غزة من محمد مصطفي: انتخبوا القوي الأمين الذي يستطيع أن يحافظ علي الثوابت الوطنية ويدافع عن المظلومين والمقهورين هذا هو الشعار الذي يرفعه المرشحون في انتخابات الرئاسة الفلسطينية التي ستجري يوم الأحد المقبل, في المخيمات والقري والمدن في الضفة الغربية وقطاع غزة تزينت الشوارع وواجهات المنازل بصور المرشحين وشعاراتهم, وبين الناس تنتشر الشائعات ضد هذا المرشح أو ذاك وتساؤلات عن ملايين الدولارات التي ينفقها المرشحون علي الدعاية الانتخابية من أين جاءت هذه الأموال؟
احدي هذه الشائعات تقول: إن الدكتور مصطفي البرغوثي المرشح المستقل في الانتخابات وأقوي المنافسين لمحمود عباس( أبومازن) مرشح حركة فتح تلقي دعما من الخارج لحملته يقدر بنحو4 ملايين دولار أمريكي. معسكر الدكتور البرغوثي نفي هذه الشائعة وبث في المقابل شائعة مضادة تتهم حركة فتح بتجنيد موارد السلطة الفلسطينية التي هي ملك للشعب الفلسطيني لتمويل حملة أبومازن الانتخابية.
سبعة مرشحين سيخوضون ثاني انتخابات رئاسية تجري في الأراضي الفلسطينية منذ قيام السلطة الفلسطينية عام1994, وكانت الانتخابات الأولي قد جرت عام1996 وفاز فيها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بـ88 في المائة من اصوات الناخبين. والمرشحون السبعة هم: محمود عباس( أبومازن) رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية, ومرشح حركة فتح, والدكتور مصطفي البرغوثي سكرتير المبادرة الوطنية الفلسطينية( مستقل), وتيسير خالد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية ومرشح الجبهة, وبسام الصالحي مرشح حزب الشعب الفلسطيني الذي يرأسه, وهو حزب يساري صغير قاعدته الجماهيرية محدودة, والسيد بركة( مستقل) وكان في الماضي من قيادات حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني لكنه انشق عن الجهاد, وعبدالكريم شبير( مستقل) وهو محام, والدكتور عبدالحليم الأشقر( مستقل) وهو استاذ جامعي ـ كما يقول في حملته الانتخابية ـ كان في زيارة علمية للولايات المتحدة الأمريكية وفرضت عليه السلطات الأمريكية الإقامة الجبرية بعد أن رفض الإدلاء بشهادة امام القضاء الأمريكي تدين بعض الجماعات الإسلامية. وبصفة عامة فإن المرشحين السبعة دون استثناء يركزون في شعاراتهم الانتخابية علي محاربة الفساد المالي والإداري, والديمقراطية, وإصلاح اجهزة السلطة الفلسطينية, وتعزيز الوحدة الوطنية, وإطلاق سراح الأسري الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذين يقدر عددهم بأكثر من8 آلاف أسير, والقدس, والدولة الفلسطينية المستقلة, وحق اللاجئين في العودة إلي ديارهم في أراضي48 وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم194.. وهي شعارات وردت في جميع البرامج الانتخابية للمرشحين. يقول يحيي رباح المحلل السياسي الفلسطيني: إن البرامج الانتخابية للمرشحين للرئاسة متشابهة إلي درجة التطابق والخلافات بين المرشحين من هذه الناحية لفظية وبالتالي فإن الناخبين الفلسطينيين سيصوتون لمن يجدون فيه الخبرة والقدرة علي تنفيذ وعوده, ويضيف أن الناخب الفلسطيني يدرك ان الشعارات الكبيرة في برامج المرشحين تحتاج إلي قائد لديه علاقات قوية مع العالم الخارجي, والقدرة علي التنفيذ أو أن ينفذ علي الأقل الجزء الأكبر منها فمنصب الرئيس يحتاج إلي كفاءات وليس مجرد ان يرشح شخص ما نفسه في الانتخابات.
امام المجلس التشريعي في وسط مدينة غزة غطت صور أبومازن وعلي نحو لافت جميع الشوارع وشعارات كثيرة تدعو الناخبين للتصويت لأبومازن: كن شجاعا وانتخب أبومازن.. أبومازن قرار الملايين.. إن شعبنا الفلسطيني يستحق ابومازن.. بعد الختيار ابومازن هو الخيار.. الخ والختيار هو اللقب الذي يطلقه الفلسطينيون علي رئيسهم الراحل ياسر عرفات, وفي الشوارع الأخري تظهر صور باقي المرشحين ولافتات التأييد لهم. ومن الطرائف في الحملة الانتخابية ان إذاعة الشباب التابعة لحركة فتح تركز في دعايتها لأبومازن علي القول: إنه أدي فريضة الحج والعمرة مرات عدة وهو قول يقصد به تفنيد دعاية المعسكر المضاد الذي يروج إلي أن أبومازن بهائي وقد نفي أبومازن بشكل قاطع ان يكون بهائيا وأكد أنه مسلم من عائلة سنية وفي المقابل يروج الفتحاويون من انصار فتح أن الدكتور مصطفي البرغوثي شيوعي ويجب عليه أن يصلي إذا أراد أن يحصل علي أصوات من شعب مسلم.
