وردت معلومات الى مكتب مكافحة المخدرات المركزي من ضابط الارتباط البريطاني في قبرص حول إرسال مستوعب من فنزويلا الى مرفأ بيروت بواسطة شركة الشحن dnaleS ksreaMوفي داخله كمية من المخدرات نوع كوكايين وهي مرسلة الى جادي محمد حنزة.
وتفيد المعلومات عن احتمال وصول الباخرة بتاريخ 7/1/2003 الى مرفأ بيروت، وقد جرى التنسيق طيلة شهرين بين المرجعين المذكورين حول استثمار هذه المعلومات.
ونتيجة المراقبة والاستقصاءات، تبين أن المدعو فادي حمزة قد اتصل بشركة الشحن، واستوضح عن تاريخ وصول الباخرة الناقلة للمستوعب رقم 9/900206 UKSN، وزودها برقم هاتف خلوي وهو 648914/03. وحضر من ثمّ الى مكاتبها في وسط بيروت وأجرى بعض المعاملات وأودع لديها صورة عن شهادة اخراج قيد افرادي عائد له، ثم كلّف العميل الجمركي الياس الخوري استلام اذن التسليم من الشركة وإنجاز معاملة اخراج المستوعب من حرم مرفأ بيروت.
ولكن من هو فادي محمد حمزة؟
القضية بدأت عندما اتصل المتهم علي حسين المصري في اوائل شهر كانون الثاني 2003 بالمتهم العريف الجمركي محمد هاني هزيمة، وهو على معرفة قديمة به، وطلب إليه موافاته الى منزله في بلدة حور تعلا، ولما اجتمع به طلب مساعدته في اخراج مستوعب من مرفأ بيروت يحتوي على حفارة مرسلة من فنزويلا الى احد أصدقائه، بحسب ما زعم له، فوافق محمد هزيمة خصوصاً وأن علي المصري وعده "بإكرامية"، ثم التقيا مجدداً بعد أيام وسلمه شهادة اخراج قيد افرادي على بياض ليستعمله في المعاملة الإدارية والجمركية الواجب إنجازها لإخراج المستوعب من المرفأ، وأعلمه انه وقع خطأ في بوليصة الشحن في كتابة اسم المرسل إليه وأنه جرى تصحيح الاسم بموجب كتاب مؤرخ في 18/1/2003 من جادي محمد حنزة الى فادي محمد حمزة.
ولما أعلمه علي المصري ان هذا الشخص لا يستطيع الحضور الى بيروت وطلب منه إخراج المستوعب بنفسه بالاستناد الى شهادة اخراج قيد مزورة أو الاستعانة بشخص آخر تم تسليمه هذه الشهادة باسم فادي حمزة بدون صورة شمسية، وأخبره علي ان الحفارة المرسلة في المستوعب تحتوي مخدرات، وعندئذٍ استحسن محمد هزيمة أن يتولى زميله الخفير الجمركي اكرم حمية إخراج المستوعب بموجب شهادة إخراج القيد المزور بعد أن يلصق عليها صورة اكرم.
وبتاريخ 10/1/2003 حضر محمد هزيمة الى مركز عمل اكرم حميّة في شتورا وعرض عليه القيام بالمعاملة الجمركية ووعده بالحصول في المقابل على منافع مالية جمّة ولما استفسر منه أكرم عن محتوى المستوعب أجابه هزيمة انه يحتوي على "بضاعة"، وفهم أكرم فوراً من هذه العبارة المتداولة بينهم للاشارة الى المخدرات، وأدرك حقيقة العملية ومخاطرها فاشترط ان يدفع له مبلغ مئة ألف دولار، فوعده محمد هزيمة خيراً، ونقده على الفور مبلغ مئة دولار، فقط، وطلب إليه تزويده بصورته الشمسية، وبالفعل زوّده أكرم بصورة عائدة له وجدها في منزله وقبل بها محمد بعد أن تفحصها لأنها خالية من أي كتابة في جهتها الخلفية، وقام محمد بإلصاقها على شهادة اخراج القيد الصادرة باسم فادي حمزة وعمد الى تدوين الرقم 773 حي النبي انعام shy; بعلبك، في الخانة المخصصة لرقم سجل نفوس صاحب الشهادة.
واصطحب أكرم حميّة الى مكتبه في بلدة تعلبايا حيث استحصل على صور ضوئية لشهادة القيد المزوّرة، ومن هناك اصطحبه الى بيروت حيث أوصله الى مكتب العميل الجمركي الياس الخوري للمباشرة في اتمام المعاملة الجمركية وسلّمه صورة عن شهادة اخراج القيد ومستندات أخرى عائدة للمعاملة، كما سلّمه هاتف خلوي رقمه 648914/03 لاستعماله في المكالمات المتبادلة بينه وبين العميل الجمركي المذكور بخصوص كل ما يتعلق بالمعاملة.
