في كتابه “أمة في شقاق: دروب كردستان كما سلكتها” يروي جوناثان راندل الحكاية التالية، يقول: شرح لي كاتب ومثقف كردي من السليمانية طبيعة المصالح المشتركة القائمة بين الأكراد والأمريكيين قائلاً: إنه زواج عقد في الجنة، لأننا نملك النفط ونريد الديمقراطية وفي أمريكا لديكم الديمقراطية ولكنكم تريدون النفط”.
لن ألتفت إلى منطق التبادل الذي يحكيه ذلك المثقف الكردي الذي يجعل من الديمقراطية سلعة قابلة للتبادل مع النفط، والذي يفضح الخلفية الثقافية التي ينهل منها ليس المثقف الكردي وحده بل المثقف العالمثالثي. من هنا فإني أيمم وجهي باتجاه عقد الزواج ذاك، فمنذ أن شرع الأكراد والأمريكيون بخطب ود بعضهما بعضاً، قبل وأثناء وبعد احتلال العراق، والأكراد يتصرفون وكأنهم شركاء في الاحتلال وليس كمواطنين عراقيين عليهم مقاومة الاحتلال.
إن منطق الشراكة، الذي يأخذ صيغة “عقد في الجنة”، هو الذي يفتح شهية الأكراد على ركاكة إيديولوجية ما ملت من الحديث عن الخطوط الحمر، فالعلاقة مع “الإسرائيليين” هي خط أحمر، فعلى مسار طويل يمتد من ستينات القرن المنصرم وإلى الآن، ظلت العلاقة مع “الإسرائيليين” في تحسن مطرد، وعندما سئل الملا مصطفى البرزاني من قبل مجموعة من النسوة الفلسطينيات كما يذكر جوناثان راندل عن الكيفية التي يبرر فيها علاقته مع “إسرائيل”، راح يصف نفسه بأنه مثل “شحاذ السليمانية الأعمى” الذي لا يسأل عن هوية من يضع في يده قطعة من النقود، ولم يكتف جوناثان راندل في التوصيف الدقيق لتلك العلاقة، بل جاءت مقالة سيمور هيرش في النيويوركر 9/4/2004 لتتحدث عن وجود “إسرائيلي” يفوق في مداه في ما بات يعرف ب “كردستان” العراق، ليصل إلى التجسس على الداخل الإيراني، وكركوك خط أحمر كما صرّح مسعود البرزاني أثناء زيارته إلى دمشق بتاريخ 20/10/2004 بقوله “كركوك خط أحمر وهي جزء من كردستان ومن الهوية الكردية” و”هي قدس من الأقداس”. ومع أن القائد الكردي يعرف جيداً، أن كركوك هي غنيمة حرب وهي جزء من صفقة عقد الزواج وأنها لم تكن في يوم من الأيام جزءاً مما يسميه ب “كردستان”، إلا أن ما يلفت النظر هو ولع القادة الأكراد والمثقفين المؤدلجين معاً، بكثرة الخربشة باللون الأحمر، ولهذا فقد تجاوز الأكراد في سياق الانتخابات العراقية القائمة الآن كل الخطوط الحمر في ما يتعلق بكركوك فدفعوا بآلاف الأكراد إلى المدينة وهجروا آلاف العرب منها في سعيهم إلى تغيير ديمغرافية المدينة وهذا ما يرقبه الأتراك جيدا كما صرح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته عبدالله غول بعد أن نسي العرب كركوك وباتوا من أكلة اللوتس كما تحدثنا الميثولوجيا الإغريقية. و ما يلفت النظر أيضاً أنه حتى العلاقة مع العرب باتت موضوعة تحت خط أحمر ففي سياق حملة الانتخابات العراقية التي تجرى تحت بيادق الاحتلال، صرح نوشروان مصطفى وقبله نيتشرفان برزاني رئيس حكومة اربيل وابن شقيق مسعود البرزاني، بأن هناك ثلاثة خطوط حمر بالنسبة إلينا إذا تم تخطيها لن نعود عراقيين: إذا لم يقبل العرب مبدأ الفيدرالية، فلن نعود عراقيين، وإذا أقاموا نظاماً دينياً، فلن نعود عراقيين، وأخيراً يجب إعادة الأراضي الكردية إلى كردستان “لا بل إنه وفي إطار سعيه إلى تعديل عقد الزواج مع الأمريكيين رأى “إن الحكومة المركزية هي التي تسيطر على نفط كركوك وهذا يجب أن يبدل”.
الحجج الثلاث التي يسوقها المسؤول الكردي والتي يعج بها الخطاب السياسي الكردي وتلهج بها الصحف الكردية تفتح الباب على مصراعيه لانفصال الأكراد بعد أن يغنموا كركوك وذلك كشرط لإتمام عقد الزواج الذي يتم فيه تبادل الديمقراطية بالنفط. والذي يتتبع الأحداث في العراق، يجد أن الأكراد يقومون بحرب أنفال كردية جديدة في العراق على غرار ما فعل بهم النظام العراقي السابق، إنهم يقومون بتهجير مئات الآلاف من العرب وهذا ما ذكرته بدقة التقارير الدولية. لا بل إن البرزاني صرح بأن هناك 300 ألف مهجر كردي يعودون إلى بلادهم. ويقول واقع الحال اليوم إنه تم زج مئات الآلاف من الأكراد في كركوك، من أجل تغيير ديموغرافية المدينة لمصلحة الأكراد.
ما يلفت النظر في الخطاب السياسي الكردي، أن هذا الخطاب، يجعل من عراقية الأكراد منة يمنون بها على الشعب العراقي، وفي رأيي، أن هذا يعكس رغبة الأكراد كما أسلفت بالانفصال وأيضاً مخاوفهم مما بات يعرف بالمثلث السني بحجة أن المقاومة لمشروعهم وللمشروع الأمريكي تتم من هناك وأخيراً من الدولة الدينية التي يزمع الشيعة بناءها كما يقولون.
قديماً قالت العرب “صهر الأمير أمير”، ومبروك على القادة والمثقفين عقد الزواج مع الأمريكيين، لكن الخوف أن الأمريكي مزواج ومغرم بتعدد الزوجات ولم يسبق له أن وقع في غرام الأكراد، فقد سبق له أن عقد أكثر من عقد زواج في الجنة مع الأكراد ولكنها العقود التي باءت بالفشل، والسبب بسيط، وهو أن الأمير الأمريكي البراجماتي لا يريد لعهوده أن تدوم ولا لمواثيقه، فلا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة كما يقول مذهبه. وهنا مكمن الخوف الذي يفرض على الآخرين وفي مقدمتهم الأكراد أن يراجعوا حساباتهم دوماً، مع من يتبادلون معه سلع النفط والديمقراطية.