عندما استيقظت بغداد في 14 تموز منذ 47 سنة
أسرارالعراق في ملفات الوثائق البريطانية


عبد الكريم قاسم
نجم عبد الكريم: لم تهدأ بغداد منذ ذلك التاريخ, و حتى هذه الساعة, فكيف استقبل العالم أحداث الرابع عشر من تموز عام 1958 .. ؟!
.. في صبيحة مثل هذا اليوم من 47 سنة تفجر زلزال في العاصمة العراقية بغداد، لا زالت حممه تتطاير حتى هذه الساعة, وأحدث تغييرات استمرت آثارها منذ ذلك التاريخ عندما بدأت المجازر و التي تمثلت في صراعات داخلية, و مواجهات بين الأطراف المتصارعة, راح ضحية لها عدد من خيرة رجالات العراق إثر محاكمات شكلية تحكمت فيها حالات من الفوضى, و تأليب الأحزاب ضد بعضها البعض ، فكان القتل و السحل و الدمار الذي عاشته العراق عقب الإنقلاب في سنواته الأولى .
.. .. ولم تخمد آثار ذلك الزلزال عند الصراعات الدموية الداخلية فحسب, و انما جرت المنطقة إلى حروب مع الجيران, فكانت الحرب مع إيران التي تجاوز عدد ضحايا المليون كائن بشري, و أوقعت المنطقة بخسائر اقتصادية فادحة, و على إثر صيحات دولية .. ساهمت فيها معظم شعوب العالم هدأت تلك الحرب التي استمرت لأكثر من ثمان سنوات, و إذا بحرب ثانية تتفجر عندما عمد ساسة بغداد الى القيام بمغامرة دموية أخرى, تمثلت في غزو الكويت وإحتلالها.
.. و لم يكتفوا بهذا فحسب و إنما وجهوا صواريخهم نحو مناطق متعددة .. و لا زالت المنطقة وفي مقدمتها العراق نفسه تعيش آثار تلك الزلازل السلبية والمدمرة على نفسية إنسان المنطقة !!
و لعله من الغريب أن تحتوي الوثائق البريطانية التي أرّخت لهذا اليوم – ( 14 ) تموز – من بغداد عبر الرسائل السرية التي أُفرج عنها منذ سنوات .. تحتوي على نبوءات تحقق معظمها.
لنلقي نظرة على عدد من الرسائل التي خرجت من بغداد صباح ذلك اليوم, والتي تحتوي على إشارات واضحة للنتائج التي وصل إليها العراق إثر زلزال ( 14 ) تموز المدمر !!

الرسالة الأولى:

مستعجل جداً من م. رايت السفير البريطاني في بغداد.
1- إذاعة بغداد في يد الحكومة الجديدة منذ الساعة ( 5 ) صباحاً حيث أعلنت قيام الجمهورية العراقية بحكومة على رأسها عبد الكريم قاسم, و تضم بعض الشخصيات المدنية أمثال صديق شنشل, ومحمد حديد.
2- ليست لدينا معلومات عن الملك .. و الوصي عن العرش, و نوري السعيد .. و المعارك لا زالت مستمرة بالقرب من قصر الرحاب و هو المقر الرسمي لإقامة الملك.
3- قسم الدائرة القنصلية التابع لسفارتنا يقع الآن تحت حصار من قبل حشود جماهيرية حيث المظاهرات عمّت مناطق بغداد .. و قد تم اختفاء الشرطة المكلفون بحراسة الدائرة القنصلية.
4- وجهنا النصح لكافة أعضاء الجالية البريطانية و عوائلهم أن يبقوا في بيوتهم.
ملاجظة:
انقطعت الاتصالات كافة مع السفارة في تمام الساعة ( 9 ) صباحاً بسبب اقتحام مبنى السفارة من قبل المتظاهرين.
" كانت هذه الرسالة سرية للغاية وموجهة الى وزارة الخارجية البريطانية".
