عندما وقفت داليا اتسيك الوزيرة الجديدة، في حكومة ارييل شارون، ليلة أمس على منصة الكنيست تؤدي يمين قسم الوزارة، سمحت لعبارات المجاملة والاستلطاف من زملائها بالمرور، وأكثر من هذا عندما نزلت عن المنصة احتضنت بعضهم، منتشية بعودتها، إلى كرسي الوزارة.
ولكن ذلك لم يعكس إلا قمة جبل الثلج بالنسبة الى اتسيك، المعروفة بذكائها وقسوتها ولسانها الحاد الذي لا يتوقع أن يسلم منه رئيسها الجديد شارون.
وبعد الجلسة البروتوكولية للكنيست، استوقفها احد الصحافيين قائلا:
*أراك تعبة يا داليا..
فأجابت مثل نمرة متوثبة للهجوم وهي تكمل سيرها:
*وما دخلك أنت؟ تعبة أو مريضة؟ هل أنت طبيب؟ لماذا تسأل؟
ويكشف رد داليا الغاضب والعفوي والمستفز وعدم خشيتها من الكاميرات التلفزيونية، طبيعتها كسياسية، أكثر من الابتسامات التي يمكن أن توزعها في المناسبات البروتوكولية.
وتحب اتسيك أن تروج صورتها كسيدة جادة وحازمة وصحابة مبادىء، وحتى صورتها على موقع الكنيست الالكتروني ترتسم عليها علامات الجدية.
واتسيك (52) عاما متزوجة وأم لثلاثة أولاد، دخلت المعترك الحزبي قبل أكثر من عشرين عاما ونشطت في نقابة المعلمين، وانتخبت في مجلس بلدية القدس وشغلت منصب نائب الرئيس، وعملت في خدمة رئيسها تيدي كوليك الذي أنجز مهاما كبيرة لتهويد المدينة المقدسة وضم ألاف الدونمات إليها من الأراضي التي احتلت عام 1967، ومع ذلك كان يظهر كرجل سلام.
واستفادت كثيرا من أستاذها كوليك، الذي نفذت معه سياسات تمييزية ضد السكان العرب في القدس ومنها سياسة التطهير العرقي في المدينة.
ودخلت الكنيست عام 1992 على قائمة حزب العمل وتولت رئاسة لجنة المعارف، وصعدت بسرعة في السلم الحزبي، واحتلت المكان السابع في قائمة حزبها لانتخابات عام 1996، وعينت في حكومة أيهود باراك وزيرة للبيئة.
وهي الآن عضو بارز في حزب العمل وسبق أن شغلت مناصب وزارية، مثل وزارة الصناعة والتجارة، وأثارت كثيرا من اللغط خلال توليها ذلك المنصب ربما أبرزه عندما قرر شيمون بيرس، وزير الخارجية في تموز (يوليو) 2002، تعيينها سفيرة لإسرائيل في بريطانيا.
ووافق شارون على القرار، ولكن داليا ترددت في قبوله ورأت فيه وجهين: إطراء لها وتحديا في الوقت ذاته.
وتوجهت لأسرتها تشاورها فتحمست لهذا الاقتراح، ولكن قطع عليها حبل تفكيرها الاحتجاجات من قبل موظفي وزارة الخارجية.
وأعلن الموظفون عن سلسلة خطوات احتجاجية لما أسموه بالتعيين السياسي لاتسيك في منصب السفيرة، وان قرار بيرس ليس مهنيا.
وتواصل غضب الموظفين الذي بدا غير مسبوق، فشعرت داليا انه يجب أن ترفض القرار، وان الرياح المقبلة من وزارة الخارجية اشد من ان تتحملها، خصوصا وان مبررات الرفض لدى الموظفين كانت مقنعة إلى حد كبير مثل أنها لا تجيد الإنجليزية، وأنها كانت تمتنع بصفتها وزيرة عن الالتقاء بنظراء لها وعدم الأداء في مقابلات صحافية، بسبب اللغة الإنجليزية.
وعادت داليا لتلعب في الميدان الذي تعرفه جيدا وشهد صعود نجمها وهو حزب العمل، وخلال المؤتمر الذي عقده الحزب في الأول من تشرين الأول(أكتوبر) 2002، إلى نجمة بين عتاولة الحزب وأقطابه من الحجم الثقيل.
