حسام شحادة من دمشق: وسط العاصمة السورية دمشق، وبالقرب من جامعة دمشق، وعلى زاوية بناء الوكالة السورية للأنباء، جلس رجل في عقد الثلاثينات وبالقرب منه لافتة كبيرة كتب عليها: "اختر الوشم الذي تريد".. كما أن هناك اليوم العديد من المحلات الخاصة بعمليات الوشم "أو التاتو" بالإنكليزية.. حيث تشهد هذه المحلات إقبالاً واسعاً من الشباب وصغار السن ومن الجنسين.
وهذه الظاهرة لا تخص شريحة اجتماعية معينة دون غيرها كما في السابق وإنما تشمل جميع الفئات الاجتماعية.. ويبدو أن صرعة التقليد لآخر ما تنتجه أو تسوقه الفضائيات يجد اليوم من يسايره ويجاريه على عكس ما كانت عليه الأمور في الماضي.
وإذا كان "الوشم" قديماً تعبيراً عن حالة قدسية أو مرتبة اجتماعية باعتبار الوشم حالة موغلة في القدم منذ الحياة البدائية حيث كان الناس يقدسون فيها مظاهر الطبيعة، فإذا كان الأمر كذلك في الماضي، فإنه اليوم لا يعدو كونه أكثر من موضة بدافه العبث واللهو أو لاعتبارات جمالية وتزينية.
فؤاد شاب في بدايات عقده الثالث، جلس أمام الرجل وسلمه ساعده ليرسم له سيفاً وعبارة تدل على قوته، تحلق الناس من حوله ليتابعوا المشهد.. اقتربت منه، وسألته لما يفعل هذا، فأجاب: إنها موضة هذه الأيام، فهذه آخر صرعة اليوم في سورية، والكثير من أصدقائي فعلوا ذلك وعلي أن أجاريهم.. أضف أنني بطبعي أحب كل شيء غير مألوف لأكون مميزاً عن الآخرين.
كثير غير فؤاد يقفون بالدور لوشم أجسادهم، الدوافع متباينة فالبعض يرغب بوشم العين على الكتف منعاً للحسد وآخرين وبشكل جماعي ينتقون وشماً موحداً تعبيراً عن صداقة وتمييزاً لهم عن آخرين.. وحتى الفتيات اليوم ومن طالبات الجامعة لا تجدهم اليوم يشعرون بأي إحراج وهم يقفون في المحلات طلباً لوشم ما على أجسامهم، فالأمر عندهم اليوم وسيلة للتزين والتأنق، وكثيرات هن اللاتي وشمن حواجبهم توفيراً لوقت العناية بالحاجب وطلباً لجمال أفضل..
وبشكل عام، الفتيات اليوم يلجأن الى "التاتو" طلباً لأغراض جمالية على الأنظار تتجه إليهن فيكن مركز استقطاب واهتمام، والشباب يرون في الوشم تعبيرات عن الرجولة والقوة. وطبعاً هذا لا ينفي أن كثيرين أيضاً يقومون بالوشم لاعتبارات دينية أو طلباً للشفاء من أمراض روحية أو منعاً للحسد.


