زينب عبد المنعم من القاهرة: من الجانب الجنوبى الشرقى من مسجد الإمام الحسين رضى الله عنه، و من خلف المقصورة الشريفة، و داخل غرفة غلقة لا تفتح إلا فى المناسبات الدينية تشع رائحة زكية لا يعرفها إلا من يعرفها .. مثلها مثل ذلك النور الخفى الذى يملأ أركان الميدان و ربما لأبعد من ذلك .. و طوبى لأصحاب البصائر..
إنه نور الحسين رضى الله عنه، و إنها رائحة النبى الزكية العطرة تفوح من غرفة المخلفات النبوية الطاهرة حيث تحف الملائكة، وحيث يوجد مروده الشريف و عصاه و مكحلة و بقايا من البردة الشريفة و سيفه ذو الفقار و مخصفه و ملاحف بيضاء و شعرات من الرأس و اللحية الشريفة.. و صلى الله عليك يا سيدى يا رسول الله ..

موكب مهيب

فى صباح يوم مضىء وافق الخميس الخامس و العشرين من شهر جمادى الثانى 13.5ه استيقظ سكان القاهرة على موكب مهيب بدأ من قصرعابدين وحتى المسجد الحسينى بالقاهرة، كان الموكب يتحرك بإجلال وسط جموع الناس الذين غصت بهم الطرقات و شرفات و أسطح المنازل الواقعة على الطريق، و قد وصفته جريدة الوقائع المصرية بأنه الموكب الذى كان يحمل مخلفات الرسول صلى الله عليه و سلم، حيث قالت : توافد على السراى العامرة الوزراء و قنصل دولة إيران و أفاضل العلماء و الذوات و الأعيان و التجار و موظفو الحكومة على الإطلاق، وقد كانت الآثار الشريفة فى قاعة الاستقبال الكبيرة الخديوية على أسرة من الديباج الأخضر و حواليها آلات البخور الثمينة، و لما قرب الميعاد استدعى الجناب العالى سمو الخديوى المعظم توفيق باشا إلى مجلسه الكريم أصحاب الفضيلة قاضى مصر و مفتيها و شيخ الجامع الأزهر و المشايخ الأخيار المهدى و البكرى و السادات، وتلا بعض مشاهير القراء آيات من القرآن الكريم، ثم تقدم الجناب العالى و رفع الخرقة الشريفة على يديه، و كلف كلا من أصحاب الدولة مختار باشا و حسين باشا و محمد رءوف باشا وزير الأوقاف برفع بقية الآثار، و سار أمامهم و الباقون حوله إلى أن وصلوا إلى إلى باب السلاملك الموصل إلى ميدان عابدين، وهناك تقدم السيد عبد الباقى البكرى نقيب الأشراف و استلم من يده الأمانة، و أدى فوارس العسكر و رجالاتهم و موسيقاهم واجب التعظيم، و أطلقت المدافع من القلعة إعلانا بقيام الموكب المنيف، ثم سار الموكب يتقدمه أربعة فوارس و ضابط يتلوهم كافة أرباب الأشاير الموجودة فى العاصمة و بعدهم فريق من فوارس الجيش، وقد انتظم فى هذا الموكب أكثر من 3. ألف نسمة وبلغ عدد المحتفلين و المتبركين فى طريقه مائتا ألف أو يزيدون، و عندما وصل الموكب المهيب إلى المشهد الحسينى أودعت الآثار الشريفة فى حرزها المصون و استلم مفاتيحها ناظر الأوقاف وتليت آيات من الذكر الحكيم و دارت أكواب الشربات على الحاضرين.


" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"

و يضيف السيد محمود البابلى فى كتابه " التاريخ الحسينى " قائلا : فاستمرت الآثار الشريفة بالدولاب الذى أمر به الخديوى توفيق و هو دولاب جميل الصنع فى الحائط الشرقى للمسجد من الجهة القبلية حتى أمر الخديوى ثانية بإنشاء قاعة كسيت بالرخام المجزع و بها قبلة صغيرة لطيفة و سقف من أدق الأسقف صناعة و شبابيك من من الجبس المحشو بالزجاج الملون وقد وضع دولاب الآثار الشريفة فى الجهة القبلية من هذا المكان وهو فجوة كبيرة فى الجدار مكللة بالأنوار قوى ظهرها بقضبان من الحديد و قد كسيت حوائطه و أرضه و سقفه بالجوخ الأخضر، و به لوح فخم من البللور لتوضع فوقه باقى الأمانات، و الدولاب من الخشب الجوزى المطعم بالأبانوس و العاج و قد كتب أعلاه بأحرف من العاج " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "، و كانت هذه الآية بمثابة دعوة لكل من لديه أيا من آثار الرسول صلى الله عليه و سلم كى يسلمها إلى وزارة الأوقاف لتضاف إلى باقى الأمانات بالمسجد الحسينى بالقاهرة صيانة لها من الضياع، فتقاطر على الغرفة فيما بعد آثار عدة كانت محفوظة لدى بعض أمراء و أميرات العائلة المالكة بمصر، و آثار أخرى كانت محفوظة لدى بعض المساجد و الزوايا وبعض الأفراد، و لذلك سنجد غرفة المخلفات النبوية الآن تحتوى على عدد من الآثارلم تذكر فى نص السياج الداخلى المحيط بجدار الغرفة وقت إنشائها، فمن يدخل غلى الغرفة الشريف سوف يلاحظ وجود نص بدائر القاعة على الرخام يتضمن البسملة و سورة " ألم نشرح " ثم هذا النص : ( ذكر ما هو محفوظ بهذه الخزانة المباركة من آثار المصطفى صلى الله عليه و سلم و آثار خلفائه رضى الله عنهم أجمعين، تشتمل هذه الخزانة من الآثار النبوية علىقطعة من قميصه الشريف و مكحلته و مروده و قطعة من القضيب الشريف و شعرتين من اللحية الشريفة و به ايضا مصحفان كريمان بالخط الكوفى، أحدهما بخط سيدنا عثمان ابن عفان رضى الله عنه و الآخر بخط سيدنا الإمام على كرم الله وجهه، ذكر ما تركه رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم وفاته و هو ثوب حبرة و إزار عمانى وثوبان صحاريان و قميص صحارى و قميص سحولى و سراويل و جبة يمانية و خميصة و كساء ابيض و قلانس، وحصة فى أرض فدك و ثلث ارض وادى القرى وسهم من خمس أرض خيبر وحصته من أرض بنى نضير، أمر بإنشاء هذا المكان المبارك من فضل الله تعالى مولانا عباس حلمى الثانى أدام الله أيامه ) .
هذا هو نص المكتوب على الرخام المبطن لغرفة المخلفات النبوية بالمسجد الحسينى بالقاهرة .. أما كيف جاءت هذه المخلفات الشريفة إلى مصر و مدى صدق انتسابها إلى الرسول صلى الله عليه و سلم فكان موضع دراسة جيدة مستفيضة قامت بها د. سعاد ماهر التى شغلت منصب عميد كلية الآثار جامعة القاهرة سابقا وذلك بتكليف من وزارة الأوقاف المصرية، و انتهت من هذه الدراسة عام 1965 و ما زالت هذه الدراسة حتى الآن هى أهم مرجع علمى لمن يريد التعرف على ما تركه الرسول من أشياء خاصة جدا .

