طلحة جبريل من الرياض: ذلك الصباح جاء الصحافيون الغربيون بكثافة. كان موعدنا في اللقاء اليومي الذي تنظمه وزارة الثقافة والاعلام مع وزير البترول علي النعيمي. كان الوزير يتحدث وبجانبي مراسل إحدى الوكالات الغربية ينقل ما يقوله النعيمي من أخبار وارقام من هاتفه المحمول مباشرة الى حيث توجد قاعة التحرير.
قال النعيمي إن انتاج السعودية الحالي يصل الى 12 مليون برميل يومياً. بعملية حسابية بسيطة يصبح الدخل اليومي للسعودية من النفط ، على اساس 40 دولاراً للبرميل ، 480 مليون دولار يومياً . وفي الشهر 14 مليار و 400 مليون دولار . ... وفي السنة ...يكفي .ما شاء الله .
ذهبت بعد الندوة الصحافية الى فندق الانتركونتننتال . بقيت هناك ساعات . لم يكن متاحاً العودة الى فندق " ماريوت" . شبعنا عصيرا واحتسينا عدداً لايحصى من كاسات الشاي . قبل العودة كتبت تقريراً . في المساء اقفلت راجعاً الى الفندق .
كنت جائعاً ، ذهبت الى المطعم حيث يوجد اصدقاؤنا الهنود يشرفون على الأكل ، لكن موظفاً في وزارة الاعلام جاء ملحاً يخبرني ان قناة " الاخبارية" السعودية تقترح لقاءً مباشراً لن يتعدى ربع ساعة . كان ودوداً ولطيفاً ، لم أجد بداً من الاستجابة . تركت الأكل هناك . قال إن سيارة جاهزة ستذهب بنا الى حيث استديوهات التلفزيون.
إجراءات أمن صارمة أمام مدخل البناية . وجدت اثنين من موظفي العلاقات العامة ، ثم الى استديو الاخبار. بناية التلفزيون ضخمة باذخة . قيل لي إنها تضم القناتين الاولى والثانية(بالانجليزية) . القناة الاولى هي اكثر قناة يشاهدها السعوديون على الرغم من ان السماء تمطر فضائيات. هكذا قيل لي . الناس تريد ان تعرف اخبار البلد قبل أخبار الشيشان واذربيجان وافغانستان .
وجدت شباناً لطفاء من الفنيين والمخرجين . اسقط في يدي حين قالوا لي إن البرنامج حواري مباشر وان مدته في حدود ساعة زمن . إذن الامر ليس دردشة في حدود ربع ساعة بل حواراً مطولاً تحت أضواء الاستديو .
باشر الحوار مذيع مقتدر يدعى عبدالله افندي . كان ذكياً في طرح الاسئلة وبارعاً في إدارة دفته.
وعلى الرغم من الجوع والتعب فإن الحديث استمر حيوياً متدفقاً . هكذا اعتقدت . كان الموضوع حول مؤتمر الار هاب .
عدت الى الفندق عند منتصف الليل . في الرياض يبدأ السهر عادة بعد ذلك.جلسات سمر ونقاش.
رحنا نتسامر زملاء صحافيين وبعض الموظفين المسؤولين عن الجوانب التنظيمية . دار نقاش حول الحدث الذي كانت تنتظره الرياض بعد المؤتمر ، أي الانتخابات البلدية. الجميع كان يتحدث عن تيارين يتصارعان في الانتخابات ، "ليبراليون" ومحافظون" .
هذا النقاش سيصبح محوراً لاحاديث في عدة مجالس من بعد .
لاحظت ان الجميع ينفرون من لفظة" علمانيين" . كانت وجهة نظري في النقاش أن
العلمانية ليست رديفة للإلحاد بل هي أطروحة تقول في بساطة إن الدين مقدس وأزلي وان السياسة زمنية بشرية ، وتقول أيضاً ان في الخلط بينهما تدنيس للدين وتقديس للسياسة.
تحدثنا طويلا حتى تعبنا واصبح الكلام متعتعاً .
صعدت الى الغرفة وكان فجر الرياض قد سقط مثل كرة بلاستيكية . سقط في غفلة منا .
من نافذة الغرفة بدت لي المدينة تلفها غلالة من الضباب ، تعجبت من أين جاء الضباب ونحن في قلب صحراء نجد.
آويت الى الفراش . تعاركت قليلا مع الغطاء الذي يحشرونه بكيفية تجعل من سحبه أمراً شاقاً.
ثم ...نمت.
التعليقات