وهاجمت داليا رئيس الحزب آنذاك، بنيامين بن إليعيزر الملقب بفؤاد، لممالاته لشارون الذي لم يسلم من لسانها هو أيضا.
وأدت سلاطة لسانها إلى أن يقول فؤاد هذا، وهو عسكري ووزير دفاع سابق انه بكى عندما سمع كلام داليا اتسيك.
وقال "حرصت وانأ استمع الى داليا أن يكون المنديل بجانبي حتى أستطيع تجفيف دموعي".
واستطاعت بكلامها الفظ ضد فؤاد أن تضعه تحت جناحها وهو ما تبين خلال الأشهر التالية، ففي التاسع من شباط (فبراير) 2003، انتخبت الكنيست الليكودي رئوفين ريفلين رئيسا لها، بتصويت لم يواجهه إشكالات، ولكن في اليوم نفسه وفي مكان آخر في أروقة الكنيست جرت انتخابات أكثر حدة لرئاسة كتلة حزب العمل حيث فازت داليا بمنصب رئيس كتلة حزب العمل في الكنيست متغلبة على زميلها ايتان كابل مرشح عمرام متسناع رئيس الحزب.
وساهم في نجاحها ما تلقته من دعم بنيامين بن اليعيزر (فؤاد) الذي كانت أبكته سابقا.
ولم يتدخل عمرام متسناع رئيس الحزب آنذاك في الانتخابات لمصلحة مرشحه، على الرغم من أن انتخاب اتسيك رأى فيه المحللون أن أعضاء حزب العمل في الكنيست لم يعودوا في "جيب متسناع".
وهكذا استطاعت أن تجمع داليا قطبي الحزب في "جيبتها" هي وهو ما لم ينجح فيه أبدا أي من زملائها الرجال.
ولكن طموح داليا لم يتوقف عند هذا، فاخذ أقطاب حزبها يتساقطون أمامها بشكل مريع، وبتاريخ 12 أيار (مايو) 2003، استقال متسناع من رئاسة حزب العمل، وابلغ رئيس الكنيست بإنهاء وظيفته رئيسًا للمعارضة، وعين داليا إتسيك مكانه.
وأصبحت داليا زعيمة للمعارضة في مواجهة شارون، وعرفت بتقديم اقتراحات مثيرة للجدل للكنيست، الاقتراح بتعديل صيغة قانون تمويل الأحزاب بشكل يمكّن حزب العمل من جمع تبرعات من الداخل والخارج، للخروج من ضائقته المالية.
وقالت إتسيك إن حزب العمل يمر بضائقة مالية خانقة، وان ديونه بلغت 120 مليون شاقل.
واقترحت تكليف خمسة من زملائها أعضاء الكنيست عن حزب العمل وسط أعضاء الليكود من اجل تمرير القانون وأرادت بشكل خاص إقناع شارون ورئيس الكنيست.
وقالت في اجتماع حزبي "سنتعرض خلال اليومين المقبلين إلى انتقادات من كل حدب وصوب، لكن ذلك لا يخيفني، ما يهمني فقط، هو الحصول على الأموال من أجل إنقاذ الحزب".
وكانت مبادرة لتقديم قانون لإخلاء مستوطنات غزة، وذهبت لهذا الغرض في تموز (يوليو) 2003، مع زملائها إلى غزة للتجوال هناك، ولكن من دون شيمون بيرس الذي منعه جهاز الأمن العام (الشاباك) لأسباب أمنية.
وقالت خلال الجولة إنها "تهدف إلى إظهار المنطق اللاعقلاني في استيطان الإسرائيليين في قطاع غزة"، مقترحة تحويل أموال الاستيطان للأرامل والصحة والتربية والخدمات الاجتماعية.
وأرسلت رسالة مبكرة لشارون انه إذا نوى إخلاء المستوطنين فستدعمه، وهو تجسد ليلة أمس بدخول داليا اتسيك وزملائها من حزب العمل في حكومة شارون، على أساس تنفيذ خطة الإخلاء، ولكن ذلك لن يمنع أن تسبب داليا إزعاجا لشارون المعتد بنفسه، ولكنه سيواجه تحديا هذه المرة من سيدة تخفي ملامحها الطفولية نمرة دائمة التوثب.
وربما تحلم، أن تثب يوما، فتجد نفسها في المنصب الأول في دولة إسرائيل، ويكون على العرب أن يواجهوا غولدا مئير جديدة.