عبد الله الدامون من الرباط: الإغريق القدامى كانوا يأخذون توقيت الألعاب الأوليمبية مأخذ الجد ويحرصون على أن تجري في أكثر الأوقات سلما. أحيانا كانوا يختارون توقيت الأعياد الكبرى والمناسبات السعيدة كي يعلنوا فيها الألعاب. "البارون دي كوبرتان" مجدد الألعاب الأوليمبية كان بدوره يحرص على أن تجري الألعاب في أكثر الأوقات إشاعة للسلام, وحين لا تتوفر هذه الأوقات كان يطلب من الحكومات "سلاما أوليمبيا" يعقد فيه الصلح أو يستريح فيه المحاربون في انتظار إجرائها.
لكن حماقة الحكومات وتدخلها السافر في هذه الألعاب بدأت حينما قاطعت الولايات المتحدة الأمريكية أوليمبياد موسكو وأجبرت عددا من الدول على ذلك, وبعد أربع سنوات فقط ردت موسكو بالمثل وقاطعتت أوليمبياد لوس انجلس.
في الماضي كانت الألعاب الأوليمبية مناسبة للصداقة وتقارب الشعوب, وفي العهد الحديث جعلت منها الحكومات مناسبة لمزيد من الشقاق وتنافر الشعوب.
لكن دورة أثينا يوجد فيها الجميع. غير أن الغريب أن أكبر دولة تنافس على الميداليات تخوض حربا على العالم وتهدر أنهارا من الدماء كل يوم. ففي كل يوم يحصد رياضيو الولايات المتحدة الأمريكية المزيد من الألقاب والمزيد من الميداليات، وفي كل يوم يهرق جيش الولايات المتحدة الأمريكية المزيد من الدماء ويودي بحياة المئات.
في العراق وأفغانستان تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بحرب قذرة. إنها تحتل بلدانا بالحديد والنار، تماما كما كان يفعل هولاكو المجنون. جورج والكر بوش لا ينقصه الغباء كي يفعل مثل هولاكو أو أكثر. ولا ينقصه الجنون كي يتمنى مزيدا من الانتصارات للمنتخب العراقي لكرة القدم في أثينا، بينما جيشه يدك منازل العراقيين ويلقي فوقهم بأطنان القنابل يوميا.
كان بوش يود أن يفوز اللاعبون العراقيون بالميدالية الذهبية, بينما يصب على آبائهم وأسرهم أمطار القنابل في بغداد وفي غيرها من المدن العراقية. قال إنهم حققوا انتصاراتهم بفضل الحرية التي جاءت على فوهة الدبابات الأمريكية، أما هم فيفعلون ذلك لأنهم شعب يرفض الاحتلال ويريدون أن تنسي انتصاراتهم مآسي شعبهم.
اسرائيل بدورها جاءت إلى أثينا تنافس على الألقاب الميداليات بينما تقود حكومتها أبشع حرب ضد الحياة وتمارس أسوأ الجرائم ضد الإنسانية. إنها دول تحاول أن تخفي بميدالياتها آلاف الجثث وآلاف المآسي.
في أثينا يتبارى الجميع. الضحية والجلاد. المحتل والخاضع للاحتلال. القوي والضعيف. لكنها منافسة بعيدة عن روح السلام التي تمناها الإغريق القدامى، وبعيدة عن الروح الأوليمبية التي تمناها البارون دي كوبرتان.