بول شاوول: تشيخوف بعد مئة عام، تنضر نصوصه أمامنا. تحيا شخصياته فينا. نلتقي قصصه على هوامش حياتنا، وفي صميمها. هذا الطبيب، الذي عاش طفولة قاسية وبائسة وصعبة، يلقي على الواقع الروسي، في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، نظرة تشريحية، "باردة"، يكتشف بعين مفتوحة، وعقل منقشع، مفارقات المجتمع الروسي، وأمراضه، وأزماته، وهمومه، جسّدها كلها في قصصه التي بلغت قرابة 500. ذلك المجتمع الذي كان يعتمل بالتحولات، والتغيرات والأفكار الجديدة، والمدارس الفنية، التقطها، وكتبها كتابة مكثفة، في قصص مكثفة، مجردة، عارية، من كل تزويق (بلاغي)، أو إطناب أو تضخيم أو أسلوب فضفاض. يقول الأشياء كما هي، بوعورتها، وصفائها، وقسوتها، ونزقها. هو الذي ساهم المساهمة الكبرى، في تحويل المسار الروائي الطاغي الطويل في (دوستويفسكي، تولستوي، غوغول) الى قصصي مختزل. حتى عندما كتب روايته الوحيدة )جم خمن لم ئفََّ(، لم تكن سوى مجموعة قصص متلاحقة. وهو عندما كسر التقليد الذي يتمثل بوضع الروايات الطويلة والطويلة جداً، شقّ الطريق الأول في رفع القصة الى مصاف الرواية. وحتى على صعيد النجاح الشعبي تمكن، وللمرة الأولى، أن يصبح كقصاص، كاتباً شعبياً، عندما كان هذا النجاح مقتصراً على الروائيين. وفي الوقت الذي كانت الروايات تتناول مواضيع كبرى عند تولستوي "الحرب والسلم" و"أنّا كارنينا"... وعند دوستويفسكي "الاخوة كارامازوف"، "الأبله"، "الجريمة والعقاب" و"المهووسون"... وعند غوغول "النفوس الميتة"، كان هو كاتب المشاهدات اليومية المقطوفة، النافلة التافهة.. العديمة. الصغيرة. التفاصيل. كان يمكنه أن يكتب قصة عن أي شخصية يلتقيها في الشارع. بل كان يمكن أن "يكتب قصة عن انعكاس ضوء في الصيف على قنينة". كأنه كاتب منمنمات. قطع تنضاف الى قطع، لتشكل في مجموعه العمومي جدارية كبرى عن "الكوميديا الإنسانية" للحياة الروسية. بل كأن مجموع قصصه يمكن أن تكون رواية العمر. رواية حياة، ومجتمع يتجه في سيروراته مختزناً العناصر المتحولة التي هيأت للثورات والتململات الاجتماعية والفكرية والسياسية.
كان يصف. يصف فقط. مُشاهد بامتياز. مراقب صارم. يقدم الأشياء من دون رفدها لا بمواعظ. ولا بدروس. ولا أفكار مسبقة. أي أنه كان يمثل الكاتب الحر، المنطلق السجية، الحاد الذهن، الذي يصوّر بكاميرا دقيقة تضاعيف الحياة حوله. هذا هو الإنسان الروسي من دون حكم. ولا قضاء. ولا معايير. من دون أي موقف سياسي أو ديني أو فلسفي ظاهر. فالنص هو الذي ينضح بما فيه.
لكن هذه المنمنمات "البريئة" برانياً، كانت تختزن للقارئ الحر، نظرة ساخرة، حتى الصدمية. كأنه يصور تفاصيل العدم المتجسدة أمامه، إزاء سلوك البشر، وأهوائهم، وجنونهم. على أن هذه العدمية كانت تزدوج عند تشيخوف بنضال يومي مباشر وغير مباشر من أجل عدالة اجتماعية أوسع من أشكال الالتزام المباشر، والشعارات المفرغة من مضامينها. بل كأنه في عدميته الملتبسة، (على عكس بيكيت ويونسكو وكافكا)، كان يضج بحرارة إنسانية لا حدود لها. هذه هي النقطة التي بقيت غامضة عنده. ان هذه النظرة الكلية، المجزأة، أو المتواترة، وبمقاربة مواربة وغير مواربة، كانت ترصد قتامة العالم، وقذارته ولاجدواه، وبربريته وجشعه. بل كأنها صرخة "صامتة"، ضد مختلف أشكال الاستغلال، والفروق الطبقية والبورجوازية الحارقة، والفساد (الإداري، النفسي)، وصولاً الى وحشية الناس إزاء الحيوانات الضعيفة، الأطفال، والمساجين والفقراء والمعتوهين والمدمنين.
