تطرح الأحداث اليومية في مصر والتطورات في المنطقة المحيطة بها احتياجات جديدة تستوجب مجموعة من الأفكار التي قد تبدو متناثرة في مواجهة مع المستجدات على الساحتين الوطنية والإقليمية، وقد رأيت أن أكرس هذا المقال لمجموعة من الرؤى والمبادرات في صورة أفكار مختلفة القصد منها ملاحقة التطورات الجارية ومتابعة الأحداث الطارئة وسوف أتقدم في السطور التالية ببعض تلك الأفكار ومن أهمها ما يلي:
أولاً: إن قيام لجنة طوارئ للوحدة الوطنية هو أمر طالبنا به منذ سنوات إذ أنه من غير المتصور أن نترك هذا الأمر شديد الحساسية للظروف العابرة ولا نضع له قواعد مؤسسية تحمي الوحدة الوطنية العريقة من الأحداث الفردية أو التصرفات غير المسؤولة، فأنا ممن يعتقدون مثلا أن «ابنة البحيرة« التي كانت موضعا للجدل ومثارا للخلاف في الفترة الأخيرة هي إمرأة مصرية مقهورة تعرضت لضغوط نفسية شديدة من كافة الاتجاهات وأنا إذ أبدي تعاطفي معها على المستوى الإنساني فإنني أبدي في الوقت ذاته قلقي على الوحدة الوطنية المصرية من مثل هذه الحالات الطارئة وتلك الأحداث الفردية، خصوصا وأنني اعتقد أن نسيج الأمة المصرية هو واحد من أكثر أنسجة الأمم المعاصرة تماسكا وصلابة لذلك فهو مستهدف من قوى خارجية تحاول أن تعبث بذلك التراث المصري العظيم، من هنا فإن اقتراح قيام لجنة الطوارئ الخاصة بالوحدة الوطنية هو أمر يمثل ضمانة لصيانة تلك الوحدة والحفاظ عليها. واقترح أن يكون تشكيلها مشتركا من بعض رجال الأزهر الشريف والكنيسة القبطية وكبار المسؤولين في وزارات الداخلية والعدل والإعلام يضاف إليهم عدد من المعنيين بالشأن العام والمهتمين بقضايا الوحدة الوطنية من حكماء المصريين أقباطا ومسلمين، وترفع تلك اللجنة توصياتها العاجلة الى رئيس الدولة - رئيس كل المصريين - بصورة استباقية بمجرد أن تلوح في الأفق بوادر أزمة طائفية، وقد يقول قائل إن اللجان تعوق العمل الجاد وأنك إذا أردت أن تعطل عملا فما عليك إلا أن تحيله الى لجنة متخصصة وقد يقول قائل آخر إن هناك جمعيات تعمل في نفس المجال - مجال الوحدة الوطنية والإخاء الديني - وهنا أقول إن اقتراحنا مختلف لأنه ينصرف الى أمر هام من أمور الوطن ومصلحته العليا وأمنه القومي، لذلك فإن مثل هذا الاقتراح سوف يؤدي الى المواجهة السريعة مع المشكلات العابرة والأحداث الطارئة على طريق الوحدة الوطنية التي نراها أساسا راسخا في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.
ثانيا: إن إنشاء لجنة عليا للكوارث القومية هي أيضا ضرورة لمواجهة الأحداث المأساوية مثل الزلازل والحرائق والسيول واقترح أن يكون للقوات المسلحة المصرية دور بارز في هذه اللجنة الى جانب هيئة الشرطة وقوات الدفاع المدني بحيث تكون جاهزة للتحرك فورا إذا انهارت احدى العمارات أو وقع حادث مروع لإحدى القطارات أو غضبت الطبيعة «فزلزلت الأرض زلزالها« أو اشتعلت الحرائق في القرى أو اجتاحت السيول بعض المدن وقيمة مثل هذه اللجنة العليا أنها تمثل رصيدا وطنيا متحركا بشكل فوري وعاجل وفي سرعة تلقائية معتمدين على عناصر مدربة تستطيع المواجهة في أقرب وقت وتعفي الوطن من الآثار الأليمة لتلك الفواجع الطارئة، وليس الأمر بدعة كما أنها ليست فكرة جديدة فقد أخذت بها دول عديدة في العالم المتقدم عندما تعلن عن إحدى الولايات أو المحافظات كمنطقة كوارث وتستقبل المساندة الدولية والدعم الداخلي من أجل تقليل الخسائر وإنقاذ الأرواح والقيام بعملية تعبئة شعبية في مواجهة تلك الأحداث الأليمة.