تاريخ الوشم
تقول الكتب، أن تاريخ الوشم يعود لأكثر من خمس آلاف سنة، إذ عثر على إنسان من العصر الجليدي في النمسا وخلف إحدى ركبتيه وجد وشماً على هيئة صليب صغير، كما أن قدماء المصريين مارسوا فن الرسم على الجسد في الفترة الواقعة بين 2...-4... قبل الميلاد، وفي نفس الفترة انتشر هذا النوع من الرسم في كل من الصين واليابان، وفي عام 11.. قبل الميلاد انتقل هذا الفن من اليابان الى الفليبين ونيزيلاندا وجزر الباسفيك.
كما أن البحار والمستكشف الإنكليزي "جيمس كوك" قام بإدخال الوشم الى أوروبا في عام 1771 م بعد عودته من البحار الجنوبية حيث شاهد كوك التاهيتيين يمارسون الوشم فتعلم منهم ذلك الفن. ويصف كوك عملية الوشم في ذلك الوقت بقوله: "إنهم يلونون أجسادهم من خلال ثقب الجلد باستخدام أدوات صغيرة مصنوعة من العظم، مقطعة على شكل أسنان صغيرة، حيث يملؤن الثلم أو الفجوات بخليط أسود أو أزرق داكن معد من دخان جوزة غنية بالزيت". والمستكشف الفرنسي "بوغانفيل" يصف أيضاً كيف أن نساء تاهيتي كن يلون أجسادهن باللون الأزرق الداكن كعلامة تشير الى أنهن بلغن مكانتهن في المجتمع.
كما استخدم الإغريق وشماً سرياً على أجساد جواسيسهم، أما الرومان فقد استخدموه لتعليم وتمييز عبيدهم وحيواناتهم، كما غطى الدانماركيون والإسكندنافيون والساكسونيون أجسادهم برموز قبلية وإشارات سرية، وقد ظل الوشم بدائياً حتى أواخر القرن التاسع عشر، حيث تمكن الأمريكي "صموئيل أوريلي" من اختراع جهاز "تاتو" يعمل على الكهرباء.. وبهذا الاختراع أصبح الوشم عملية سهلة تتم ببضع دقائق بعد أن كانت تستغرق ساعات طويلة، هذا عدا عن الآلام الشديدة التي كانت ترافق ذلك خاصة إذا ما تم الوشم بدون تخدير.


طريقة الوشم
تتم عملية الوشم بحقن أصباغ خاصة عن طريق الإبر التي تدفع بالأصباغ الى داخل مسامات الجلد حتى يتحول الى جزء لا يتجزأ منه.. حيث يعزز العضو المراد وشمه حتى يسيل الدم ثم يحقن موضع الغرز بكحل أو نيل أو مداد أخضر أو غير ذلك فيخضر الموضع الموشوم أو يزرق. ويتفنن الناس في استعمال الوشم، فمنهم من ينقش على يده قلباً للحب أو نسراً أو صليباً أو اسم من يحب، وبعض النساء تصبغن الشفاه بلون دائم الخضرة.

خلفيات الوشم
قديماً كان الوشم يستخدم لتحديد المركز الاجتماعي والهوية القبلية، كما أن هناك وشماً سرياً حول الأعضاء التناسلية من الصعب إدراكه كونه من المحرمات الاجتماعية القديمة.
كما استخدم الوشم لأغراض الزينة وتحديد المركز الاجتماعي للفتاة، حيث لم تكن تضعه إلا الفتاة المؤهلة للزواج، أو لتحديد القبيلة تماماً مثل استخدامه طبياً للشفاء من الأمراض العضوية والروحية.

آلام إزالة الوشم
لإزالة الوشم يجب سحب اللون بالإبر من المسامات، وقبل اكتشاف التخدير كان يرافق ذلك آلام وعذابات شديدة تلحق بالشخص الذي يخضع نفسه الى هذه العملية. ويمكن أن يزال الوشم بحك المنطقة الهدف بأوراق نباتات برية شبيهة بأوراق الجزر، الأمر الذي يؤدي الى حدوث تقرح جلدي مؤقت يشبه الحروق. كما يمكن أن يستخدم الجير بالإزالة.

محاذير الوشم
الأوساط الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية، أطلقت جملة تحذيرات من مخاطر يمكن أن يسببها اللجوء الى الوسم وثقب الجسم، حيث يمكن أن تنجم الأضرار الصحية من استعمال الأدوات في ظروف يمكن أن تكون غير صحية تساعد على نشر الإيدز والتهاب الكبد الانتاني. يضاف الى ذلك المخاطر التي تخلفها الأصبغة وما يمكن أن تسببه من التهابات جلدية وتحسسية.