الرائي
هذا الرائي بلا "رؤى" مكتظة، هذا الناظر ببصر حاد، عارٍ، هذا التشريحي بلا مقصات "أيديولوجية"، كتب قصصه ببساطة تدرك الجميع. بواقعية مروسة، تجمع بين التفكهة المرحة والسخرية النافذة، بين الموضوعية المتطلبة والنقد الضمني، بين "الطبيعية" المتمادية والالتباس حتى الغموض، كأنه أرضى مختلف الأذواق والمستويات.
فالواقعيون الاشتراكيون أيام الستالينية رأوا في قصصه نقداً لاذعاً للبرجوازية والرجعية وتماهياً بالطبقات الفقيرة الكادحة. ولهذا مرت "معظم" نصوصه في مختلف العهود السوفياتية (بعد رحيله) من دون أن تصيبها مقصات الرقيب، أو الإدانة أو التهم التي كانت سهلة آنئذ. وهنا، نشير الى سوء طالعه بشقيقته (نتذكر شقيقتي كافكا ونيتشه)، التي شوّهت بعض كتاباته (كما فعلت شقيقة نيتشه بكتاباته إرضاء للفوهرر)، لا سيما رسائله الى النساء، فعدلتها، وأضافت إليها من عندياتها، وحذفت منها ما لا يلائم "بوريتانية" الثورة الستالينية وأخلاقياتها وتوجهاتها.
والحداثيون (خصوصاً المستقبليين) رأوا فيه كاتباً "حداثياً" لخروجه على التقاليد الأدبية الروسية، ولمحاولة تحطيمه الأشكال القصصية والسردية الرائجة، ولبنائه عالماً تمتزج فيه التناقضات والتساؤلات المفتوحة. وهو في كل ذلك، رأى فيه الحداثيون (المستقبليون الروس"، والتجريبيون، رائداً من رواد النص غير الناجز، المشرع على الاحتمالات، المبتور كعلامات ناقصة، المتروك خارج الإجابات الشافية، المحمل بالغموض، وبالعتمات "المضيئة"، والنافذ الى عمق الشرط الإنساني الداخلي والخارجي، الكاشف والفضيحي والمعلن تلك الكوميديا "الغروتسكية" المفعمة بالمأساة... والدراما حتى الميلودراما.
وحتى المحافظون رأو فيه، معادياً لكل الأفكار والشعارات والمذاهب التغييرية والثورية والإيديولوجيات التوتاليتارية. ولا ننسى هنا اعتبار الواقعيين ومن ثم الطبيعيين تشيخوف إشارة عميقة الى واقعية تغوص على الشرائح الاجتماعية والإنسانية، وتنفتح على رمزية بشّر بها صاحب "العم فانيا" لتتأرجح نصوصه المفتوحة بين واقعية مادية فيزيقية متطلبة ورمزية تزيح المضامين "المباشرة" الى علامات ودلالات وإيحاءات وإيماءات. وهو في ذلك كدوستويفسكي في رواياته، الذي ألهم بشخصياته ونماذجه علم النفس والتحليل النفسي، مادة خصبة يغوصان عليها، ويشتغلان على حالاتها.