الرحلة
تقول الدكتورة سعاد ماهر: و قصة مخلفات الرسول عامة سارت فى سلسلة تاريخية، بدات بطبيعة الحال بأن آلت إلى آل بيته رضى الله عنهم أجمعين ثم من أعقبهم بطريق الميراث، أو الصحابة عن طريق الإهداء، و بقيت كذلك حتى جاءت الدولة الأموية فاستطاع خلفاؤها أن يحصلوا على كثير منها بطريق الشراء فى أغلب الأحيان بقصد التبرك و التشريف، و لما زالت الدولة الأموية سنة 132 هـ و آل الحكم إلى العباسيين كان من الطبيعى أن يحرصوا على أن تؤول إليهم كذلك مخلفات الرسول صلى الله عليه و سلم .. فهم أولاد عمه و أولى الناس بها، و قد بلغ حرص العباسيين و اهتمامهم بهذه المخلفات حدا اعتبروا معه بعضها من شارات الخلافة، و قد ذكر ذلك الكثير من المؤرخين، فقد ورد أن القضيب و البردة أثران نبويان كانا من شارات الخلافة فى الدولة العباسية، و كان من مراسم التنصيب أن يأخذ الخليفة القضيب بيده فى الموكب، و تطرح البردة على كتفه فى الموكب جالسا أو راكبا، بل بلغ من عناية العباسيين بذلك أنهم كانوا كلما قام منهم خليفة اهتم بهما اهتمامه بالبيعة، فإذا كان غائبا بعثوا بهما إليه مع بشير الخلافة يبردونه .
وقد أجمع كل المؤرخين الذين كتبوا عن المخلفات النبوية الموجودة بالقاهرة أنها كانت عند بنى إبراهيم بينبع، و يقال أنهم تلقوها بالميراث عن آبائهم و أجدادهم الأولين فى أجيال متعاقبة تمتد إلى زمن الرسول صلى الله عليه و سلم، و فى القرن السابع الهجرى اشترى هذه المخلفات من بنى إبراهيم وزير مصرى يدعى الصاحب تاج الدين من بنى حِنَا، ثم نقلها غلى مصر و بنى لها رباطا على النيل عرف فيما بعد برباط الآثار، و قد بلغ من حرص المصريين على هذا التراث العظيم و تقديرهم له أن جعلوا من بين وظائف الدولة وظيفة " شيخ الآثار النبوية " .
ى القرن الثامن الهجرى يصف الرباط فيقول : فبت ليلة خروجى غلى الصعيد بالرباط الذى بناه الصاحب تاج الدين ابن حِنَا و هو رباط عظيم بناه على مفاخر عظيمة و آثار كريمة أودعها هذا الرباط و هى قطعة من قصعة رسول الله صلى الله عليه و سلم و الميل الذى كان يكتحل به، و الترزفش و هو الأشفى الذى كان يخصف به نعله، و مصحف الإمام على الذى بخط يده رضى الله عنه، و يقال أن الصاحب تاج الدين اشترى ما ذكرناه من الآثار الكريمة النبوية بمائة ألف درهم و بنى الرباط و جعل فيه الطعام للوارد و الصادر و جعل جراية لخدمة تلك الآثار الشريفة .
