الاردن: جدران العاصمة عمان ما زالت تشهد حراكاً على صعيد إعلام الشارع، ويبدو أن هذا الحراك هو جديد من نوعه ويختلف عن نوعية ثقافة الجدران العامة التي كانت سائدة فترة العقدين الأخيرين حيث كانت جدران الحارات والأحياء الشعبية خاصة في المنطقة الشرقية من العاصمة تمتليء بشعارات الدعم لصمود الأهل في فلسطين المحتلة أمام الاحتلال الإسرائيلي، فيما يستطيع المتفرج على جدران مدارس الثانوية والإعدادية الجمل والعبارات التي تحمل مظاهر الإعجاب في العلاقة بين شباب وفتيات العاصمة.

ومنذ بداية العام 1995 بدأت تظهر رسومات وعبارات وشعارات ذات طابع مختلف يعبر عن إعجاب الشباب الأردني بالفرق الأجنبية العالمية والمطربين الأجانب المعروفين، كذلك بدأت في الانتشار رسومات ما يطلق عليهم بـ "الستنك" أي عبدة الشياطين خاصة في الأحياء الغربية من عمان.

واللافت للنظر أن الطقوس التي تمارسها مجموعة من الشباب يعتقد بأنها طقوس خاصة بعبدة الشياطين كانت تمارس بشكل سرّي وحذر للغاية بحسب ما روته عدة تقارير نشرت في الصحافة الأسبوعية المحلية، كذلك لم يكن من الملاحظ رسومات تلك المجموعة على جدران العاصمة إلا بشكل قليل، غير أن الأمر أصبح أكثر انتشاراً بالنسبة لهؤلاء الذين يقومون برسم شعارات عبدة الشياطين بجرأة وبدقة فنية عالية أيضاً كما هو واضح في أعمالهم الجدارية المستمرة.

إيلاف التقطت مجموعة من تلك الرسومات وسألت إحدى منازل أحد الأحياء التي يترك بها عبدة الشياطين آثار طقوسهم حيث كانت الإجابة "نحن لا نعلم تماما ما الذي يفعله هؤلاء خاصة في وقت ما بعد منتصف الليل" وبالنسبة للرسومات فقد أجاب العديدون من أهالي الحي أنهم لا يعرفون عن أي شيء تعني.وفي السادس من حزيران الماضي، حصل تجمع لمجموعة من الشباب والفتيات غرب العاصمة وبدأوا بممارسة طقوس عبدة الشياطين وفي موقع عام، حيث يتخذ هؤلاء تاريخ 6/6 من كل عام رمزاً زمنياً لهم تقام فيه الطقوس والاحتفالات الشيطانية، إلا أن أهالي المنطقة قاموا بإبلاغ الأمن العام الذي قدم إلى الموقع وقاموا بتفريق الشباب وإنهاء ما كان على ما يبدو سيستمر إلى أكثر من تناول الكحول وإقامة طقوس عبدة الشياطين.

وقبل عامين تقريبا قامت الأجهزة الأمنية الأردنية بالقبض على مجموعة من عبدة الشيطان، بعد ضبطهم في إحدى قاعات الاحتفال في منطقة عبدون، إحدى ضواحي عمان الغربية، وهم يمارسون طقوسا غريبة ويرتدون ملابس فاضحة، ويتقلدون بسلاسل من ذهب، ويقومون بالرقص بطريقة مثيرة على أنغام موسيقى غربية صاخبة بعد أن شكلوا ظاهرة أصابت المجتمع الأردني بالاستياء.

وقد استقبل الشارع الأردني الإجراءات الأمنية بترحيب بالغ، وأصبح المواطن الأردني يتمنى استمرار حملات المداهمة التي تواصلت على أماكن تجمعات الشباب والمحلات التجارية التي تقوم بتوزيع أشرطة الفيديو وأقراص CD التي تروج لأفكار وطقوس عبدة الشيطان.

وحاول العديد من الصحافيين الأردنيين التحقيق والدخول إلى بؤر هذه الجماعة إلا أن غالبية محاولاتهم باءت بالفشل نتيجة الكتمان والحذر الشديد الذي يتمتع به أتباع هذه الجماعة، إذ أنهم لا يسمحون لأي شخص بالدخول إلى أماكن إقامة طقوسهم إلا بعد التأكد من صدق انتمائه لعبدة الشيطان من خلال علامات يستطيعون هم أنفسهم تمييزها، بالإضافة إلى أنهم يعرفون بعضهم بعضا ويلتقون بشكل مستمر وغير لافت للنظر.

