الغزيون يأملون أن يمر العيد دون مجازر إسرائيلية

عبدالله زقوت من غزة:بدت استعدادات أهالي قطاع غزة لاستقبال عيد الأضحى المبارك خالية من أية فرحة، مع تصاعد الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية على السكان بدءاً من الاجتياح المتكرر لمناطق واسعة من القطاع، و هدم مئات المنازل و تشريد قاطنيها، مروراً بتدشين حواجز عسكرية جديدة أدت إلى تقطيع أوصال قطاع غزة و فصله إلى ثلاث أجزاء، و الحالة الاقتصادية المزرية التي يعاني منها سكان غزة، و انتهاء ببيوت العزاء المنتشرة من رفح جنوباً حتى بيت حانون شمالاً، الأمر الذي يوحى باختفاء مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى المبارك.

أي عيد هذا

المواطن أبو خليل مزهر قال لـ " إيلاف "، و هو يقطع الطريق الساحلية جنوب مدينة غزة : " لا أدري عن أي عيد هذا نحتفل به، أو نجهز أنفسنا لاستقباله ".
و أضاف أبو خليل الذي يقطن مدينة رفح : " لقد جئت من رفح، و تعرضت للتفتيش عند حاجزي أبو هولي و المطاحن، و أكملت مشواري سيراً على الأقدام عند حاجز نتساريم لمسافة تزيد عن أربعة كيلو مترات، كي أقوم بواجب الزيارة لمريض في مستشفى الشفاء بغزة ".
و منذ عملية كارني التي أسفرت عن سقوط ستة جنود إسرائيليين و إصابة العشرات، ضربت إسرائيل طوقا شاملاً على قطاع غزة، و أغلقت كافة المعابر و المنافذ فيه، بالإضافة إلى تقطيع أوصال القطاع إلى ثلاثة مناطق مع فتحها لساعات محدودة مما زاد من معاناة الأهالي.
و أوضح أبو خليل أنه يتعين عليه أن يعود أدراجه إلى رفح قبل الساعة الثالثة عصراً بالتوقيت المحلي ( الواحدة ظهراً بتوقيت جرينتش )، خوفاً من أن يغلق الجيش الاسرائيلي الحاجز، و يبيت في العراء شأنه كشأن المئات من الفلسطينيين الذين تتقطع بهم السبل عندما يقوم الجيش الاسرائيلي بهذه الاجراءات بشكل أشبه بأن يكون يومياً.
تشاطره في الرأي المواطنة أم حسين التي أكدت أنها ذهبت إلى ابنتها المتزوجة في منطقة بيت حانون ( شمال قطاع غزة )، كي تقوم بمساعدتها بعد أن وضعت مولوداً منذ يومين، و أشارت لـ " إيلاف "، : " لقد تركت منزلي و أطفالي منذ يومين، و توجهت إلى بيت حانون من أجل زيارة ابنتي التي وضعت مولوداً كي أقوم بتهنئتها و مساعدتها كونها تسكن بمفردها بعد اعتقال زوجها منذ ثلاثة أشهر ". و أضافت أم حسين و هي تحمل حفيدها على يديها : " فضلت أن أخذ ابنتي لتسكن معنا خلال فترة ولادتها لأنني لا أستطيع أن أذهب يومياً إليها بسبب الحواجز الاسرائيلية المنتشرة هنا وهناك، و مع قدوم العيد الذي لا يوجد له أي بهجة طلبت منها أن تبقى في منزلنا لغاية ما تتحسن الأمور ".
و يجد سكان قطاع غزة معاناة حقيقية على المعابر و الحواجز الاسرائيلية التي يتفنن فيها الجنود الاسرائيليين في ابتداع أشكال معاناة حقيقية للسكان، الأمر الذي يرى فيه الناس المحليون أنه شكل متكرر من اشكال العقاب الجماعي ضدهم، و ما يفاقمه اقتراب عيد الأضحى المبارك.
و من المعلوم أن عيد الأضحى المبارك يعد من أبرز الأعياد عن المسلمين سواء بتقاليده أو سننه، بل إن الفلسطينيين سيكون أبرز عندهم من حيث مشاعره الدينية و التواصل بينهم مع اعترافهم بصعوبة المهمة مع تواجد الحواجز الإسرائيلية.