و يحدثنا السيوطى فى القرن الحادى عشر الهجرى عن الرباط فيقول : و لم يزل الرباط عامرا مأهولا بالمصلين و الزواو حتى تبدلت الدولة واختلت الأحوال فنقلت منه الآثار الشريفة خوفا عليها من السراق .
أما ابن إياس فيقول : فلما كان يوم الأحد السادس من رمضان سنة 926 هـ نزل الك الأمراء و توجه إلى المقياس و فرقوا أجزاء الربعة على الحاضرين من الفقهاء فقرءوا فيها عشرين دورا، ثم قرءوا صحيح البخارى، و فرق ملك الأمراء مالا على الفقهاء و أحضرت الأطفال الأيتام و فرق عليهم مبلغا، ثم أحضر من الآثار القميص الشريف من المدرسة الغورية ووضعه فى فسقية المقياس و غسلوه من الماء الذى بها، وكثر هنالك اللضجيج و البكاء و التضرع إلى الله بالزيارة.
و يذكر المؤرخ حسين بن حسين المعروف بابن الطولونى فيقول إن السلطان الغورى بنى القبة المواجهة لمدرسته للآثار النبوية و قد نقل عنه على مبارك هذا النص : و برز امره الشريف بعمارة قبة معظمة تجاه المدرسة التى أنشأها و ذلك بمباشرة الجناب العالى الأميرى الفاضلى السيفى ثانى بك الخازندار و ناظر الحسبة الشريفة و أن تكون القبة المعظمة مناظرة فى الحسن و الإتقان لما سبق .
و يقول أحمد تيمور : فيعلم من هذا أن الآثار الشريفة نقلت من رباطها عند مقياس النيل إلى هذه القبة أيام الغورى أى أوائل القرن العاشر الهجرى.
و يكمل السلسلة التاريخية السيد محمود الببلاوى فى كتابه " التاريخ الحسينى " قائلا : و قد استمرت الآثار الشريفة بقبة الآثار إلىسنة 1275 هـ، و بعد ذلك نقلت إلى مسجد السيدة زينب رضى الله عنها بالقاهرة، و بقيت به قليلا كما أخبرنا ثقات الشيوخ الكبراء، ثم نقلت فى موكب حافل إلى خزينة الأمتعة بالقلعة و استمرت بها إلى سنة 13.4هـ، ثم نقلت إلىسراى عابدين و بعدها إلى المسجد الحسينى بالقاهرة.