انه الواقعي، والمحافظ، و"الرجعي"، والثوري، والرمزي... وحتى السوريالي بتلك النكهة الغرائبية التي تنضح بها شخصياته بمفارقاتها وجنونها ويومياتها "المدهشة" ومسالكها المتعثرة، وتفاهتها، ونافلها. وهل يمكن تجاوز تأثيره في العبثية (واللامعقول) التي تبلورت مع كامو، لتصل الى أوجها مع بيكيت ويونسكو ووتييه والى حد ما جورج شحادة. وقد قال الفيلسوف ليون شيشوف في احدى مقالاته أن تشيخوف هو نموذج الكاتب الذي يكتب "الإبداع انطلاقاً من لاشيء" ليقول "اليأس الوجودي" و"اللاجدوى"، و"النضال بيأس"، و"بلا معنى"، و"التبرم" و"الضجر" و"الحنين الى اللاشيء".
مسرحه
لكن إذا كان تشيخوف، على الأقل في الجزء الأكبر من حياته، بنى حضوره كقصاص، وقطف نجاحه من تلك المنمنمات السردية، فإنه اخترق المسرح. لم يكتب كثيراً. لكن ما كتبه كان كافياً ليحجب تشيخوف القصاص أمام تشيخوف المسرحي. هذا يذكر في بيكيت الذي بدأ بكتابة الرواية (وعنده روائع)، وفي السابعة والأربعين كتب (ربما بالصدفة) المسرح "في انتظار غودو"، لتطغى صورته كمسرحي على الروائي والباحث (وضع دراسة مهمة عن بروست)، عبر مجمل أعماله كـ"نهاية اللعبة" و"آه! الأيام الجميلة"...
أعماله المسرحية قصيرة وقليلة كحياته. ولم تبدأ فعلياً إلا مع "إيانوف" (كان في السابعة والعشرين)، وإذا كانت سبقتها "بلاتونوف" (كتبها في العشرين)، فإن محاولاته الأولى المكتوبة على دفاتر المدرسة مزقها بنفسه.
"بلاتونوف" لم تندرج ضمن كل أعماله المطبوعة، فلنقل أنها مسرحية "شباب" تقريباً غير مكتملة، لكن عثر عليها في أرشيف الكاتب عام 1920 وصدرت عام 1923 ضمن "مسرحيات بلا عناوين". لكن ابتداء من الخمسينات انبثقت بقوة تحت عنوان "بلاتونوف" (أو "هذا المجنون بلاتونوف") كتبت بين 1880 ـ 1881.
بلاتونوف
هذه المسرحية مؤلفة من أربعة فصول، تدور في منزل فوينيزتزيف في جنوب روسيا. بلاتونوف شاب نبيل مأخوذ بالمثل، يجسد طموحات جميلة، ويتأرجح بين المغامرات العاطفية، وبين الضجر واللامبالاة، والأسئلة المطروحة عليه وعلى المجتمع. فإن أهمية هذه المسرحية في أنها تحمل بذور التشيخوفية: الشخصيات المتروكة لأقدارها، اللامبالية، التي تواجه مصائرها بالاستسلام لها.
إيانوف
أما "إيانوف" (من 4 فصول، كتبت عام 1887)، فهي المسرحية الأولى التي لعبت لتشيخوف. وتبدو، في بعض جوانبها، امتداداً لـ"بلاتونوف"، مع نضج لافت في الكتابة والرؤيا. تشيخوف يحكي عنها بنفسه: "إيانوف، شخص نبيل ترك الجامعة ولا يتمتع بشيء لافت: طبيعة سلبية تنساق بسهولة، تنجرف دائماً للشغف، حماسية، مستقيمة، شريفة، ككل الناس المثقفين. وكغالبية الناس والانتلجنسيا، لإيانوف ماض ناصع. فما من نبيل أو تلميذ روسي قديم لا يفتخر بماضيه. لكن الحاضر دائماً من دون ذلك لماذا؟ لكن الطابع العام للحمية الروسية أن يصيبها الوهن بسرعة".
ثم يُعدد تشيخوف أعداء إيانوف "فإلى التعب، هناك الشعور بالذنب، العزلة والسؤال الدائم: ماذا نفعل بأنفسنا، وبالحياة نفسها، وعلينا شئنا أم أبينا أن نحل قضايا، المرأة المريضة، وآخر ديون متراكمة عليه. ساشا تهيم به وهذه قضية. واناس كإيفانوف لا يحلون مشاكلهم، بل ينهارون تحت وطأتها وثقلها".