وكانت سلطات الأمن الأردنية قد رصدت التحركات المشبوهة لأعضاء تنظيم عبدة الشيطان في الملاهي الليلية، وقاعات اثنين من الفنادق الكبرى، ومقهى كبير للإنترنت، ومطعم شهير للبيتزا، بالإضافة إلى التجمعات الشبابية في منطقة عبدون، بعد أن أعلن عبدة الشيطان عن طقوسهم بشكل علني ورسموا شعاراتهم على جدران المنازل، وقاموا بتوزيع أقراص CD تروج لأفكار الجماعة وطقوسهم، وموسيقى (البلاك ميتال).

وأفادت مصادر إعلامية أن هذه المطبوعات الإلكترونية تم تهريبها من الخارج، وقد أعلنت دائرة المطبوعات والنشر الحكومية الأردنية عن مصادرة نحو ألف شريط فيديو، ومئات أقراص الكمبيوتر التي تروج لأفكار طائفة "عبدة الشيطان" في حملة على مراكز التوزيع، وأغلقت مديرية المصنفات المرئية والمسموعة بالأردن (17) محلاً لبيع هذا النوع من الأشرطة، وقيامها بأعمال القرصنة، فضلاً عن تداول أشرطة تحتوي على ممنوعات أخلاقية ودينية، لكن أعيد فتح تسعة محلات منها بقرار من المحكمة، ورغم هذه الحملات مازالت بعض الأشرطة والاسطوانات بين أيدي الشباب في مناطق الشميساني وجبل الحسين.

وتذكر المصادر أن أتباع جماعة عبدة الشيطان قد ظهروا في الأردن منذ خمس سنوات، وألقت أجهزة الأمن الأردنية القبض على عدد من أتباع الجماعة واختفت الظاهرة لفترة مؤقتة، وقد أرجع المراقبون بداية مظاهر هذا النوع من الانحراف في الشارع الأردني إلى مظاهر الانفتاح المتسارعة التي يشهدها المجتمع المحلي.

وتفيد المعلومات عن تلك الجماعة أن أعمار أتباعها تتراوح بين 15 و24 سنة، وأنهم من خريجي المدارس الأجنبية، ولا يعرفون شيئاً عن الإسلام برغم أنهم مسلمون.

وقابلت "إيلاف" بعض من يعرفون عن الجماعة في الأردن الذين أكّدوا أن بعضاً من هؤلاء الشباب لا يحفظون الفاتحة ولا أياً من سور القرآن، ولا يعرفون أركان الإسلام ولا معنى الشهادتين، ولا أياً من القيم الإسلامية، كذلك أوضحوا بعضاً من سلوكياتهم الشاذة مثل ممارسة الجنس الجماعي والرقص المثير للغرائز وتمزيق القرآن والالتفاف حول النار وتقديم القرابين مثل القطط أو أي من الحيوانات التي يقومون بقتلها وشرب دمائها ودهن أجسادهم بهذه الدماء، إضافة لذلك فإن أتباع جماعة الشيطان يرتدون الثياب السوداء، ويطلقون شعورهم، ويرسمون وشم الصليب المعقوف على صدورهم وأذرعهم، أو نجمة داود، ومن تقاليدهم القداس الأسود، يتعرى فيه كاهنهم باعتباره الشيطان، وتظهر في رسومات الجدران التي التقطتها إيلاف حقيقة ذلك.

ويرجّح غالبية الإعلاميين وأصحاب علم تنظيم المجتمع أن أسباب ظهور هذه الجماعة في الأردن مردّها موجة الانفتاح المتسارعة، إلا أن العديد من الشباب يقولون بأن الفراغ الثقافي الذي يعيشه الشباب الأردني هو أبرز الأسباب لوجود تلك الجماعة، فيما أكد آخرون أن هؤلاء الشباب ليسوا على علم بحقيقة طقوس عبدة الشيطان أساساً وإنما هم عبارة عن مجموعة تبحث عن التقليد وفعل شيء مختلف عن السلوك الاجتماعي العام نتيجة الشعور بالإحباط.