هل هى فعلا مخلفات الرسول؟

لا شك أن هذا السؤال طرا على ذهن الكثيرين، و قد حاولت الدكتورة سعاد ماهر الإجابة على هذا السؤال و التحقق من ذلك من خلال دراستها و مناقشتها

قطعة من البردة
ما قيل عن لباس الرسول و ما تركه بعد و فاته صلى الله عليه و سلم، و تبدأ بكلام سيد الناس عن ابن فارس قال : ترك رسول الله يوم مات ثوبى حبرة و إزارا عمانيا و ثوبين صحاريين و قميصا صحاريا و آخر سحوليا و جبة يمانية و كساءً أبيض و صفارا لا طئة ثلاثا أو أربعا و إزارا طوله خمسة أشبار و خميصة و ملحفة مورسة، ثم أضاف و رداءَ مربعا طوله أربعة أذرع و إنما اختلف فى عرضه فقيل ذراع و شبر و قيل ذراعان و شبر .
و يضيف الملاوانى فى مخطوطه " تحفة الأحباب " مما تركه النبى من ثياب و أثاث : مقرض و سواك و فراش من أدم حشوه ليف، و قدح مضبب بفضة فى ثلاثة مواضع و قدح آخر و تور من حجارة كان و مخضب من شب يعمل فيه الحنة و الكتم و يوضع على رأسهإذا وجد فيه حرارة، و قدح من زجاج و مغتسل من صفر و قصعة و صاع يخرج به زكاة الفطر، و مد و سرير و قطيفة و خاتم من فضة نقشه ( رسول الله ) و قيل انه كان من حديد مطلى بفضة، و أهدى له النجاشى خفين سارجين فلبسهما، و كان له كساء أسود و عمامة يقال لها السحاب فوهبها عليا رضى الله عنه فربما قال إذا رآه مقبلا وهى عليه : أتاكم علي فى السحاب، كما كان له ثوبان للجمعة غير ثيابه التى يلبسها فى سائر الأيام ومنديل يمسح به وجهه من الوضوء .
و يذكر ان السيدة فاطمة رضى الله عنها حينما توفى الرسول صلى الله عليه و سلم طلبت من أبى بكر رضى الله عنه أن تحصل على نصيبها من ميراث فيما تركه الرسول فقال : إنى سمعت رسول الله يقول : نحن الأنبياء لا نورث و ما تركناه صدقة، فآلت حصته من أرض خيبر و فدك إلى بيت مال المسلمين، و يصبح فى الغالب أن باقى ما تركه من متاع قد وزع على فقراء المسلمين .
و يذكر السلفى أنه لما كان زمن معاوية كتب إلى كعب ابن زهير : بعنا بردة النبى صلى الله عليه و سلم بعشرة آلاف درهم فأبى، فلما مات كعب بعث معاوية إلى أولاده بعشرين ألف درهم و أخذ منهم البردة التى آلت فيما بعد إلى العباسيين، و كانت على المعتصم لما خرج لملاقاة هولاكو و أحرقهما فى طبق و ألقى رمادهما فى دجلة و قال : إنى ما حرقتهما استهانة بهما إنما حرقتهما تطهيرا لهما .
و يذكر أن معاوية حينما دنا أجله أوصى ابنه يزيد قائلا : ول غسلى رجلا لبيبا فإن اللبيب من الله بمكان، فلينعم الغسل و ليجهز بالتكبير ثم اعهد إلى منديل فى الخزانة فيه ثوب من ثياب الرسول و قراضة من شعره و أظافره فاستودع القراضة أنفى و فمى و أذنى و عينى و احعل الثوب مما يلى جلدى دون لفافى .
و يذكر ان السيدة عائشة رضى الله عنها كانت تخرج قميص الرسول و شعره أثناء فتنة عثمان و تقول : هذا قميص رسول الله و شعره لم يبليا و قد بلى دينه .
و تخرج الدكتورة سعاد ماهر بعد سرد هذه المقتطفات التى اوردها المؤرخون إلى نتيجة تقول إن بعض ملابس الرسول بقيت عند أهله و خلفائه حتى منتصف القرن السابع الهجرى سنة 656هـ التى قضى فيها التتار على الدولة العباسية، و قياسا على ذلك فليس من المستبعد أن يكون لدى بنى إبراهيم بينبع بعض لباس الرسول صلى الله عليه و سلم التى اشتراها الصاحب منهم و جاء بها إلى مصر فى القرن السابع الهجرى و أمر لها ببناء رابطة خاصة للآثار الشريفة بجوار بستانه " المعشوق " و أوقف عليها هذا البستان.