في "ايفانوف" لقاء بين رجل متزوج (35 عاماً) وفتاة صبية ساشا (20 عاماً). وعليه ان يترك زوجته ليتم قرانه بها. بل وعليه ان يترك كل شيء، عمله، وكل ما يحيط به. يقول لساشا "في الماضي كنت اشتغل كثيراً، أفكر كثيراً، ولم أكن تعباً. الآن، لا افعل شيئاً، لا أفكر بشيء وأنا متعب روحاً وجسداً. أشعر بأني مذنب ولا أتوصل الى الفهم. أسأل لماذا، يضاف الى ذلك مرض زوجتي، والافلاس، بيتي مرعب، والعيش فيه بالنسبة اليّ عذاب". تموت زوجته. ولحظة ذهابه الى الكنيسة للزواج بساشا، وبينما تأخذ هذه الأخيرة على لوف نشره اشاعات سيئة عن ايفانوف سيصرخ هذا الأخير: "ساشا اشكرك" وينتحر بطلقة مسدس.
مع "ايفانوف" يمكن اعتبار ان البطل التشيخوفي قد ولد: محبط، نافل، ضعيف، ممزق. والمسرح التشيخوفي قد ولد ايضاً: مكوناً بايقاع الايام والزمن الذي يمر، مليئاً بالاحداث التي لا تشفي ملل الذين يعانون وحتى الذين يريدون انقاذ الآخرين. تشيخوف هنا وامتداداً الى كل مسرحه يقدم اشخاصاً مقتلعين، يريدون ان يتجذروا، فيسعون الى ابعد من امكنتهم، الى الأمكنة الأخرى. شخصيات مرتبكة "تسكن الهاوية فيها"، وتتحرك في "اللامكان" وتمشي "على الفراغ".
في "ايفانوف" نبرة جديدة تتلخص في تصوير المثقف الروسي، العالق بين تطلعاته لتغيير العالم، وعجزه، وسكونه في عالم رديء.
النورس
"النورس (1895 ـ 1896) يصفها تشيخوف بأنها "كوميديا من أربعة فصول" تدور وقائعها في منزل سورين، وترسم الى حد ما عالم المسرح والأدب والممثلين والمثقفين، على مساحة فيها التناظرات الثنائية في الشخصيات: الكاتب النقي والكاتب الوصولي. الممثلة الشابة العاشقة والممثلة المكرسة النرجسية، الشاب المهمل والصبية التي تحب بصمت. لكن في كل ذلك، وفي هذه الفضاءات من الشغف والانكسارات والأحلام والطموحات، كأنما ينكسر كل شيء ببطء. كأنما يتسرب الملل ومعها التناقض، ومع فقدان البوصلة، كل شيء الى نوع من السقوط. فكأن هذه المسرحية، على ما فيها من شخصيات "ايجابية" رمز الآمال التي تغتالها الحياة.