.. وعلى إثر ذلك الحدث في صبيحة اليوم الرابع عشر من تموز.. ساء التوتر بين المعسكرين الغربي والشرقي, حيث قامت الحكومة الأمريكية بإنزال لقوتها البحرية المتابعة لأسطولها السادس في لبنان.. كما قامت قوات المظلات البريطانية بإنزال في الأردن منطلقة من قبرص..
و حذر ( نيكيتاخروشوفا ) سكرتير الحزب الشيوعي السوفياتي من أي تدخل عسكري في العراق, و بدأت مناورات للجيش الروسي على الحدود مع تركيا, و ذلك كإعلان للإيرانيين و الأتراك بعد استخدام اراضيهما لمهاجمة العراق من قبل قوات المعسكر الغربي.
.. ..
نعود إلى الوثائق البريطانية التي أرّخت لذلك اليوم:
لنجد رسالة سريعة للغاية موجهة من السير بوكر السفير البريطاني في أنقرة إلى وزارة الخارجية يقول فيها :
أ – السفارة البريطانية دُمرت تماماً و نُهبت و سفير صاحب الجلالة وعقيلته الآن في فندق بغداد تحت المراقبة .. السفير التركي اتصل مع سفير صاحبة الجلالة وعلم منه بأن رئيس قسم الإدارة في السفارة البريطانية قد قُتل !!
ب- الجنرال الداغستاني قد اعتقل في مدينة ( بعقوبة ) !
ج – استناداً لبعض التقارير فإن فاضل الجمالي قد قُتل!
د – ليس هناك معلومات عن توفيق السويدي!
هـ - هنالك إعلان رسمي واحد أشار إلى ان الملك قد قُتل !!
و – استناداً الى شائعات من مصادر مختلفة تؤكد أن نوري السعيد قد هرب !!
ز – أخبرتني وزارة الخارجية التركية استناداً إلى إذاعة اسرائيل أن الوصي على العرش لا يزال يقاوم في قصره !
.. والواضح جداً من البرقيات التي أرسلت من بغداد صباح ذلك اليوم إن الصورة لم تكن واضحة للجميع بدليل ورود بعض الأخطاء والتي ثبت عدم صحتها فيما بعد كـ مقتل فاضل الجمالي, بل إن مجلس الوزراء البريطاني الذي عقد جلسة خاصة في مساء ذلك اليوم خصّصها للبحث فيما يحدث في العراق, ورد على لسان وزير الخارجية ( سلوين لويد ):
" أن المعلومات تشير بأن الملك فيصل قد سُمح له بالفرار بعد أن تم حجزه, في حين أن ولي العهد ونوري السعيد قد قُتلا."
ونجد كذلك أخطاء أخرى وردت في رسائل سرية اُرسلت من بغداد إلى كل من واشنطن وأنقرة وطهران .. وكلها تحتوي على معلومات ليست دقيقة !
فهذه الرسالة مثلاً ارسلها السير ( رالف ستيفنس ) السفير البريطاني في طهران, تحتوي على معلومات مصدرها وزارة الخارجية الإيرانية:
( سري للغاية )
.. أدناه معلومات تتعلق بأحداق الـ ( 24 ) ساعة الماضية لما يحدث في بغداد:
1- الأمير عبد الإله ذُكر بأنه قُتل, ومن ثم تم إنكار ذلك.
2- ليس هناك أخبار عن نوري السعيد..
3- ثلاثة آخرين قتلوا, و فيما بعد لم يتأكد ذلك, و هم صباح ابن نوري السعيد, مدير الدعاية الحيدري, و فاضل الجمالي, و يبدو أن هذا الأخير قد هرب إلى تركيا.
4- ضابطان بريطانيان لم يسميا بعد قد أُصيبا .. الأول في المستشفى والثاني توفي في ساعته.
5- الانقلاب قام به لواء كان عائداً من الخدمة في الاردن.
6- ليس هنالك من أخبار عن الملك فمنذ أن غادر القصر في الصباح الباكر إلى جهة مجهولة, وحتى الآن لا يُعرف مصيره.