قميص الرسول

فى غرفة المخلفات بالمسجد الحسينى رأيت ضمن الأمانات الشريفة قطعة من كساء، لونها زيتى و بها شرائط حريرية تبدو و كأنها جزء من كتف البردة الشريفة، ولكن من الواضح أنها جاءت بعدما قامت سعاد ماهر بدراستها لأن الدراسة لم تتناولها بالمرة رغم أنها موضوعة داخل صندوق زجاجى صغير لحمايتها ورغم أنها من المعروضات المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه و سلم،أو ربما لسبب ما لم تفطن إلى وجودها أثناء فترة وجودها، و إنما انصب اهتمام صاحبة الدراسة على تلك البقجة التى تضم قطع من القماش الأبيض و الذى يطلق عليه " قميص الرسول "، وقد بدأت فى استعراض ما قيل عن أنواع اللباس التى تركها الرسول عند وفاته كل منها على حدة للرجوع إليها عند دراسة ما وجد محفوظا بالمسجد الحسينى بالقاهرة، بالنسبة للخميصة جاء عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت : صلى رسول الله فى خميصة له لها أعلام فنظر إلي أعلامها نظرة فلما سلم قال : اذهبوا بخميصتى هذه إلى أبى جهم فإنها ألهتنى آنفا عن صلاتى.
و عن أم سلمة بنت خالد قالت : أتى النبى صلى الله عليه و سلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال : إيتونى بأم خالد، فأتى بها تحتمل، فأخذ الخميصة بيده فألبسها و قال : أبلى و أخلقى، و كان فيها علم أخضر أو أصفر، فإذا بحثنا فى معاجم اللغة لنقف على وصف الخميصة نجد المخصص يقول : الخميصة كساء أسود له علمان، و جاء فى الإصحاح، العلم هو رسم الثوب و رقمه .
أما عن الإزار فقد جاء فى صحيح البخارى فى باب ( البرانس ) : من لا يجد إزارا فليلبس سراويل، و جاء فى البخارى أيضا أن النبى قال : " إنها ستفتح عليكم أرض العجم و ستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فلا يدخلها الرجال إلا بالإزار "، وفى وصف الإزار يقول دوزى فى وصف الملابس عند العرب : لعل المقصود بالإزار هنا هو الثوب الذى يقوم مقام السراويل، و قال صاحب العين : الإزار ما يلتحف به .
و ننتقل إلى لون آخر من لباس الرسول صلى الله عليه و سلم، جاء فى مجامع الأنهر أنه روى عن الرسول أنه لبس جبة مكفوفة بالحرير، أى بطرفيها شريطان من الحرير، و يقول البخارى فى باب " البرود و الحبر و الشمايل " عن أنس عن قتادة قال : فقلت أى الثياب كان أحب إلى النبى صلى الله عليه و سلم قال : الحبرة، و عن عائشة رضى الله عنها قالت : إن رسول الله حين توفى سجى ببرد حبرة، و جاء فى عيون الأطهار أن النبى ترك عند وفاته ثوبى حبرة، و فى وصف الحبرة : ثوب حبر أى ثوب موشى، فهو من التحبير و هو التزين، و جاء فى الإصحاح : الحبرة بالفتح أو الكسر ضرب من برود اليمن .
و عن الملحفة قال صاحب العين : الملحفة الملاءة، وهو مايلبس فوق الملابس من دثار البرد و نحوه، و سبق أن ذكرنا أن الرسول ترك فيما ترك " ملحفة مورسة " و الورس هو أصفر خالص الصفرة، ومن الملاحف الرداء وهو المعطف .
ومن أنواع اللباس النى تركها النبى .. القميص، فقد جاء فى كتب السيرة انه ترك عند وفاته قميصا صحاريا و آخر سحوليا،و القميص هو الجلباب، اما كلمة سحولى فهو نسيج من القطن الأبيض المصنوع بقرية سحول باليمن، أما الصحارى فمن الجائز ان يكون من صنع مدينة زهار .
وبعد هذا البحث الوافى تقول : قطع النسيج الموجودة بالمسجد الحسينى و التى أطلق عليها الجبرتى قميص الرسول هى عبارة عن ثلاث قطع كبيرة تمتاز بأنها بيضاء اللون خالية من أية زخارف ملونة أو زخارف نسجية، وهى جميعا منسوجة على أنوال يدوية بسيطة، ونلا حظ فى قطعة منهه أثر خياطة، أما من حيث المادة الخام فهناك قطعتان من القطن قد تكونان أجزاء من ثوب سحولى، أما القطعة الثالثة و هى كبيرة الحجم فمن الكتان غير المبيض، ليس من المستبعد أن تكون جزءا من الكساء الأبيض أو الرداء المربع، و إن كنت أرجح أنها من النسيج المصرى المعروف بالقباطى الذى تردد ذكره فى كثير من المراجع التاريخية و عرفه العرب قبل الإسلام، إذ كتبوا به معلقاتهم، و بعد الإسلام ذكر المقريزى أن المقوقس أهدى إلى الرسول فيما أهدى قباءً و عشرين ثوبا قبطيا، و ذكر الفاكهى فى أخبار مكة : رأيت كسوة الكعبة من قباطى مصر مكتوب عليها اسم الخليفة العباسى المهدى، و مكان صناعتها تنيس .