ثالثا: لقد قلنا أنها أفكار متناثرة لذلك فإننا ننتقل الى موضوعات اخرى نستند فيها الى مبادرات فكرية طالما تحدثنا فيها كما اقترحها غيرنا وفي هذا المجال فإننا نشير الى إمكانية تحويل الجامعات المصرية الحكومية الى فترتين أحدهما عامة والاخرى خاصة - وهي فكرة تقترب مما ذكره البعض تحت مسمى (الجامعات الموازية) - وبذلك نستفيد من الإمكانات المتاحة لتلك الجامعات من قاعات مكتبات ومعامل على أن تكون الفترة الأولى للمتفوقين حتى حد معين وبمصروفات قليلة، بينما تكون الفترة الثانية متاحة لكل من يريد أن يلتحق بالجامعة وفقا لاهتماماته وتخصصاته على أن يسدد مصروفات التكلفة الفعلية للتعليم الجامعي الذي يتلقاه، فأنا لا أعرف في العالم حولنا دولة تتعامل مع التعليم الجامعي بنمط ترفي يجعله متاحا للجميع بحيث تحيله نظرية الأعداد الكبيرة الى وضع سلبي حيث يتخرج الجامعيون وهم دون المستوى تماما، على اعتبار أن الشهادة هي في بلادنا نوع من الوجاهة الاجتماعية للتقدم بها عند الزواج كما يجب ألا ننسى أن بلادنا تحتاج الى الفنيين المدربين على التخصصات المختلفة اللازمة لمسيرة التنمية وليست أبدا بحاجة الى الآلاف من حملة الدكتوراه الذين لا يجيدون التعامل مع الأمور التطبيقية والحياة العملية، إنني أظن أن الأخذ بفكرة هذا الاقتراح يمكن أن يحل جزءا كبيرا من مشكلات التعليم في مصر ويفتح آفاقا جديدة أمام أعداد هائلة من الطلاب ويعفي الدولة من دعم لا مبرر له للتعليم الجامعي الذي تتحمل نفقاته ولا تنال فيه ما تستحق من عائد.
رابعا: إن الأحزاب المصرية الموجودة على الساحة السياسية والتي أصبح عددها يقترب من العشرين حزبا يجب أن تدرك أن الحزب ليس جمعية أهلية ولكنه تعبير عن جماعة من المواطنين لهم برنامج مشترك ويسعون للوصول الى السلطة اعتمادا على قاعدة شعبية لازمة لذلك فإن الحزب الذي لا يحصل على مقعد في البرلمان يصبح حزبا لا مبرر لوجوده وهو الأمر الذي يدعو الى إعادة النظر في المصداقية الجماهيرية للأحزاب التي يتكرر افتقادها لمقاعد في الانتخابات النيابية وعجزها عن تمثيل الشارع السياسي لأنها تكون في هذه الحالة أحزابا ورقية يحرص رؤساؤها على الوجاهة الاجتماعية في المناسبات الرسمية بينما هناك قوى سياسية فاعلة لا تجد المنبر الشرعي لتمثيلها السياسي لذلك فنحن نأمل أن يكفل قانون الأحزاب الضمانات التي تحقق الجدية وتضمن الفاعلية للأحزاب بدلا من أن تكون نوعا من الديكور السياسي الذي يختفي وراء وجود إعلامي يتمثل في صحيفة لا تضيف للحياة السياسية جديدا، ونحن نعتقد أن تاريخ الأحزاب السياسية في مصر لم يكن مشجعا وقد حان الوقت الذي توجد فيه حوافز وطنية تدفع بالمشاركة السياسية الى الأمام من خلال برامج واضحة وقيادات واعية ومبادرات جديدة على نحو ينهي السلبية واللامبالاة اللتين نشكو منهما.
خامسا: إن تقاليد الزواج والوفاة في مصر وطقوسهما - على اختلافها - تحتاج الى مراجعة واعية وفكر اجتماعي جديد فحفلات الزفاف أصبحت عبئا حقيقيا على من يدعى إليها، صخب وضجيج، تلوث سمعي وبصري كامل، وعجز عن الحديث حتى بين من يجلسون على المقاعد المتجاورة، وقد لا يتاح للمدعوين أن يروا شيئا مكتفين بالمشاركة في تحمل حالة الإزعاج التي تكاد تصيب الناس بالصمم المؤقت ويا سوء حظه من جاءت جلسته قريبة من إحدى سماعات الصوت إنه سوف يصاب بصداع يلازمه ليلته وهو الذي جاء ليجامل أقارب أو أصدقاء وليشارك في مناسبة سعيدة! فلماذا لا نفكر في صيغة حفل استقبال مشترك على أنغام الموسيقي الهادئة بحيث يقف الزوجان الجديدان وأسرتاهما لاستقبال الضيوف في جو تسوده البهجة الحقيقية والألفة المطلوبة ويتمكن فيه الجميع من تبادل الأحاديث وإظهار روح المجاملة وفي ذلك توفير لنفقات لا مبرر لها وارتقاء بتقاليد نريد إرساءها ونبذ عادات نسعى للتخلص منها، أما ما يحدث في سرادقات العزاء فإنني اعترف بأنه قد بدأ يتطور الى الأفضل فعزاء النساء أصبح ملاصقا لمكان عزاء الرجال حتى يتمكن الجميع من التعبير عن مشاعرهم في ذات الوقت بدلا من التشتت بين السرادق ومنزل الفقيد، بل إننا نتوقع يوما يوجد فيه الرجال والنساء القادمون والقادمات للعزاء في نفس المكان، ولا بأس هنا من تخصيص جانب للنساء أسوة بما يفعله الأخوة المسيحيون في المناسبات المثيلة، وأرجو ألا يتصور البعض أن هذه قضايا هامشية أو موضوعات ثانوية إذ أن أصعب ما نواجهه في بلدنا هو التحول الاجتماعي لأنه بطيء بطبيعته فهو ليس كالتطور السياسي أو الإصلاح الاقتصادي اللذين يمكن تحقيقهما بمجموعة من القرارات أو الإجراءات حيث أن واقع الأمر يؤكد أن التحول الاجتماعي عملية بطيئة تخضع لظروف كل منطقة ومدى استعداد جماهيرها لتبني هذه المظاهر الجديدة التي تتماشى مع روح العصر وطبيعة الأشياء . هذه أفكار متناثرة نطرحها للحوار في محاولة للتحريض على التفكير وتوسيع دائرة الرؤية والانطلاق نحو تحديث المجتمع لمواكبة ظروف الحياة المعاصرة.