7- مكتب الدائرة القنصلية للاستعلامات في السفارة البريطانية نُهب ودُمر تماماً.
8- السفارة البريطانية نهبت بعد أن قامت امرأة بريطانية بإطلاق الرصاص على متظاهر حاول القيام بإنزال العلم البريطاني.. البوابة الرئيسية للسفارة قد حطمت و دمرت السفارة تماماً بواسطة الدبابات ماعدا غرفة واحدة.
9- تم تدمير تمثال الجنرال ( مود )
10 – تم تدمير تمثال الملك فيصل
11- تم تدمير منزل نوري السعيد بالمتفجرات
12- ليس من الممكن الحركة داخل العراق وخارجه أو عبر الحدود.

عبد الاله وصي العرش
وفي برقية سرية للغاية كتب سير ستيفنس السفير البريطاني في طهران إلى وزارة خارجيته, أنه علم من مصادر وزارة الخارجية الإيرانية أن السفير الإيراني في بغداد كتب إليهم مايلي:
أنه حصل على معلومات من أحد الضباط في حركة التمرد من أنهم – أي الضباط – توجهوا في الصباح الباكر في يوم 14 تموز لاحكام الحصار على القصر الملكي .. ولما دخلوا على ذلك القصر بهدف حماية كل من الملك والوصي عبد الإله .. قد فوجئوا بحرس القصر يبادرون بإطلاق النار على الضباط فردوا عليهم بالمثل, فكانت معركة دموية قُتل على إثرها الملك وخاله عبد الإله الوصي .. وبعد أن تمكن المتمردون من السيطرة على القصر أخفوا على الناس مقتل الملك, و لكنهم سلموا جثة الوصي على العرش عبد الإله إلى الغوغاء ، فأخذوا يسحلون جثته بالشوارع, و قطعوا أطرافه و دسوها في مناطق معينه من جسده !!
.. و كافة أعضاء الوزارات السابقة هم إما ما بين قتيل أو قيد التوقيف أو هارب !
.. ..
نعود إلى السفير البريطاني ( مايكل رايت ) سفير بريطانيا في بغداد, لنجده اتخذ لنفسه مركزاً مؤقتاً ضمن السفارة الأمريكية في بغداد حيث أرسل إلى وزارة خارجيته الرسالة السرية التالية:
"..قُتل نوري السعيد بعد ظهر اليوم 15 تموز, و لقد علمت أنه قد تم الكشف عنه و كان يرتدي ملابس النساء !
و هناك من يقول أنه انتحر, إلا أنه من الواضح أن نوري السعيد قد قتلته الغوغاء .. و تعرض جسده للتمثيل و السحل في الطرقات العامة!"


....
و هناك الكثير من البرقيات السرية التي أُرّخت للرابع عشر من تموز عام 1958 التي أخذت موقعها في مركز وثائق الحكومة البريطانية و بعضها احتوى على أحداث يقشعر لها البدن و تشمئز النفس من الاتيان على ذكرها !! لما تحمله من بشاعة تتنافى و أبسط قواعد السلوك الإنساني!!
.. و لكن بعد مرور فترة وجيزة من الزمن, كتب السفير البريطاني في بغداد ( مايكل رايت ) الى وزير خارجيته ( سلوين لويد ) رسالة حاول فيها أن يعطي صورة واضحة عن الأهداف بعد أن هدأت عاصفة الزلزال قليلاً .. كتب فيها:
" سـيدي ..
