لا اصدق ان هناك عربيا واحدا يستطيع الكتابة بصراحة عن الارهاب وعن فجاعة 11 سبتمبر 2001، عن اسبابها وعمن يقف وراءها، ويستطيع ان ينتقد القوى المؤيدة لاسامة بن لادن، فالعالم العربي الآن لا تسيطر عليه قوى الدين بقدر ما تسيطر عليه قوى بن لادن، (بدين وبلا دين)، ان صح التعبير.
غير صادق من يقول انه يستطيع الوقوف، ولو بقلمه ضد قوى الارهاب او انه يستطيع ان يشرح لنا صراحة لماذا قام تسعة عشر من الشباب العربي بما قاموا به في 11 سبتمبر!!
لا نستطيع ان نقول شيئا ضد آلاف العرب الذين ارتضوا الانتحار كبديل للحياة، لا نستطيع ان نقول شيئا ضد القتل واختطاف النساء، لاننا، من ناحية، خائفون من قوى الارهاب، مرهبون بالبندقية والقلم، وكذلك لاننا، وفوق كل هذا، راضون عن هذا الوضع، لان في حرب هؤلاء الشباب مع امريكا ارضاء لشيء سري في داخلنا، وهو اننا نقبل بأمريكا كعدو كبير يرضي غرورنا بدلا من عدو صغير (اسرائيل) يهيننا بشكل يومي.
ليس امامنا سوى امرين، احدهما ان نرى الارهاب امرا مؤقتا ونجمع كل قوانا لطرده من الجسد العربي، او ان نقبل بحالتنا القائمة التي يكون الارهاب فيها بمثابة فيروس دخل دماءنا كما في حالة فيروس الكبد الوبائي، الذي يتطلب غسيلا مستمرا كل عشرين يوما، لأن الدم تلوث ولا بد من دم جديد وعملية غسيل متكررة، انا اميل الى الحالة الثانية، كلما تفحصت حالنا بعد 11 سبتمبر. فقبل 11 سبتمبر كنت اظنه فيروسا اصاب العالم العربي في مصر والجزائر، وان العرب قادرون على التخلص من هذا الفيروس، لكن بعد ما سمعت وما قرأت وما رأيت بعد 11 سبتمبر، اظن ان الارهاب اقرب الى حالة فيروس الكبد الوبائي، وان كل تنديدات العرب بالارهاب لا تزيد مدتها عن عشرين يوما، ثم تتلوث صفحات الصحف وشاشات التلفزة وكذلك خطب الجمعة بفيروس الارهاب مرة اخرى ويتسمم الدم، وبضغط من الخارج، وخجل من احداث القتل في مدرسة بأوسيتيا او قطع رأس في بغداد، يعلن بعض العرب ادانتهم للارهاب، ثم تبدأ عملية غسيل للعقل العربي مؤقتة، لا تلبث ان تتلوث بعد عشرين يوما اخرى، وهكذا دواليك.
11 سبتمبر ليس مرضا امريكيا، مع ان هناك من سيقول ذلك ببلاغة عندنا، 11 سبتمبر مرض عربي و11 سبتمبر هو رشح للامراض القائمة في العالم العربي، تخطت الحدود فأصابت الآخرين في مقتل، ولذلك وجد الآخرون، غربا وامريكان، ان تدخلهم لمنع هذا الرشح ضرورة، وكلما زاد الرشح زاد التدخل، فليس العراق هو نهاية المطاف، وانما بدأنا نرى اكثر من قرار في مجلس الامن يمهد للتدخل في دول عربية اخرى بينها السودان، وآخرها قرار مجلس الامن بشأن لبنان والبقية تأتي.
وحتى تأتي لحظات التدخل هذه، نسمع كثيرا من الخطب النارية من مقتدى الصدر والشيخ نصر الله والشيخ القرضاوي وكذلك من خطباء القومية، لكن في النهاية لن يغني ذلك عن التدخل الغربي شيئا، فهو زعيق لارضاء الجرح النرجسي العربي.
3 سنوات مرت ولم نسمع او نرى كلمة واحدة قاطعة تدين الارهاب، رأينا تصفيقا لابن لادن وجماعته، بطرق مختلفة، بعضها تأييد مباشر، وبعضها الآخر تأييد مبطن، لكن في النهاية فكله يصب في خانة «ضد جورج بوش» فكلمة جورج بوش التي جاءت بعد 11 سبتمبر محذرة للعالم «اما معنا او مع الارهاب» ترجمت هذه العبارة في العالم العربي، «اما مع اسامة او مع جورج بوش» وبالتالي اصطف الجميع مع اسامة، اما نكاية في بوش او نكاية في ذواتنا. لم نصطف مع اسامة حبا فيه او حتى كراهية في امريكا، ولكن لاننا نعاني من عقدة نقص كبرى، قد لا نبرأ منها في القريب العاجل. فالعرب لا يكرهون امريكا كما يتصور بعض الامريكيين!.
