوم بوصفه حرباً بالوكالة رمت لحماية الدولة العبرية من اكبر مصدر تعتقد انه كان يشكل تهديداً لوجودها، وتالياً ضمان تكريس سيطرتها على المنطقة.