زينب عبد المنعم من القاهرة: منذ أكثر من 50 عاما اتخذ الفنان ويصا واصف و زو جته الفنانة صوفى حبيب جورجى من قرية الحرانية ــ قريبا من القاهرة ــ نموذجا لتجريب فكرة وحلم كان يشغلهما، ماذا لو استخدما الفن الفطرى الموروث عند أهالى القرى البسطاء لعمل لوحات من السجاد اليدوى الذى يقبل عليه السياح، كانت سابقة فنية تبعتها تجارب أخرى، وانتقلت الفكرة إلى عدة قرى مجاورة تعلن عن نجاح الحلم، وانتقل سجاد الحرانية خارج مصر ليعرض فى المتاحف العالمية فى أمريكا و أوروبا مثل متاحف بروكلين وشيكاغو و تايم ميوزيام و أمستردام و باريس وملبورن و سيدنى، كما أصبحت قطع السجاد اليدوية التى صاغتها أيدى الصبية الصغار و ربات البيوت من الفلاحات و معها لوحات من فن الباتيك النادرة من مقتنيات السفارات الأجنبية فى القاهرة، والفنادق العالمية.
كانت فكرة الفنان ويصا من البداية تقوم على تحويل القرية المصرية إلى وحدة اقتصادية ترفع من مستوى دخول أبناء القرية الفقراء، و هكذا بدأ مشروع دار الفن فى الحرانية قائما على الصغار الذين أتقنوا الحرفة و أصبحوا مدربين لأجيال الأخرى، و بدأت القرية تجنى أرباحا من حصيلة بيع منتجات أبنائها التى تعدت السجاد إلى نوعيات أخرى من الفنون الشعبية مثل الخزف و النحت و القماش المشغول، استعان الفنان و زوجته فى البداية بعدد لم يتجاوز 15 عاملا من 4 عائلات، كان أجر العامل وقتها 30 جنيها فى الخمسينات، وهو أجر محترم وقتها لم يكن يتقاضاه خريج الجامعة، و بعد 30 سنة من بداية المشروع وصل أجر العامل فى الثمانينات إلى اكثر من 300 جنيه، و أصبح هناك 100 عائلة تعيش على عائد هذه الفنون، وكان هناك نوع من الرعاية الاجتماعية للعاملين جعلت المشروع يزدهر، فقد كان هناك أجر إعاشة فى حدود 3. جنيها أسبوعيا تجعل العامل الفنان يطمئن على دخله و دخل أسرته، ثم بعد ذلك يتم تحديد ثمن السجادة، حيث تعلق السجادة وتتم مناقشة السعر حسب الحجم و الجهد و القيمة الفنية.
كانت مدرسة ويصا الفنية قائمة على نظام أسرى اجتماعى واقتصادى متكامل، وعند إصابة أحد العمال بطارىء مثل المرض أو حادث أو ولادة فإن أجره الأسبوعى يستمر إلى أن يعود لحالته الطبيعية و لعمله بالمشروع.
اعتمد المشروع منذ البداية على استخدام الخامات المصرية، وتم زراعة بعض النباتات التى يستخرج منها الأصباغ مثل نبات المضر الذى يستخرج منه الصبغة الحمراء، و نبات ريزى ليبيتولا الذى يستخرج منه الصبغة الصفراء، و تزرع هذه النباتات فى نفس أرض المشروع للحصول على الكمية الكافية سنويا لصبغ الخيوط المستخدمة فى السجاد، ولكن المشروع لايزرع نبات النيلة الذى يستخدم فى انتاج الصبغة الزرقاء و لا يتم زراعته حاليا فى مصر، ولذلك يجرى استيراده من فرنسا التى تقوم بدورها باستيراده من الهند ثم تصنعه فى مصانعها وتبيعه بأسعار خيالية.
أما الخيوط المستخدمة فى صناعة السجاد فهى نوعان : الأول خيوط صوفية من الخراف المحلية، أما النوع الثانى فهى الخيوط القطنية، و بالنسبة لفن الباتيك يحصل المشروع على احتياجاته من القماش الأبيض من مصانع النسيج المنتشرة فى مصر.
فى الثمانينات تعرض المشروع لهزة بسبب اتجاه الدولة للإنفتاح و أصبحت هناك مهن و حرف و أعمال أخرى تجتذب أبناء القرية لأنها أسرع و أوفر ربحا من العمل فى مصنع للسجاد مثل الفنادق و شركات الاستثمار، وقتها اعتمد المشروع على مجموعات الأطفال والعمال والعاملات من أبناء القرية، وكتب له الاستمرار.. بل و النجاح الساحق.


التجربة بعد 50 عاما.

و الآن وبعد 5. عاما من نزول الفنان ويصا و زو جته و استقراره و مشروعه بهذه القرية كيف أصبحت الحرانية ؟
ابناء التجربة كبروا، و القرية التى لم يكن أحد يسمع بها وصلت سمعتها الفنية على العالمية، شوارع القرية تغيرت، فقد أصبحت مزارا سياحيا، بيوت القرية تغيرت، تراجعت الدور الطينية المبنية من الطوب اللبن وانتشرت المنازل و العمارات، و دخل كثيرون على اللعبة التى تبيض ذهبا للتجار، الآن الحاج عامر أبو خميس وهو من أشهر صناع السجاد و الكليم اليدوى فى قرية الحرانية يشارك بإنتاجه فى المعارض الدولية فى بلجيكا و الدانمارك و الولايات المتحدة الأمريكية، يقول إن الترشيحات تأتيه من هيئة المعارض المصرية، بل يقوم وزير الثقافة فاروق حسنى بترشيحه للعرض فى كثير من المعارض الفنية بالخارج.
نسأله من يتردد على مصنعه و معرضه فى مصر يقول : كبار رجال الدولة يحرصون على اقتناء هذه القطع النادرة من السجاد اليدوى، إن كل قطعة حالة فنية فريدة ليس لها مثيل، حتى لو تكرر إنتاجها تخرج بشكل متميز، ولذلك كبار الفنانين أنفسهم والوزراء و السفراء و السواح ينبهرون من ذلك الفن الفطرى الراقى و يحرصون على اقتنائه لتزيين بيوتهم وقصورهم، حتى الفنادق الخمس نجوم أصبحت تخصص أجنحة شرقية تتزين بالسجاد و الكليم الشرقى اليدوى، كما بدأت أيضا ظاهرة إقامة الخيام و سرادقات داخل القرى السياحية و كذلك القصور و الفيلات لإقامة حفلات الزفاف و أعياد الميلاد على الطريقة الشرقية حيث تستخد م السجاجيد اليدوية الرائعة بألوانها الدافئة المشعة بالبهجة و الحيوية.
السجاد فى الحرانية لوحات رائعة منها الرسومات الفرعونية و الإسلامية و آيات قرآنية و تابلوهات من وحى الطبيعة الريفية، ولكن الجديد الذى دخل على فنون ويصا صاحب أول مشروع لصناعة السجاد فى القرية هو تلك اللوحات الكبيرة الجدارية، تابلوهات من السجاد تحاكى أشهر اللوحات التى رسمها فنانون عالميون للحياة فى مصر فى القرنين الثامن و التاسع عشر الماضيين، وكثيرا ما يتفوق التلميذ على أستاذه.