مصحفا على و عثمان

أما بخصوص المصحف المنسوب لسيدنا على ابن أبى طالب فتقول د. سعاد ماهر : يتكون المصحف من 5.4 صفحة من الرق و مكتوب بمداد يميل إلى السواد، أما خط المصحف فهو كوفى بسيط نقطت حروفه بنقط حمراء الشكل و أخرى سوداء للإعجام، و الخط كوفى ذو زوايا قائمة و خال من الزحارف الكتابية، ويشبه إلى حد كبير كتابات العراق على الرق فى نهاية القرن الأول و بداية القرن الثانى الهجرى، كم أن وجود النقط الحمراء للتشكيل و السوداء للإعجام فى المصحف يقطع بأنه لم يكتب قبل عصر الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك عندما قام نصر بن عاصم بنقط الحروف،كما أنه من المؤكد أنه لم يكتب بعد 16. هـ حين اختفت النقط الحمراء وحل مكانها الجرات التى وضعها الخليل بن احمد للدلالة على الشكل فى أوائل العصر العباسى.
و تقول أيضا : ومن العجيب أننا لم نسمع عن مصحف على فى عصر الفواطم، ولو كان هناك مصحفا لعلى موجودا حتى الدولة الفاطمية لبذل الفاطميون كل مرتخص و غال فى سبيل الحصول عليه، و إنما لم نسمع عنه إلا فى القرن الثامن الهجرى عند زيارة ابن بطوطة لمصر، و بناءا عليه تنفى د. سعاد ماهر نسب المصحف لسيدنا على رضى الله عنه.
و عن المصحف المنسوب لسيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه فيتكون من 1.87 صفحة من الرق و مكتوب بمداد بنى داكن، أسلوب الخط كوفى بسيط و إن كان أكثر تطورا من خط المصحف المنسوب إلى سيدناعلى، ولكنه خال من النقط الحمراء و السوداء، و بعد دراستها لنوع الخط و الرقم و المداد و الورق تقول صاحبة الدراسة : أنفى نسبة المصحف غلى عثمان بن عفان رضى الله عنه، و أؤكد انه يرجع إلى الفترة ما بين نهاية القرن الأول و أوائل القرن الثانى الهجرى، و ترجح أن يكون هو المصحف الذى أمر بكتابته والى مصر عبد العزيز بن مروان المتوفى سنة 86 هـ و الذى عرف باسم حفيدته أسماء، وهو بذلك يعتبر أقدم مصحف كتب بمصر.

نعم هو سيف الرسول

كان للرسول صلى الله عليه و سلم 9 سيوف، و كان لكل منها اسما خاصا، منها البتار و المعصوب و المخدم والرسوب و الحتف و القلعى و ذو الفقار و الصمصامة و العضب، كما ورث عن أبيه المعورف .
وتصف د. سعاد ماهر السيف المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه و سلم قائلة : بدراسة السيف الموجود تبين أنه يتكون من نصل مستقيم ذى حدين يبلغ طوله 125سم و عرضه فى أعرض أجزائه 4سم و ذلك عند الواقية و عرضه فى الوسط 3 سم و عند طرفه المدبب يبلغ عرضه 75. سم، و مقبض السيف من الخشب و مثبت فى نهاية النصل بواسطة ثلاثة مسامير، وفى نهاية المقبض توجد الواقية و هى على شكل صليبى يتجه بطرفيه إلى أسفل.
و بفحص السيف بالمجهر تبين وجود نص من الكتابة العربية محفور على أحد جوانب النصل، ظهر بوضوح أنها محفورة فى معدنى السيف و لها نفس قدمه حيث ظهر الصدأ و تأثر المعدن بفعل الزمن، و يبلغ طول هذه الكتابة 3.5سم، وبدراسة اسلوب خط الكتابة تاكد أنها مشتقة من الخط النبطى أصل الكتابة العربية، فهو يشبه خط نقش حران المؤرخ سنة 658م آخر مراحل الانتقال للخط العربى الحجازى، و غن كان خط السيف متطور بعض الشىء، كما يشبه الخط المحفور على شاهد قبر عثر عليه فى أسوان و يرجع إلى سنة 31هـ/65.م و إن كان خط الشاهد اكثر تطورا، وعلى ذلك يمكن ارجاع أسلوب خط السيف إلى الفترة الزمنية التى تقع بين التاريخين، اى أننا نستطيع تأريخ أسلوب الخط إلى عصر الرسول صلى الله عليه و سلم 1.هـ 65.م، و يمكن قراءة النص كالآتى : ( محمد رسول الله من سعد بن عبادة ) .
و بذلك تنتهى د. سعاد ماهر إلىأنه من المرجح أن يكون هذا السيف المحفوظ بغرفة المخلفات النبوية بالمسجد الحسينى بالقاهرة هو السيف الذى أهداه الصحابى سعد بن عبادة إلى الرسول صلى الله عليه و سلم والذى سمى بالعضب نسبة إلى شق موجود به.

