عناية جابر: lt;lt;ماذا تفعلين بيgt;gt;، الاصدار الشعري الجديد والرابع للشاعر والاعلامي زاهي وهبي بعد lt;lt;خطاب الحيرةgt;gt; وlt;lt;صادقوا قمراًgt;gt; وlt;lt;في مهب النساءgt;gt;. في الاسئلة الى زاهي وهبي الشاعر لم نغفل الاعلامي الناجح، فكانت مقاربة في الشعر وفي الاعلام وفي شؤون ثقافية محلية وعربية. أجاب عنها وهبي في هذا الحوار.
ثمة دمعة الشاعر، تتردد في أغلب القصائد، هل الدمع حياتك الخفية وسرّك الشخصي، بعيداً عن الاضواء والنجومية والحياة العامة؟
تعرفين، وُلدت في غرفة ترابية صغيرة في قرية عيناتا الحدودية. في تلك الغرفة كان يتفجر ينبوع ماء كل ربيع، كنا نحفر له مجرى صغيراً قرب الفراش. وكان طائر السنونو يبني عشه داخل غرفتنا وكانت أمي تمنعني من العبث به لأن السنونو مرّغ نفسه بدم الحسين في كربلاء، كما تقول الميثولوجيا، ولهذا بات عنقه أحمر اللون. هذان، الينبوع والسنونو، صديقاي الأولان، وبين الينبوع العذب وعنق الطائر الاحمر يمتد مجرى من الاحزان لا يزال ينساب برفق في الذاكرة والوجدان، ولو شئتِ أن أُعطي عنواناً لحياتي لاخترت كلمة lt;lt;شجنgt;gt; بلا تردد. الشجن ملح حياتي من ألفها الى يائها. دموعي كثيرة، وأحزاني كبيرة، وخلف بريق التلفزيون معاناة كبرى أعيشها كل يوم، ولا تقتصر على مرض والدتي العضال والعذاب اليومي الذي تعانيه. لكني، صدقاً، لا أريد تعريض حزني للضوء، أخشى على حزني أن يُخدش أو ينكسر، لأنه حزن هش مثل شاعره، ولا أريد أن lt;lt;أُربّح الناس جميلةgt;gt; بهذا الحزن لأنه حزن خاص لا يصح أن يتحول الى lt;lt;مشاعgt;gt;. لذا تكون القصيدة أحياناً بمثابة منديل أو حضن، حيث يحلو البوح والاعتراف والبكاء بعيداً عن الأعين والرقباء.
lt;lt;ماذا تفعلين بي؟gt;gt; مجموعتك الشعرية الرابعة. هل ما زال الشعر، كما تقول في احدى قصائدك، هو الكتف الصديقة واليد الممدودة والقلب الحنون؟
أكثر من أي وقت مضى، أشعر بأن الشعر (والكتابة عموما) هو الملاذ الاخير المتبقي على كوكب موحش تزيده التكنولوجيا المعاصرة وحشة بدل أن تزيده حناناً، ويغرق الكائن في عزلته. الجار لم يعد يحتاج الى الجار، والقريب لا يعني له القريب شيئاً، والصديق في خبر كان، حل محل كل هؤلاء الانترنت والموبايل والفضائيات، وسادت القيم الاستهلاكية والمنفعية، وكأن النبل باتت صفة تتنافى مع العصر الحديث، وكم أشعر أحياناً بأن ملاجئ الحرب والغرف السفلية كانت أكثر حناناً من عراء هذا السلم الناقص. وبين وحشة الكوكب وارتباك الوطن، وانصراف الناس كل الى همومه الخاصة، وتقدم الشواغل الفردية (بالمعنى السلبي لا الايجابي) على الاحلام العامة، لا يبقى سوى الشعر قلباً حنوناً ويداً ممدودة وكتفاً صديقة، ولو سمحت لي أن أعطف هذه الاجابة على ما سبقها لقلت لك انني أسميت الحزن lt;lt;الأخ الأكبرgt;gt; الذي علمني الشعر والخجل، الشوق والرماية، الوحدة والاختلاف.