وفي هذه المرحلة كان أكرم حميّة أطلع رئيسه المباشر النقيب اسكاف بالأمر، وهذا الأخير اطلع بدوره رئيس مكتب مكافحة المخدرات المركزي في بيروت العميد ميشال شكور فطلب منه أن يتابع العملية وأن يطلعه على تطوراتها وأن يتظاهر بالتعاون التام مع محمد هزيمة، وذلك بعد أن جرى إبلاغ النائب العام التمييزي على الأمر الذي وافق على اعتماد إكرم حميّة مخبراً في قضية إدخال المخدرات ونقلها من المرفأ الى الجهة التي سيحددها علي المصري.
وقد تكرس أكرم حميّة مخبراً بموجب كتاب خطي مؤرخ في 20/1/2003 برقم 350/س/2003، بحيث استمر على الاثر، التنسيق السري بين رئيس مكتب مكافحة المخدرات المركزي، وأكرم حمية عبر قيادته، ودأب على إطلاع القيادتين، ساعة بعد ساعة، على تطورات مسرى المعاملة الجمركية الخاصة بالمستوعب.
وثابر أكرم حمية على تنفيذ ما كان يطلب منه محمد هزيمة في صدد المعاملة، فحضر مراراً إلى مقر شركة الشحن وإلى مكتب العميل الجمركي ويسلم لهما صوراً عن المستندات المطلوبة كوثيقة الشحن أو فاتورة شراء الحفارة وعن شهادة اخراج القيد المزورة، منتحلاً بموجبها اسم فادي حمزة.
بيد ان أكرم حمية لم يلتقِ مرة علي المصري إنما علم أن صاحب المستوعب يدعى "علي" من خلال ما كان يسمعه عبر الأحاديث المتبادلة هاتفياً بين محمد هزيمة وعلي المصري، وقد أكد له مرة محمد أن المتكلم معه بشأن المستوعب يدعى "علي" لكنه لم يخبره عن كامل هويته، وكاد مرة أخرى أن يلتقيه عندما خرج من شركة الشحن ـ مارسك سيلاند ـ الكائنة قرب الجامع العمري في بيروت ـ وكان محمد هزيمة في انتظاره بداخل سيارة نوع "نيسان سوني" بيضاء اللون، ولما شاهده، ترجّل منها محمد وانطلق بها سائقها ولم يتمكن من تميزه.
وبعد ان أنجز محمد هزيمة كافة المعاملات الإدارية بواسطة أكرم حمية ولم يتبقَ سوى دفع الرسوم الجمركية للعميل الجمركي رأت قيادة مكتب مكافحة المخدرات المركزي أنه أصبح ضرورياً أن يتم إلقاء القبض على المصري متلبساً بالجرم سيما وأنه أبدى خلال مواكبته إنجاز المعاملات درجة كبيرة من اليقظة والحذر، معتمداً على محمد هزيمة، دون أن يظهر على مسرح تلك المعاملات.
لكن مبالغة علي المصري في الحاجة إلى اخراج المستوعب واستلامه، سيوقعه في قبضة العدالة!
ففي 24/1/2003، اصطحب محمد هزيمة زميله أكرم حمية إلى بيروت لإنجاز المعاملة الأخيرة وهي المعاملة الجمركية، لكنه توجه قبل أن يلتقي العميل الجمركي، إلى المديرية العامة للجمارك في شارع المصارف بناء على استدعائه للبحث معه في تجديد عقد التطوع، ولدى وصوله استبقى اكرم حمية في انتظاره في الشارع العام وصعد هو إلى مكتب أحد الضباط في المديرية المذكورة حيث فوجئ هناك بالعميد شكور والرائد أيمن ابراهيم، وجرى مواجهته بأن المعاملة التي كان يجريها هي قيد المراقبة وأن القيادة على اطلاع وافٍ بالقضية.
وأخضع على الفور للتفتيش الجسدي وضبط بحوزته جهاز خلوي نوع نوكيا رقم 6110 بداخله خط هاتفي رقمه 648914/03 وشهادة القيد الافرادي المزوّرة باسم فادي حمزة وصورة عنها وبوليصة شحن لمستوعب رقم 9ـ602009ـ UKSM وفاتورة شحن الجرافة (يوكلين) كما وجد معه مبلغ أربعة ملايين وخمسماية ألف ل.ل. وإيصال بقيمة مليون وخمسماية ألف ل.ل. بدل معاملة جمركية.
وتبين ان شهادة اخراج القيد باسم فادي حمزة ملصق عليها الرسم الشمسي العائد للخفير الجمركي أكرم حمية، عندئذٍ اعترف محمد هزيمة بصورة شفهية وفورية بأنه فعلاً وراء عملية إتمام ما يلزم من أجل إخراج المستوعب المحتوي على الحفارة والمخدرات من المرفأ لحساب علي المصري، وأقرّ بالوقائع المسرودة أعلاه وأوضح أن علي المصري ينتظر منه اتصالاً هاتفياً بغية تسليمه المستوعب، وقد تم لاحقاً تدوين أقواله في المحضر رقم 79/302 من قبل النقيب باسم يحيى من ضباط مكتب مكافحة المخدرات المركزي.