1 – من خلال البرقيات التي شرحت لكم فيها ما حل بالعراق منذ الصباح الباكر لتمرد 14 تموز, إلا أنه لم تكن الصورة جلية بشكل واضح, ويشرفني أن أضيف بعض ماتوفر لدي من معلومات بعد أن وضحت تلك الصورة إلى حدٍ ما:
2 – في الساعة الثامنة من صباح 14 تموز, كان الملك و خاله الموصى على العرش عبد الإله, و نوري السعيد و آخرون يزمعون السفر إلى أنقرة جواً ، بهدف إجراء محادثات تمهيدية ما بين رؤساء كل من تركيا و إيران و الباكستان قبل أن ينعقد مجلس وزراء حلف بغداد في لندن في يوم 28 تموز .. و تصادف أنه في صباح يوم 13 تموز, كان اللواء 19 واللواء 20 المرابطين في منطقة ( بعقوبة ) فد تسلما أمراً بالتحرك إلى الأردن بناءاً على طلب من الملك حسين لحمايته بعد أن اكتشف مؤامرة تستهدف حياته !!
و المعروف أن هذين اللواءين بقيادة ضباط دلّت التحريات أنهم غير موالين لحكومتهم و بعضهم متأثر بأفكار ( ناصر ) ! و استناداً إلى تصريحاته فإن قاسم كان ينتظر هذه الفرصة منذ عام 1956 للقيام بانقلاب يهدف إلى تغيير النظام الملكي في العراق !
و لما جاءت الفرصة في 13 تموز قرر قاسم و رفقاءه انتهازها للتخلص من الملك و الوصيّ و نوري في عملية سريعة اتسمت بالوحشية.
..
و في صباح يوم 14 تموز حوصر القصر الملكي و هوجم ولا زالت القصص حول هذا الحصار تتواتر بأشكال مختلفة !!
إلا أنه بات من المؤكد أن الوصي و والدته و إحدى شقيقاته قد قتلوا, أما زوجته فقد جُرحت! أما الملك فقد قُتل في الحال بعد أن أصيب بجروح بليغة, و منزل نوري السعيد قد هوجم, لكنه استطاع الهرب داخل مدينة بغداد, ورُصد مبلغ 10 آلاف دينار ثمناً لرأسه, وفي يوم 16 تموز تم العثور عليه مقتولاً في الشوارع .. أما جثة الوصي فقد سُلّمت الى العامة حيث تم التمثيل بها بشكل بشع..
وقيل إن جثة نوري السعيد قد تم نبشها من قبل الغوغاء بعد دفنها, و تم تقطيع أوصالها بعد أن سُحلت في الشوارع!
.. ..

الملك فيصل الثاني
في ذات الوقت في حوالي الساعة 6 من صباح 14 تموز فإن صوتاً قالوا بأنه العقيد عبد السلام عارف قد سُمع من راديو بغداد يحرض الناس على أعمال السلب و نهب القصر الملكي, و استناداً لشهود عيان كان الجنود و الضباط من خلال الناقلات العسكرية يخاطبون الغوغاء الهائجة في الشوارع و يحثونها على القيام بالسلب و النهب .. و بعد الساعة 6 صباحاً تم الإعلان عن أسماء وزراء الحكومة الجديدة و الذي يبدو أن الوزراء المدنيين جميعاً قد تمت تسميتهم كوزراء دون علمهم, و دون معرفتهم بهوية الانقلاب الذي ضمّهم في الحكومة الجديدة.
... و بهمجية غوغائية بعيدة عن السيطرة, قم اقتحام مبنى القنصلية البريطانية ومكتب الاستعلامات التابع للسفارة حيث اندفع الغوغاء إلى أرضية السفارة ونهبوا وأحرقوا المبنى .. ومع نهاية الصباح أخذت الحكومة تخشى أن تستمر أعمال النهب والسلب والغوغاء في ارتكاب اعمال لا يمكن السيطرة لها عليهم!! ففُرض حظر التجول اعتبارا من الساعة الواحدة بعد الظهر, وخلال النهار تم اعتقال كافة اعضاء الحكومات السابقة الذين عُثر عليهم, و قد ادعت السلطة الجديدة انهم اعتقلوهم لحماية حياتهم من هجمات الغوغاء.
.. في نفس الوقت تم اعتقال ثلاثة وزراء أردنيين كانوا يقيمون في فندق بغداد ، كما تم اعتقال ثلاثة مواطنين أمريكيين كانوا يسيرون في الطريق و آخر ألماني.