أنت ايضا عاشق في أكثر قصائد مجموعتك، هل في الشعر والحب، ذلك الانتصار للحياة، ثم القدرة على تحملها؟
lt;lt;كلما ضاقت الدنيا اتسع قلبك أكثرgt;gt;. هكذا أخاطب الحبيبة، فعلا يبدو لي الحب فعل الخلاص الوحيد المتبقي، أعني الحب المحرض، الحب المحرر، الحب الذي يمكن ان تُولد منه علاقة إنسانية حارة ونبيلة في عصر بارد وخسيس أو تُولد منه قصيدة في زمن يبدو فيه lt;lt;الخيال الابداعيgt;gt; يتجه أكثر فأكثر نحو lt;lt;فنونgt;gt; الابادة والالغاء. لكن ماذا يفعل الشاعر سوى أن ينتصر للحياة وأن يبشر بالأمل، حتى لو أصابه على المستوى الشخصي بعض الإحباط أو الكآبة مما يجري حوله. لكن علينا lt;lt;أن نربي الأملgt;gt; كما يقول محمود درويش، وlt;lt;اننا محكومون بالأملgt;gt; كما قال سعد الله ونوس. ولعلي من جماعة المبشرين بالأمل، المؤمنين بأن الشعر هو أحد أشكال الانتصار للحياة والدفاع عنها. مرة يدفعني الشعر نحو الحب والحياة، ومرة يدفعني الحب نحو الشعر، لكني لو خيرت بين الحب والكتابة عنه لاخترت الحب بلا تردد، بين القبلة والقصيدة لاخترت القبلة.
هزائم ثقافية
هل يترك لك الاعلام المرئي بما هو متابعة دؤوبة وانهماك مضن، الوقت الكافي لمتابعة الشعر في أصواته الجديدة. هل تتابع الى حد ما المشهد الشعري الجديد في العالم العربي؟
لحسن الظن ان في عملي التلفزيوني جزءاً كبيراً من التواصل مع التجارب الابداعية العربية في مختلف المجالات، ولقد تسنى لي محاورة 400 شخصية عربية حتى الآن بينهم أمثال سعد الله ونوس والطيب صالح وأدونيس ومحمد حسين فضل الله ومحمود درويش وسليمان العيسى وأحمد فؤاد نجم وعبد الرحمن الابنودي وغريغوار حداد ولميعة عباس عمارة وكوليت خوري وسلمى الحفار الكزبري وليلى العثمان وفتحية العسال، والعشرات غيرهم. لذا فإن اتصالاً وثيقاً يقوم بين عملي التلفزيوني والمشهد الثقافي العربي عموماً، فضلا عن كون برنامجي الصباحي lt;lt;قرأت لكمgt;gt; يتيح لي التواصل مع كثير من الاصوات الشابة من الجزائر وتونس وعمان والكويت والاردن وسوريا ومصر ولبنان. وثمة أصوات كثيرة تعجبني وتلفت انتباهي، وعلى عكس الانطباع السائد فإنني من خلال متابعتي أرى علاقة وطيدة بين الاجيال العربية الجديدة والشعر، وان حبل السرة لم ينقطع بعد، ربما كان الإقبال على الشعر كتابة وقراءة أقل في العواصم والمدن الكبرى حيث وسائل اللهو والتسلية، بما فيها التكنولوجيا الحديثة، متيسرة أكثر. لكن الكتاب لا يزال صاحب حظوة عند العرب بشكل عام، أو لأقل عند من يقرأ من العرب، أعني من يجيد القراءة، لأن نسبة الأمية باتت مخيفة.
هل ترى من علاقة بين التردي السياسي العربي والواقع الثقافي؟ هل تنعكس الهزائم السياسية، هزائم ثقافية؟
يسأل صديقي الشاعر عصام العبد الله lt;lt;كيف تكون الامة ذابلة واللغة نضرة؟gt;gt;، انه سؤال إشكالي، تتعدد فيه الرؤى والاجابات. مما لا شك فيه ان زمن النهوض القومي والاحلام القومية، زمن عبد الناصر والوحدة العربية، كان زمن ازدهار فني وثقافي في جانب من جوانبه، لكن نكسة ال67 المستمرة في تداعياتها جاءت لتكشف الغطاء عن الواقع ولتطرح الاسئلة الكبرى على بساط البحث. قد أوافق على بعض ما يضمره السؤال، لكن ماذا أقول عن تجربة مجلة lt;lt;شعرgt;gt;، ماذا أقول عن محمود درويش وشعراء فلسطين، ماذا أقول عن lt;lt;شعراء الجنوبgt;gt; وما تفرع من هذه التجربة، ماذا أقول عن الحركة المسرحية هنا أو هناك في لبنان، أو في مصر، أو في سوريا. ماذا عن سعد الله ونوس. ماذا عن أدونيس. وعن كل الذين يحرّكون المياه الراكدة؟ ألم تخرج معظم lt;lt;الحركات الثوريةgt;gt; في الشعر والفن من رحم الحرب العالمية ومن لحظة انكشاف الفجيعة التي تصنعها السياسات والحروب؟ سؤالك يولد أسئلة تتناسل وتتكاثر كالأرانب، ولا أظن أن أحداً يدّعي امتلاك الجواب، لكن لا شك ثمة رابط بين السياسة والثقافة، ثمة انعكاس متبادل، لكني ميال الى ان اللحظة الابداعية تكون في أحيان كثيرة نوعاً من الرد على الخراب العظيم الذي تتسبب به السياسة والايديولوجيا، أعتقد ان الشعراء والفنانين عموماً، يتقدمون على الساسة والمنظرين وعلى lt;lt;الانبياء الجددgt;gt;!