حرمان من تبادل التهاني

و يؤكد الفلسطينيون في قطاع غزة أن اجراءات اسرائيل العسكرية بحقهم، و تهديدها المستمر بشن هجوم عسكري واسع على مناطق القطاع، سيحرمهم قطعا حتى من تبادل التهاني، و عدم وصل أرحامهم في العيد، بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل على محافظات قطاع غزة.
و قال الدكتور خليل حسونة إن مظاهر البهجة و التحضير لعيد الأضحى التي اعتاد عليها المسلمين اختفت في غزة، نظراً للممارسات الاسرائيلية بحق الفلسطينيين و سياسة العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل، التي تتواصل حتى مع اقتراب عيد الأضحى المبارك الذي يحل يوم الخميس المقبل.
و أضاف حسونة : " يومياً يشيع أهالي قطاع غزة الشهداء، و لا تزال جرافات الاحتلال الاسرائيلي تهدم و تجرف المنازل و الأبنية من دون توقف، رغم التصريحات العلنية للساسة الإسرائيليين بشأن الانسحاب من قطاع غزة ".

جولة " إيلاف "

و خلال تجوال " إيلاف " في شوارع مدينة غزة التي تعد أكثر المدن الفلسطينية في القطاع ازدحاماً و حركة طوال العام، لم يظهر لنا أي مظهر من مظاهر الأعياد، بل على العكس تجد الأمر كأنه إعتيادي و يبعث على الحزن كلما ترى وجوه الغزيين المفعمة بالأم و الحزن بسبب ما يتعرض لها الشعب الفلسطيني من ظلم، و احتلال، و حصار، و قصف، و تدمير، و اغتيال، و شتى أساليب القمع بحق المدنيين.
و أثناء مرورنا بأحد الشوارع علا صوت القرآن الكريم، في بيت عزاء الشهيد عبدالرحمن السوسي الذي استشهد قبل يومين في منطقة حي الزيتون جنوب مدينة غزة، و شاهدنا ذوو الشهيد يستقبلون مئات المهنئين لا بقدوم العيد بل باستشهاد عبدالرحمن.
و في ركن آخر من أركان غزة، تجد مئات الفلسطينيين الذين هدمت منازلهم ينصبون الخيام فوق الركام بعد أن تقطعت بهم السبل، و لا يجدون حتى مآوى لهم في ظل وعود رنانة من المسئولين بإيجاد مأوى لهم، و يعتمدون على مساعدات عينية من أقاربهم و جيرانهم، لا تغني و لا تسمن من جوع.

سنة النحر و الأضاحي

و يتمسك سكان قطاع غزة بسنة النحر و ذبح الأضاحي، غير أنها ستكون باهتة حداداً على أرواح الشهداء الذين يسقطون يوميا في غزة في مظهر صار معتاداً.
و يقول أبو محمد إبراهيم أن عيد الأضحى قد تختفي كل مظاهره لكن سنة النحر و ذبح الأضاحي لن تختفي إطلاقا مهما حل بنا، و مهما وصلت أوضاعنا الاقتصادية لأدنى درجاتها، لأننا نتقرب إلى الله، و ندعو بالرحمة و المغفرة.
و يزيد الحاج أبو عاطف على كلامه : " نقوم بتوزيع لحوم الأضاحي على الفقراء و المساكين، و هم كثر عندنا بفعل الممارسات الاسرائيلية التي فاقمت الأوضاع الإنسانية ".

حالة اقتصادية مزرية

و يقترب عيد الأضحى مع تفاقم الحالة الاقتصادية لدى الفلسطينيين التي وصلت إلى أصعب من ذي قبل، و التي حدت من تواصل السكان مع العيد و التحضير له سواء من شراء بعض الحاجيات الضرورية و الابتعاد عن شراء المزيد بسبب عدم وجود ما يكفي من سد رمق الأسر.
و قال رائد أحد الباعة في سوق فراس بمدينة غزة، في الأعوام السابقة كان السوق ( فراس ) يعج بالأهالي الذين يقبلون على شراء حاجياتهم و حاجيات أطفالهم، و لكن هذا العام اختلف الأمر كلياً "، أضاف و هو يشير إلى عدد المتواجدين في السوق : " عيد بعد الأخر تزداد الأمور سوءا و تدهوراً، و لم يعد هناك حتى مساعدات و عدم للأهالي يمكنهم من ابتياع الملابس و مستلزمات العيد"


زيارة المقابر

و دعت القوى الوطنية و الإسلامية المواطنين الفلسطينيين إلى اقتصار الاحتفالات في عيد الأضحى المبارك، على زيارة مقابر الشهداء و ذويهم، و الجرحى، و عائلات الأسرى و المعتقلين.
و يأمل سكان قطاع غزة أن ينقضى عيد الأضحى هذا العام بأيامه، دون قيام إسرائيل بتنفيذ عمليات عسكرية واسعة تقود إلى مجازر تقترفها بحق السكان الذين اعتادوا على هذه الممارسات من خلال قراءتهم للمستقبل على شاكلة الماضي.