.. برغم أن الانقلاب قد تم تنفيذه خلال 24 ساعة, إلا أنه كان ينم بأن هناك العديد من التنظيمات داخل وحدات الجيش كانت تنتظر هذه اللحظة, و فيها بعض الضباط من داخل حماية الملك و آخرون في قيادات عسكرية متقدمة الرتب..
..
في بغداد فإن الحكومة الجديدة ذاتها فوجئت بل وخشيت من هيجان الغوغاء و حالات العنف و التوحش الذي انطلق دون رؤية محدده , فكانت العائلة المالكة هي الضحية لأنها صٌفيت بشكل سريع, و لم تكن و لم تكن هناك شخصية قيادية كان بإمكانها أن ترفع صوتاً لمقاومة ذلك الطوفان الأهوج!!
.. غير أن الفريق عمر علي و هو من الموالين لحكومته الملكية, و كان قائد الفرقة الأولى في منطقة الديوانية, قد أراد الوقوف بوجه ذلك الطوفان وعدم الامتثال لأوامر الانقلابيين لكنه لم يستطع السير في هذا الاتجاه .. فالتيار كان أقوى من أن يقف بوجهه!!
و ضباط الفرقة الثانية في منطقة كركوك أخذوا يناقشون الأمر فيما بينهم حتى مساء 14 تموز, ولكنهم قرروا في النهاية تأييد الانقلاب!
..
من جانب آخر, فقد حدثت انفجارات في مخازن شركة نفط خانقين أدت الى حريق ضخم غطى دخانه سماء بغداد لمدة أسبوع.
* * *
.. .. إن الذي يطلع على كتاب: " وثائق ثورة تموز 1958 في ملف الحكومة البريطانية"
للدكتور/ مؤيد ابراهيم الونداوي ..
سيكتشف أن التقارير التي احتوى عليها مركز الوثائق تضمنت دراسات تشير بشكل صريح عن نتائج هذا الانقلاب و ما ستؤدي اليه تصرفاته في المستقبل, و خصوصاً فيما يتعلق بالأطماع التاريخية للكويت .. بل إن الوثائق قد أشارت بشكل صريح إلى أن هناك متاعب محتملة ستواجه الكويت!! و قد جاء ذلك في الرسالة السرية التي بعثها السيد هود من السفارة البريطانية في واشنطن إلى وزارة الخارجية البريطانية يؤكد فيها أن وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس يتوقع متاعب ستحدث للكويت من جراء هذا الانقلاب !
.. جاء ذلك في الفقرة الثانية من الرسالة السرية المرقمة 11889 شخصي و سري ومستعجل بتاريخ 14 تموز.
.. كما ورد ذكر الخطورة على الكويت ثانية في المذكرة التي وصلت إلى الخارجية البريطانية .. مذكرة إلى السير ويليام هايز .. و نسخة منها إلى السير دين والسيد شاكبروك وهي على قدر من الأهمية تتعلق بالمكتب الشرقي الخاص بالكويت والمملكة العربية السعودية وإيران .. وجاء فيها:

1 – إذا نجح الانقلاب في العراق فإننا سنفترض بأن نظاماً عسكرياً ديكتاتورياً واستبدادياً سيكون في المنطقة.
2 – النظام الجديد بالتأكيد سوف يهيج المشاعر الوطنية و القومية و يدعو إلى التضامن مع مصر.
3 – مما لا شك فيه أن موضوع النفط في العراق سيكون له تأثيراته على شركة نفط الكويت .. وأنا أعتقد أن وجهة نظر العراق إزاء جيرانه ستكون كما يلي:
أ – انها ستبادر لإثارة ملكية العراق للكويت و بشكل أكثر مما كانت تقوم به الحكومات العراقية السابقة .. و خوف الكويتيين من العراق ربما يزداد إلى النقطة التي تجلب انتباه العراقيين و بشكل أكبر من الثورة الحالية!