العم فانيا
هذا العالم المحكوم بالتناقضات، وربما اللاجدوى، أو عالم ما وراء الكواليس، نجده في مكان آخر، وعبر شخصيات أخرى، تعبر عن هذه "الثنائيات"، وأكثر: تعبر عن هذه الانفصالات الكبرى بينها. هو عالم "العم فانيا" (او الخال فانيا) (1897)، عالم مكون من ناس تتحكم بهم علاقات ملتبسة. أو فلنقل تتحكم بهم مشاعر عدم الاحتمال، واليأس، والنهايات، والاحباط، والملل، واللاجدوى. في هذه العناوين المتداخلة بين الشخصيات يبدو سكان نزل سيربرياكوف (استاذ متقاعد) وكأنهم يتحملون بعضهم او فلنقل يتحملون بعضهم بصعوبة ووعورة (باستثناء الدكتور استروف). ايلينا الصبية، زوجة العجوز سيربرياكوف تختصر الجو عندما تقول لفانيا (فوينترسكي)، "ثمة شيء ما في هذا المنزل. امك تكره كل ما ليس بروشيراً. والبروفسور، والبروفسورمتضايق لا يثق بي. ويخاف منكم. سونيا (ابنة سيربرياكوف من زوجته الأولى) غاضبة من والدها ومني ولا تكلمني منذ اسبوعين. انت، انت تكره زوجي وتحتقر امك. انا منرفزة وحاولت اليوم ان أبكي عشرين مرة" (...) نعم! ثمة شيء ما في هذا البيت "فانيا لم يعد يثق بي. ويعتبر أنه وقد بلغ السابعة والأربعين قد انتهى". (..) "انا كائن ضوئي لا يضيء أحداً" وفانيا، بدوره، كون صورة اخرى عن البروفسور: قاتمة. "انه تافه". في مثل هذه العلاقات، او فلنقل "الطاولات المتفرقة" يتعامل سكان المنزل مع بعضهم. يكشفون بعضهم. ثم يغادرونه وتبقى سونيا وفانيا ليكملا عملهما لمصلحة سيربرياكوف. بعد هذه الوقائع والتماسات لم يتغير شيء إلا اليأس الذي صار اعمق". الروائي، الروسي غوركي تكلم عن مسرحية "العم فانيا" في رسالة الى تشيخوف "فانيا بالنسبة اليّ شيء رهيب". فن درامي جديد كلياً. مطرقة تضرب بها رؤوس الناس الفارغة".
تراجيديا الغياب تجسده هذه المسرحية. تراجيديا المراوحة في شروط حياة بلا معنى. ولا هدف. (نستثني الدكتور استروف، الوحيد الذي يحمل انسانية مفتوحة، وكرماً داخلياً، لكنه من دون اهداف. من دون ايديولوجيا.
الأخوات الثلاث
من "بلاتونوف" الى ايفانوف، الى "النورس" فـ"العم فانيا" ينقل تشيخوف عدته ليكتب احدى روائعه "الأخوات الثلاث" (1901).
والأخوات الثلاث: اولغا، ساشا وايرينا، مع اخيهن اندره. مات والدهم قبل عام. وها هن يتطلعن في اتجاه موسكو، بحثاً عن أمل، وحياة أفضل. بمستقبل مفتوح. هذه الهواجس الداخلية المتفجرة، والاحلام، تتبدد، فالحياة تخنق الأخوات الثلاث. لكن في نهاية المسرحية كأنهن يتحدين القدر عندما تتعانق، كعلامة تضامن، وعدم رضوخ، في دلالة تراجيدية واضحة.
بستان الكرز
اما "بستان الكرز" وآخر ما كتبه تشيخوف قبل موته فقد قدمت ككوميديا من اربعة فصول. بطل المسرحية هو المكان: بستان الكرز. وهي تمثل في عمقها طلوع الطبقة البرجوازية متمثلة بالعبد المعتوق الذي اثرى لوباخين. وإذ نشهد احتجاجاً على بيع البستان، وتقطيع شجره، من قبل السكان، الذين عجزوا عن منع بيعه بالمزاد العلني، نجد ان العبد المعتوق الذي فاز به بالمزاد العلني يعمد الى قطع اشجاره... وتحطيبها. المشهد الأخير: السكان جميعهم يرحلون حاملين حقائبهم معهم. انه الرحيل عن الأمكنة، والتعبير عن بداية مرحلة في المجتمع الروسي، متمثلة بصعود البرجوازية والتجارة وتجاوز كثير من القيم الاجتماعية والانسانية والبيئية.
كأن تشيخوف كتب مسرحية واحدة. بشخصية واحدة. وبمكان واحد. وبحدث واحد. وبلعبة واحدة. لعبة العبث، واليأس، والهامشية، والخوف، والاحباط... لعبة ان هذا العالم بلا جدوى، وهذه الحياة بلا جدوى، بالرغم من مشاعر عند بعض شخصياته ببعض القيم المتبقية. كأنه من وراء كواليس اعماله، فصل المسرح عن الواقعية، وجذبه في اتجاه جديد هو الرمزية. انه المفتتح الحداثي الجديد آنئذ. والمفتتح الآخر، اطلالته البعيدة على مجمل الاتجاهات العدمية، واللامعقول، التي وسمت فترة من الثقافة الغربية كالوجودية، والعبثية (بيكيث، يونسكو، هارولد بنتر، ارابال...). انه رائد الحداثة المسرحية بامتياز.