هل ما زال لبنان برأيك، يكمل ويجدد في ريادته الشعرية؟ وهل توافق على مقولة سيادة فن الرواية وانتشارها على حساب الشعر؟
ما زال لبنان يصارع وهذه ميزة. ففي ظل الركود العربي الهائل، وفي ظل سبات معظم العواصم العربية واطمئنانها الى واقعها، لا تزال بيروت قلقة، متململة، أقرب الى الشك منها الى اليقين، عصية على التدجين والترويض، ومن هذا المنطلق يمكن القول إنها لا تزال رائدة، ومقاتلة ايضا للحفاظ على هذه الريادة. صحيح اننا لا نحظى اليوم بتجربة شبيهة بتجربة lt;lt;شعرgt;gt;. لكننا نحظى بحراك شعري يمتد على خارطة أجيال تبدأ بسعيد عقل ولا تنتهي بغسان جواد وناظم السيد وفيديل سبيتي وبينهم لا نزال نقرأ بول شاوول وعباس بيضون وجوزف حرب ومحمد علي شمس الدين وشوقي بزيع وطلال حيدر وعصام العبد الله ومحمد العبد الله وحسن العبد الله ويحيى جابر واسكندر حبش ويوسف بزي. وكل هؤلاء في رأيي يمثلون نضارة ما وحيوية ما تكمل بعضها البعض وتجدد بعضها البعض وتمنح بيروت نكهة شعرية خاصة تجعلها متقدمة بين المدن بالمعنى الشعري.
مسألة سيادة فن الرواية لا أوافق عليها، مع احترامي للتجارب الروائية المعاصرة على اختلافها وتنوعها، أجد أن المزاج العربي لا يزال أقرب الى الشعر، وان الشعر لا يزال أقدر على الوصول الى المتلقين لأنه يصل بأشكال مختلفة لا تنحصر بالقصيدة والكتاب، على عكس الرواية التي لا تحظى سوى بفرصة الوصول كتاباً مع شبه انعدام الصناعة السينمائية عندنا. لكن لا بد من الاعتراف بأن الرواية العربية قد وهبت أصواتاً وتجارب جديدة رائعة مع أمثال: علوية صبح، احلام مستغانمي، علاء الاسواني، رشيد الضعيف، ربيع جابر وآخرين.
في قصيدتك الى سمير القنطار، هل تستعيد زمن أسرك الشخصي؟ هل باعدت الاضواء واحتياجات الوقت بينك وبين ذلك الزمن؟ هل ما زال يعاودك كحنين نبيل؟
كم أتمنى لو أُقرأ في معزل عن الاضواء وفي معزل عن عملي التلفزيوني، إنني أحيا كإنسان لا كمقدم برامج تلفزيونية. أفرح وأحزن، أضحك وأدمع، أشتاق وأودع، وأعيش كل الهموم والاوجاع التي يعيشها الناس في هذه البلاد، ومنها قضية الاسرى التي توجعني على المستوى الفردي الخاص، وتوجعني على المستوى الجماعي العام، لعل البعض لا يعيش هذه المسائل ولا تشغله ولا تعني له شيئاً فيستغرب كيف لا نزال نكتب لسمير القنطار الأسير، أو لرنا القابعة تحت الاحتلال أو للوركا ومحمود درويش. لكنني أبقى وفياً لكل ما أؤمن به، ولا سيما قضية الاسرى التي لا أعيشها كحنين فقط، بل كمعاناة كبرى أعرف عمق أثرها على من يعيشها، وتعرفين انني وسعت مطرحاً في برنامجي lt;lt;خليك بالبيتgt;gt; لهذه القضية واستضفت الكثير من رموزها: فدوى البرغوثي، ام علي ياسين، سهى بشارة، كفاح عفيفي، محمد رمضان، الشيخ عبد الكريم عبيد، انور ياسين، نبيه عواضة، احمد اسماعيل، ميلا صوفنجي، بسام القنطار وآخرين، وأعرف أنني اكبر بهذه القضية ولا تكبر القضية بي، لكني أفعل كل ما استطعت اليه سبيلا، لأنها قضيتي، ومن هذا المنطلق جاءت قصيدتي الى سمير القنطار والتي هي قصيدة حنونة دافئة بعيدة كل البعد عن الخطابية والشعاراتية اسمها يدل عليها lt;lt;شجرة العائلةgt;gt;.