15 شعرة من الرأس الشريف

يقول احمد تيمور غن شعرتين كانتا مع الآثار النبوية بقبة الغورى و نقلتا معها غلى المسجد و هما فى زجاجة محفوظة فى صندوق من الفضة، و الواقع أنها أربع شعرات لا شعرتين و لونها كستنائى داكن، قد يكون نتيجة خضابها او دهنها او أو تطييبها فقد خضب رسول الله شعره و دهنه، و طولها بين 7 و 1.سم و هو طول يبلغ شحمة الأذن، وكان له صلى الله عليه و سلم شعر يبلغ شحمة أذنيه .
ثم أضيفت إليها شعرة كانت عند أحمد طلعت باشا رئيس ديوان الخديوى سعيد وابنه توفيق، و يقال أن هذه الشعرة حباه بها السلطان فى إحدى سفرياته إلى القسطنطينية، و هى شعرة بيضاء و قد كان من شعره الشريف شعرات بيضاء و تصل إلى شحمة الأذن إذ يبلغ طولها 8 سم، و فى سنة 134.هـ أضيفت إليها ثلاث شعرات كانت بتكية الكلشنى بشارع تحت الربع، وهى أيضا من الشعر الرجل و يتراوح طولها بين 8 و 1. سم و لونها كستنائى فاتح، واضح أنها كانت بيضاء ثم خضبت، و فى عام 1342هـ أحضرت الحاجة ملكة حاضنة الأمير كمال الدين ابن الساطان حسين قارورة إلى المسجد الحسينى و أخبرت أن بها خمس شعرات من اللحية الشريفة، أربع منها لونه كستنائى وواحدة بيضاء، و جميعها تميل إلى الجعود و طولها بين 3 و 5 سم
كما توجد زجاجة بها شعرة واحدة بيضاء قصيرة يقول عنها ابن حجر العسقلانى فى الدرر أنها لعلى محمد بن الحلاطى المعروف بالركابى لزعمه أن عنده ركاب الرسول صلى الله عليه و سلم، و أنه كان يزعم أن لديه شعرة من شعره الشريف و أن حفدته قد أهدوا هذه الشعرة كى تحفظ مع الآثار.
و هناك شعرة أخرى يقال أن تكية النقشبندية أرسلتها أيضا لتحفظ فى غرفة المخلفات، وهى أيضا من الشعر الرجل ويبلغ طولها 1..5سم مما قد يصل بها إلى المنكب، وقد كان شعره صلى الله عليه و سلم فوق الوفرة، و الوفرة ما نزل ألى شحمة الأذنين، كما كانت له لمة وهى التى ألمت بالمنكبين، وتنتهى صاحبة الدراسة إلى ترجيح نسبة هذه الشعيرات إلى الرسول صلى الله عليه و سلم.
و كما فعلت بالسيف درست د. سعاد ماهر بقية الآثار مثل قطعة القضيب و المرود و المكحلة و رجحت نسبهم إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم بعد تحليل المكونات المعدنية ومقارنتها بما جاء فى كتب التراث .
لقد حظيت هذه المخلفات الشريفة بإجلال و حب سكان مصر و زوارها، و صدق فيها ما قاله جلال الدين بن الخطيب الدمشقى :
يا عين إن بعد الحبيب و دارهو نأت مرابعه و شط مزاره
فلك الهنا فلقـد ظفـرت بـطائـلإن لــم تــريـه فـهــذه آثـاره