سيرة وأعمال


1860 ولد في 17 كانون الثاني في تاغازوغ على بحر أزو، جنوب روسيا.
***
1877 أول رحلة له الى موسكو وأول نصوص كتبها (Des Miettes)، في اعترافات لشقيقه الكسندر.
***
1881 ـ 1887، نشر نصوصاً في صحف ومجلات بترسبورغ.
***
1884 تلقى علوماً طبيعية في جامعة موسكو تخرج معها طبيباً.
***
1886 بداية التعاون مع ألكسي سوفورين في الجريدة اليومية اليمينية "الوقت الجديد" وكتب فيها قصصا منها "الحزن" و"الساحرة".
***
1887، قدم أول أعماله المسرحية الكبيرة "إيانوف" على مسرح كورتش في موسكو.
***
1890، 21 نيسان غادر الى جزيرة سخالين عن طريق سيبيريا.
***
1891، سافر الى فيينا، والبندقية وفلورنس وروما، وباريس. كانت تلك أول رحلاته الى الخارج ونشر خلالها "المبارزة".
***
1892، صدرت له القافزة "غرفة المستشفى رقم 6" في "مجلة الأفكار"، الروسية، وفي تلك المرحلة صارع مرض الكوليرا، واشترى منزلاً فسيحاً وحقلاً أخضر، وعاش هناك فترة طويلة ودعي المكان "ميليخوو"، وبدأت مرحلة جديدة في حياة تشيخوف.
***
1893، بدأ الأصحاب يتوافدون الى "ميليخوو"، خصوصاً الممثلة ليديا يافورسكايا، ومنذ ذلك الحين صارت رواياته مرتبطة بشخصيتها. كتب "قصة الرجل المجهول". لكنها واجهت انتقاداً كبيراً.
***
1894، سافر الى الخارج (البندقية وميلانو وباريس وبرلين) وأصدر أحد أهم كتبه "كمان روتشيلد".
***
1895، كتب مسرحية "النورس". سافر الى "يزنايا بوليانا". والتقى للمرة الأولى ليون تولستوي. صدر له أيضاً كتاب جزيرة "سخالين".
***
1896، بنى على نفقته مدرسة، وصدر له "منزل مزانين".
***
1897، عمل في مراقبة المكتبات العامة.
في 21 آذار ساءت حاله الصحية فدخل الى المستشفى وزاره ليون تولستوي. صدر له في ذلك العام رواية "الفلاحون". وتابع تطورات "قضية دريفوس" من باريس.
***
1898، بدأ بإصدار أهم أعماله "رجل في جعبة مخزن"، و"لوفيتش". التقى بالممثلة أولغا كنيبر، التي ستصبح زوجته. وفاة والده بعد فترة وجيزة.
***
1899، باع كل حقوق المؤلف خاصته الى الناشر أ.ف. ماركس. التقى غورغي، بونين، كوبرين وكانوا جميعهم في مرحلة البدايات. العرض الأول لمسرحية "العم فانيا" وصدر له كتاب "السيدة والكلب الصغير".
***
1900، انتخب تشيخوف عضواً في الأكاديمية الأدبية في ذلك العام بدأ كتابه مسرحية "الشقيقات الثلاث".
***
1901، عودة الى "يالطا" وزواج مع أولغا كنيبر.
***
1902، انتخب غورغي عضواً في الأكاديمية الأدبية. لكن تعيينه لم يحط بالاهتمام فقدم تشيخوف استقالته. صدور كتابه "الأسقف". زوجته أولغا تقع فريسة المرض.
***
1904، العرض الأول لمسرحيته "بستان الكرز". في أيار تسوء حالته الصحية ويسافر الى ألمانيا. يفارق الحياة هناك في بادن ويلر في 2 تموز. وينقل في التاسع من تموز الى مقبرة "دير العذراء" في موسكو بحضور والدته.
***
1920، العثور على مسرحية غير منشورة له في بداياته بعنوان: "بلاتونوف".