وفي نفس الوقت ألقي القبض أيضاً على أكرم حمية أمام المديرية العامة للجمارك، بينما كان ينتظر عودة محمد هزيمة، وضبط بحوزته هاتف خلوي رقم خطه 683914/03 المسلم إليه لاستعماله في إنجاز المعاملات مع العميل الجمركي الياس الخوري، كما ضبطت بحوزته صور عن المستندات نفسها التي وجدت مع محمد هزيمة.
وخلال وجود محمد هزيمة في المديرية العامة للجمارك كان علي المصري يكرر الاتصالات الهاتفية به، لحثه على الإسراع في إنجاز المعاملات الأخيرة وجرى الاستماع إلى حديثهما من قبل العميد شكور الذي طلب إلى محمد التذرع لعلي المصري بالحاجة إلى دفع مبلغ إضافي قدره خمسماية دولار أميركي الى العميل الجمركي، فأبدى له استعداده لدفع مبلغ خمسة آلاف دولار بدلاً من خمسمئة، استعجالاً لتسليمه المستوعب، وهو كان خلال محادثته لمحمد هزيمة في حالة اضطراب شديد وكثير الإلحاح على وجوب إنهاء المعاملة الجمركية، ثم أعلن لمحمد عن حضوره شخصياً من البقاع لتأمين المبلغ المذكور، وطلب اليه أن يلتقيه أمام مكتب العميل الجمركي إلياس الخوري، في محيط مرفأ بيروت.
وقد جرى اقتياد محمد هزيمة من قبل عناصر من مكتب مكافحة المخدرات الى المكان المتّفق عليه، وفي تلك الأثناء كان علي المصري، وهو في طريقه الى بيروت، يكثر اتصالات الهاتفية لمحمد هزيمة وكلها كانت تصبّ في موضوع استعجاله تخليص المستوعب، وفي كل مكالمة، كان يحدّد لمحمد، المكان الذي وصل اليه في الطريق، وحوالى الساعة الواحدة والنصف، وصل علي المصري الى المكان المتّفق عليه في محيط المرفأ، وذلك في سيارته نوع نيسان سوني، بيضاء اللون، فتقدم منه محمد هزيمة ودلّه الى مستوعب فارغ وضع على مقربة من مدخل المرفأ، موهماً إياه انه المرسل له، عندئذٍ سلمه علي مبلغ الخمسمئة دولار وفي الوقت نفسه اطبق عليه رجال مكتب مكافحة المخدرات وألقوا القبض عليه وضبطوا بحوزته مسدساً حربياً ومبلغ ستة وعشرين ألفاً وخسمئة ليرة سورية، إضافة الى هاتفه الخلوي ذي الرقم 444124/03 وسيارته التي تحمل لوحة رقمها 258108/ب. وجرى نقله الى مقرّ مكتب المخدرات للتحقيق معه.
وفي التحقيق الأوّلي اعترف كل من محمد هزيمة وأكرم حمية بالوقائع الواردة أعلاه، فيما أنكر علي المصري دوره في عملية استيراد كمية الكوكايين التي وجدت في خزان الحفارة المرسلة بداخل المستوعب، وأصرّ على نفي علاقته به برغم مواجهته بأقوال محمد هزيمة وأكرم حمية وبالعدد الكثيف من الاتصالات الهاتفية التي كان أجراها مع الأول، محمد، وبضبطه متلبساً وهو يسلم مبلغ 500 دولار اليه عن معاملة إخراج المستوعب.
وفي الباحة رقم 15 في مرفأ بيروت وبحضور عناصر من الجمارك ومن مكتب مكافحة المخدرات إضافة الى العميل الجمركي إلياس الخوري، استخرجت الحفارة من المستوعب المرسل الى فادي حمزة، وتم العثور على كميّة من المخدرات في خزان الزيت للحفارة بلغ وزنها 19.50 كيلوغراماً، وقد أرسلت عينة منها الى المختبر المركزي للتحليل وتبيّن بنتيجته انها من نوع الكوكايين.
أصدرت محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضي ميشال أبو عرّاج وعضوية المستشارين أحمد همدان وطانيوس غنطوس حكماً قضى بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة مدة ثماني سنوات، بعد خفضها من المؤبد، في حق علي حسين المصري وتغريمه مبلغ 25 مليون ليرة وسجن محمد هاني هزيمة مدة ثلاث سنوات وتغريمه مليون ليرة لإقدامهما على تهريب كميّة 19 كيلوغراماً ونصف كيلو من مادة الكوكايين من مرفأ بيروت وتزوير إخراج قيد فردي واستعماله.