مرض العرب الحقيقي هو انهم يبحثون عن عدو كبير يبرر لهم اذلالهم ولمدة خمسين عاما من عدو صغير اسمه اسرائيل. فلأن تكون امريكا هي عدو العرب الذي يهينهم ويهزمهم، فذلك اشرف بكثير من ان تهزمهم دولة تعدادها اربعة ملايين، نصفهم يشبهون العرب من اليهود المغاربة واليمنيين والمصريين وغيرهم، والعرب لا يريدون عدوا صغيرا يهزمهم، لذلك يتشبثون بالعدو الكبير، جمال عبد الناصر لم يكن يعترف بأنه يحارب اسرائيل، كان دائما يقول انه يحارب اسرائيل ومن وراء اسرائيل.
اذاً، عداوة العرب الحالية لامريكا مشكلة ليس لها حل في امريكا ولكن حلها في الداخل العربي، وبداية الحل هي ان يبرأ العرب من عقدة النقص ويقبلوا وكذلك يعترفوا صراحة بأنهم هزموا من دولة صغيرة تشاركهم الحدود ويسمون الهزيمة هزيمة، وليست نكسة وانتكاسة، ولنا في سوريا مثل لتوضيح اعراض هذا المرض العضال. فمثلا لا يتحدث السوريون عن احتلال اسرائيل لارضهم، فقط يستعيضون عند ذلك بالحديث عن الحقوق الفلسطينية، ورغم ان كلنا يعرف الحقوق الفلسطينية، وكلنا مع الحق الفلسطيني، ولكننا ايضا مع الحق السوري للسيطرة على اراضيها، ولكن كيف لنا ان نؤيد الحق السوري بينما السوريون انفسهم ارضهم محتلة، ويقدمون انفسهم مرة على انهم قوة احتلال في لبنان او قوة مدافعة عن الحق الفلسطيني.
ما نراه في التصرف السوري هو عرض لهذا المرض الكبير، العرب يحتاجون الى عدو كبير، لانهم قوم كبار لا يعترفون بالاعداء الصغار، ولذلك ستبقى عداوة العرب لامريكا فترة طويلة وطويلة جدا. فإما ان يتغير النظام الدولي وتكون هناك قوة اكبر من امريكا مناسبة لان تكون عدوا يليق بالنرجسية العربية وغرور ذاتها او ان العرب يعالجون هذا المرض داخليا ويقرون بأن عدوهم هو الجهل والفقر وتخلفهم عن الركب الحضاري وان الحل ليس في احراق بيوت الجيران، وانما في بناء بيوتنا واصلاحها من الداخل، ولكن صعب جدا، في جو الارهاب الفكري المسيطر في العالم العربي، ان نكتب بصراحة ووضوح، فإذا ما كتبت او تكلمت بوضوح فأحيانا يكون الثمن هو حياتك او ان تنطلق عليك مدافع مدرسة التكفير والتخوين، فتقضي على ما تبقى لك من رصيد يربطك بالمكان الذي تحبه وولدت فيه وتتمنى له النهوض.
11 سبتمبر ليس حدثا وانما حالة نعيشها، حالة سيطرة مطلقة لجبهة التدمير في العالم العربي على الساحة ومحاصرة تامة لجبهة التعمير...
11 سبتمبر حدث ارضى غرور الكثيرين في العالم العربي، غرورا مؤقتا، بأن العرب استطاعوا ان يهدموا بنايتين في نيويورك، وان يضربوا امريكا في العمق. انتصار تكتيكي ووقتي، ولكن بعض العرب مغرمون بذلك، ألم يهمل فاروق الشرع كل ما في اجتماع مدريد للسلام عام 91 وما يمكن لسوريا ان تحققه، ليبدأ خطابه بإخراج صورة شامير امام الملأ على انه ارهابي مطلوب من بريطانيا ايام الاحتلال، فقد ارضى هذا العمل البعض، وصفق له الجميع على انه «لعن ابو شامير على الملأ» نعم، فعل ذلك، ولكن وبعد اكثر من عشرة اعوام خسر السوريون والعرب الكثير ولتنظر سوريا من يقف الى جوارها الآن. انها تشارك حدودها مع أميركا. العرب كبار ويحتاجون الى عدو كبير لتبرير فشلهم الجماعي في القضاء على الامية والفقر، والعرب كبار ويحتاجون الى عدو كبير لتبرير فشلهم في اعطاء اهلهم حق المشاركة السياسية، يعيشون في عالم النرجسية، عالم ماضي الافتخار الذي لا يغني شيئا عن واقع الذل والاحتقار.
العدو الكبير ضرورة عربية، ولكل هذا ستبقى امريكا عدوا للعرب ولفترة، وعلى الامريكيين ان يتعايشوا مع هذه الحالة، حالة لا تنفع فيها الدبلوماسية العامة، او قناة الحرة او غير الحرة، هذه حالة تخص العالم العربي اكثر من كونها تخص امريكا.. وأعرف مسبقا ان هناك الآلاف من العرب ممن سينتقدونني على هذه الرؤية، ولا تظنوا بي الشجاعة، فأنا خائف من هذا الارهاب الفكري وسياسة التصفيات الجسدية، ولذلك لم اقل كل ما عندي في هذا الامر الخطير.
- آخر تحديث :
التعليقات