وحيد
هل تشعر بأنك تقاتل في الحياة وحدك؟ من هم أصدقاؤك فعلا؟ وما هي علاقتك بالسفر؟ وأي المدن أحب اليك؟ ثم أي الشعراء؟ وأي الروائيين؟ وعلاقتك بالسينما والموسيقى؟
وُلدت وحيداً، وعشت وحيداً، صارعت وقاتلت وحيداً وحفرت مكاني تحت الشمس بأظافري وأسناني، lt;lt;تعلمت الشجاعة من امرأة متروكةgt;gt; هذا ما أقوله في قصيدة lt;lt;الأخ الاكبرgt;gt;، هذه الامرأة هي السيدة أمي التي كانت دائماً معي، وكنت حين أراها تصلي الفجر بثوبها الابيض الناصع وبيديها المرفوعتين نحو السماء اشعر ان غرفتنا الترابية الضيقة هي أوسع مكان في الدنيا. حتى اليوم لا تزال والدتي توسع الامكنة الضيقة بصلواتها وأدعيتها ونذورها، ولا تزال تنتصر على المرض بالصبر والايمان.
ربما هو قدر الشعراء يا سيدتي ان يكونوا دائماً وحدهم، وان يكونوا أشبه lt;lt;بدون كيشوتgt;gt;، لكني أعترف بأن الحياة وهبتني أصدقاء رائعين، قلة صحيح، لكنهم قلة مخلصة، من الوسط الثقافي ومن خارجه لدي مجموعة صغيرة من الاصدقاء لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة، لكنها يد ممدودة للمصافحة والشد على يدي حين تدعو الحاجة.
أسفاري كثيرة بحكم العمل، أخشى ركوب الطائرة لكني أسافر وأحب اكتشاف المدن الجديدة، أحب رائحة المطارات، أشم لحظات الوداع واللقاء، وأنتشي حين أضيع بين زحام الناس، وأحب المدن إليّ بعد بيروت، القاهرة وباريس، الاولى لأنها راسخة مطمئنة متسعة لهذه الملايين الكادحة، والثانية لأنها فاتنة مغرية عشقتها من أول نظرة، وشعرت كم انها محرضة على الحب والشعر.
أحب الشعراء الى نفسي المعلم شوقي أبي شقرا، هذا الساحر الناصع النقي الذي لم ينل ما يستحقه من وفاء وإخلاص ونسيه الكثيرون لمجرد انه غادر موقعه كرئيس للقسم الثقافي في جريدة lt;lt;النهارgt;gt;، علما انه صاحب فضل على الجميع، يستحق هذا الرجل أن يُكرم في حياته، أن نطلق اسمه لا على شارع فحسب، بل على مدينة، اسمها مدينة الرحابة والنقاء. وكذلك صديقاي الحبيبان بول شاوول هذا المغسول بالمطر الطاهر، وعصام العبد الله حارس الضحكة وصانعها في آن، وlt;lt;عن بعدgt;gt; أحب محمود درويش وأنسي الحاج.
من الروائيين أحب أرنست همنغواي، وفي مراهقتي قرأت lt;lt;لمن تقرع الاجراسgt;gt; نحو عشرين مرة، يومها كنت أحب ايضا lt;lt;أرسين لوبانgt;gt; وسوبرمان والرجل الوطواط وأفلام الكرتون. كما أحب مرغريت ميتشل ومكسيم غوركي، غادة السمان وغسان كنفاني، علوية صبح ورشيد الضعيف.
من نجمات السينما أحب انجيلينا جولي ويسرا، ومن نجومها أحمد زكي، والفيلم السينمائي عندي بمثابة كتاب، وكتبت قصائد كثيرة متأثراً بأفلام شاهدتها ومنها قصيدة lt;lt;رباعية لجريمة كاملةgt;gt; التي أخذت منها اسم الكتاب lt;lt;ماذا تفعلين بيgt;gt; اذ كتبتها بعد مشاهدة فيلم "in the cut" للاوسترالية جين كامبيون، من بطولة ميغ رايان.
أحب موسيقى الجاز وموسيقى عمر خيرت ونصير شمة وتوفيق فروخ وشربل روحانا، وأحب غناء عبد الحليم وفيروز ومعلومة بنت الميداح من موريتانيا ومكادي نحاس. هؤلاء اشعر انني أقيم حواراً معهم حين أستمع الى موسيقاهم وأصواتهم التي تجعل الحياة أخف وطأة.
- آخر تحديث :
التعليقات