ب – رؤية العراقيين للكويت ربما لها تأثيراتها غير المباشرة في إساءة العلاقة بين العراق و المملكة العربية السعودية كما ستكون هناك اختلافات أيديولوجية.
ج – رؤية العراق للأهواز من شأنه أن يجعل العلاقة سيئة مع إيران.
4 – السياسة المصرية يجب أن توجه باتجاه ابقاء الكويت بعيدة عن العراق سواء كدولة لها كيانها الخاص أو باعتبارها عضواً في جامعة الدول العربية .. و كذلك المملكة العربية السعودية سيكون لها نفس الاعتراض لهذا السبب, و كذلك الخوف من مصر من شأنه أن يجعل الكويت أكثر تابعية إلى مصر .. مهما يكن فإن العلاقات البريطانية الكويتية ستكون موضع هجوم من قبل العراق ومصر أيضا.
5 – وجهة نظر السير ياروس هي أنه في حالة أن تصبح بغداد تابعة لـ ناصر, فإن انجذاب الكويتيين نحو الجمهورية العربية المتحدة سوف يزداد, و لكن رغبة الكويت للاحتماء بنا سوف تزداد أيضاً, و لهذا فإن إحدى القوتين سوف تعمل على نحو طرد القوى الأخرى !!

عبد الكريم قاسم
. وقّع هذه المذكرة ( د. م. ه. ريتشز )
مسئول مكتب الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية.
ولم تكن الرسائل والبرقيات التي تخرج من السفارات الأجنبية في بغداد وحدها تتخبط في متاهات أملتها عليها ظروف الأحداث في ذلك اليوم, وانما كانت عواصم العالم المعنية تعاني من شح المعلومات فيما يجري في العاصمة العراقية بغداد !!
فهذه رسالة سرية وشخصية ومستعجلة أرسلتها وزارة الخارجية البريطانية إلى سفارتها في اسطنبول كما أرسلت نسخة منها إلى سفارتها في طهران وأخرى إلى سفارتها في كراتشي .. تقول الرسالة:
" نحن مقطوعون عن سفارة صاحبة الجلالة في بغداد, سأكون ممتناً فيما لو أرسلتم لنا أية معلومات تستطيعون جمعها تتناول ما يجري من أحداث خطيرة صباح هذا اليوم في بغداد !!
وإننا لمهتمون جداً لمعرفة وجهات نظر ممثلي حكومات الأتراك والباكستانيين والإيرانيين الموجودين في مؤتمر استانبول !!
* * *
.. و كان المصدر الوحيد لارسال المعلومات عما يجري في بغداد في ذلك اليوم هو السفارة الأمريكية في بغداد, مع أنهم سلّموا أجهزتهم إلى المتمردين, و لكنهم أبقوا على جهاز آخر لم يتمكن المتمردون من الوصول إليه .. و قد جاء ذلك في البرقية التي خرجت من السفارة الأمريكية حيث نصّت على التالي:
" شخصي و مستعجل التاريخ 14 تموز
السفارة الأمريكية في بغداد محاصرة, و بناءاً على طلب المتمردين قامت السفارة بتسليم أحد أجهزة الإرسال, و لكن السفارة نجحت بإبقاء جهاز آخر, و هذا الجهاز كان المصدر الوحيد لارسال العديد من الرسائل إلى العاصمة الأمريكية و منها إلى العواصم الأخرى. "
* * *
و الملاحظة المثيرة للغرابة و العجب أن هناك الكثير قد كُتب عن أحداث 14 تموز, و بأقلام شخصيات ساهمت هي نفسها في صنع ذلك اليوم .. و لكنها لم تكن تذكر الحقائق التي يمكن الوقوف عليها في مركز الوثائق البريطانية, لأن معظم الكتّاب الذين دوّنوا تأريخ ذلك اليوم وأحداثه, قد خضعوا لتأثيرات ذاتية باعدت بينهم وبين الموضوعية .. تُرى متى تكتب حقيقة يوم 14 تموز ؟!!

القوات البريطاية في المنطقة