مصطفي البرغوثي كان في السابق عضوا في المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني وهو حزب يساري يعتبر امتدادا للحزب الشيوعي الفلسطيني السابق, ثم استقال منه وأسس مع آخرين المبادرة الوطنية الفلسطينية وهي حركة هدفها الاصلاح والتغيير والنضال الجماهيري ضد الاحتلال الإسرائيلي والملاحظ هنا ان مصطفي البرغوثي يحظي بدعم وتأييد الدكتور حيدر عبدالشافي الرئيس السابق للوفد الفلسطيني في مفاوضات أوسلو, والدكتور حيدر يعتبره اليسار الفلسطيني الأب الروحي لليسار في الشارع الفلسطيني واستطاع بهذه الصفة أن يقنع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ ثاني أكبر فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية ـ بأن تدعم ترشيح البرغوثي للرئاسة. يقول رباح مهنا عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية: إن الجبهة الشعبية تمثل15 في المائة من الشعب الفلسطيني هكذا يقدرون في الجبهة وزنهم السياسي في الشارع, وعندما تعلن تأييدها للبرغوثي فإنها تتوقع أن يحظي بأصوات العديد من الناخبين ويقول رباح مهنا: إن الجبهة رأت أن البرغوثي هو الذي يعبر عن برنامجها في الاصلاح والتغيير, ومكافحة الفساد والمحسوبية, واستمرار المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي بجميع الاشكال العسكرية والسلمية والشعبية.
غالبية استطلاعات الرأي العام تشير إلي أن المنافسة الحقيقية في الانتخابات بين أبومازن والبرغوثي اما باقي المرشحين فالنسب التي سيحصلون عليها تتراوح بين واحد وثلاثة في المائة, وهنا أيضا مفارقة إذ تتنافس المؤسسات البحثية المحسوبة علي السلطة الفلسطينية وحركة فتح في اجراء استطلاعات شبه يومية تؤكد تقدم أبومازن بفارق كبير علي البرغوثي يصل في بعض الاستطلاعات إلي60% من الناخبين سيصوتون لأبومازن, و20% لمصطفي البرغوثي.
لقد اختار أبومازن بدهاء السياسيين, الطيب عبدالرحيم أمين عام الرئاسة الفلسطينية لإدارة حملته الانتخابية وهو اختيار موفق إذ أن الطيب عبدالرحيم أو ابوالعبد كما يطلق عليه كان من أقرب المقربين للرئيس الراحل ياسر عرفات ويتمتع بعلاقات قوية مع القواعد الجماهيرية في حركة فتح, وبمهارة الطيب وحنكة أبومازن فتحت كل حصون فتح ابوابها أمام ابومازن, التي اعتقد البعض في بداية الانتخابات أنها ستكون مغلقة أمامه, فالظرف الحالي يفرض علي الفتحاويين الالتزام الحزبي والوقوف خلف من اختارته فتح.. في جنين وقلقيلية ورام الله وغيرها من مدن الضفة الغربية بايعت كتائب شهداء الأقصي ـ الذراع العسكرية لفتح ـ أبومازن أما الذين كانوا مؤيدين لمروان البرغوثي أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية والمعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي فقد بايعوا ابومازن بعد أن اقتنع مروان البرغوثي وسحب ترشيحه من الانتخابات وتوجت مبايعة فتح لأبومازن في الاحتفال الجماهيري الحاشد الذي نظمته الحركة في ساحة المجلس التشريعي وسط مدينة غزة مساء الجمعة الماضي في الذكري الـ40 لانطلاقة حركة فتح. إنها المرة الأولي التي يشعل فيها ابومازن شعلة الانطلاقة بعد أن كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يشعلها طوال الأعوام الأربعين الماضية, وما أن رفع أبومازن الشعلة حتي هتفت الجماهير الفتحاوية بأعلي صوت بالروح بالدم نفديك ياأبومازن.. بعد الختيار أبومازن هو القرار. لقد تغير خطاب أبومازن الجماهيري فأبومازن الذي كان يتحدث بدبلوماسية وهدوء يتحدث الآن بلغة الثوار: علي درب الشهيد ياسر عرفات نسير.. لن نهدأ حتي يطلق سراح جميع الأسري.. تحية للشهداء وفي مقدمتهم الشهيد عزالدين القسام.. لن نفرط في ذرة من تراب الوطن.. القدس كما قال أبوعمار سيرفع طفل من اطفالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين علي مساجد وكنائس وأسوار القدس.. حق العودة للاجئين مقدس.. الخ انها نفس الشعارات الثورية التي حلم الفلسطينيون بتحقيقها علي الأرض طوال أكثر من50 عاما فهل ستتحقق إذا فاز أبومازن؟ وهل ستصدق أمريكا ولو لمرة واحدة النية تجاه الفلسطينيين وتقيم لهم دولتهم المستقلة كما يريدونها؟. رسامة الكاريكاتير الفلسطينية أمية جحا استشعرت بحس الفنان حجم الضغوط التي يتعرض لها أبومازن فرسمت بريشتها الكاريكاتير لأبومازن كما تريده إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والعرب..
- آخر تحديث :
التعليقات